
رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن رحلة الإسراء والمعراج من الأحداث الضخمة من تاريخ الدعوة الإسلامية، ولقد سبقته البعثة المحمدية وجاء هذا الحادث قبل الهجرة، وهي حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أن أعلن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد أرسل إليه أمين الوحى جبريل عليه السلام ليكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته متمة وخاتمة للرسالات السماوية السابقة، ويعد حدث الإسراء هى الرحلة التي أرسل الله تعالى بها نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على البراق مع أمين الوحى جبريل عليه السلام ليلا من بلده مكة المكرمه من المسجد الحرام إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئا، ولكن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصر على تأكيدها وأنه انتقل بعد ذلك من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل عليه السلام على دابة تسمى البراق وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك صلى الله عليه وسلم في نفس الليلة، ومن هنا يقول الله تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ولقد تكالبت الأحزان على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
وعمه أبي طالب في عام واحد، فالسيدة خديجة رضى الله عنها كانت خير ناصر ومعين له بعد الله سبحانه وتعالى، وعمه كان يحوطه ويحميه، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه صلى الله عليه وسلم أنه مات كافرا، وتستغل قريش غياب أبي طالب فتزيد من إيذائها للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتضيق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يلاحق النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج ، وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول” إنه صابئ كذاب ” ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، لعله أن يجد قبولا، فاختار الخروج للطائف، التي كانت تمثل مركزا مهما لسادات قريش وأهلها، ومكانا استراتيجيا لهم، حيث كانوا يملكون فيها الأراضي والدور، وكانت راحة لهم في الصيف، فعزم على الخروج إليها راجيا ومؤملا أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة، وكان في صحبته غلامه زيد بن حارثه وهو ابن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتبني، وكان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع السبل، وأخذ الحيطة والحذر، أقبل على الطائف وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام، لكن كانت المفاجأة، فإنها الذكرى التى سبقَت حادثة الإسراء والمعراج، فهذه الذكرى هي رحلة سيد البشرية.
هى رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، تلك الرحلة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أدرك وعلم أنه لا مقام له بمكة بعد موت عمه أبي طالب، وزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكثرة إيذاء المشركين له، فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافا بعيدا عن الكرامة والإنسانية، فقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يمر في السوق، فينثرون على رأسه التراب، فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله ابنته السيدة فاطمة الزهراء، وكان عمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة، فتسأله السيدة فاطمة رضى الله عنها وهي تبكي ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟ وتمرح الابتسامة النبوية الشريفة على شفتيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها “لا تبكي يا بنية، إن الله مانع أباك” حقا فإنه هو نداء الحق الذي لا يتزعزع، هذا هو الثبات على المبدأ والعقيدة، وتظل السيدة فاطمة رضى الله عنها تبكي، وتقول له وهل يبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟ فيرد عليها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “سأغادر مكة يا فاطمة” إلى أين يا أبتاه؟ فيقول صلى الله عليه وسلم”إلى مكان يُسمع فيه صوت الحق، ويعينني على أعدائي” حتى إنه صلى الله عليه وسلم صوَّر هذه الحقيقة بقوله “ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب” فقرر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالدعوة من مكة إلى الطائف لعله يجد بينهم من يؤمن بهذه الرسالة الخالدة، ويطلب النصرة والعون من أهلها، ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله تعالى، ولكن كيف وصل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟
وكيف استطاع أن يقطع كل هذه المسافة؟ أو هل سار على الأقل على بعير أصيل؟ فالإجابة هى لا، إنما سار إلى الطائف على قدميه الشريفتين، وتصوروا المشقة التي لاقَت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف، والطائف تبعد عن مكةَ المكرمة حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترا، وكل هذه المتاعب والمحن والشدائد من أجل ماذا؟ هل من أجل الحصول على الجاه؟ هل من أجل الحصول على المنصب؟ هل من أجل الحصول على المال؟ هل من أجل الحصول على الملذات والشهوات؟ هل من أجل الحصول على الشهرة؟ لا، بل من أجل أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن أجل الدين والعقيدة، وفي الطائف التي وصلها صلى الله عليه وسلم بعد جهد طويل يتعرض لبلاء أكبر، لقد التقى بنفر من سادة ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى الدين الجديد، وعرض عليهم المهمة التي جاء من أجلها، وطلب منهم السند والعون، ولكن أهل الطائف لم يكونوا أشرف من سادة قريش، فقد ردوه ردا عنيفا، وكيف تقبل ثقيف دعوته، وعندهم صنمهم المعبود المقدس اللات، الذي تزوره العرب أيام الصيف الحار في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟ أما لو دخلوا في دين الإسلام، فلن يزورهم أحد، وسيحرمون من الأرباح الطائلة، فكيف تقبل ثقيف دعوته؟ كيف يقبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المساواة بين العبيد والسادة، وإزالة تجارة الربا؟ فأهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيضرب مصالحهم المادية، لذلك ردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا عنيفا، فردوا عليه ردا منكرا.
وسخروا منه واستهزءوا به، قال له أحدهم هو يمرط أي أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر، أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله “وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين” ما ينبغي لي أن أكلمك، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لَم يترك دعوته، بل مكث عشرة أيام في الطائف يتردد على منازلهم، يدعوهم إلى دين التوحيد، ولكن دون فائدة، فلما رأى منهم الاستهزاء والسب والشتم والطرد، طلب منهم أن لا تخبروا أهل مكة بمجيئه إليهم، ولكن أهل الطائف تخلوا عن أبسط مظاهر الخُلق العربي، وهو إكرام الضيف الغريب، إذ كانوا أشد خسة ودناءة مما توقعه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أرسلوا رسولهم إلى مكة ليخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لمحمد في الطائف، ولم يكتفوا بهذا، بل تخلوا عن أخلاق العرب كلها، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدما، ولا يضعها إلا على الحجارة، وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وشج رأس الصحابى الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، الذي حاول الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألجأ السفهاء والصبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة، ولم يجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعدما جلس.
والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين، إلاَّ أن يتوجه إلى ربه، وراح النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابه الذين يجلدون ويُعذبون في مكة، وتذكر زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وتذكر عمه أبا طالب، فلم يجد بُدا من أن يرفع هذه الشكوى إلى الله عز وجل، فقد رفع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله عز وجل قائلا ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة مِن أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” فلم يطلب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من الله أن ينتقم منهم، وأن يسيل دماءهم، وألا يبقى على أرض الطائف من الكافرين ديارا، بل لم نسمع كلمة ذم واحدة على الذين طاردوه وسبوه وأدموا قدميه بالحجارة، بل كان كل همه صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه، فلما رآه ابنا ربيعه عتبه وشيبه، وكانا من ألد أعداء الإسلام، وممن مشوا إلى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم، من أشراف قريش يسألونه أن يكفه عنهم، أو يُخلى بينه وبينهم، حتى يهلك أحد الفريقين، ولكن في هذا المشهد انقلبت الغريزة الوحشية إلى الشفقة والتراحم، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له عداس.
فقالا له خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس ثم أقبل به، حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده، قال “باسم الله”، ثم أكل فنظر عداس في وجهه، ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟” قال نصرانى، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرية الرجل الصالح يونس بن متى” فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي” فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه، قال، يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه، أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، قالا له ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه، ولكن يشهد عداس للنبى صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ويدخل في دين الإسلام، وهكذا فإن في إسلام عداس مواساة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فلئن آذاه قومه، فهذا من العراق من نينوى يقبل يديه ورجليه، ويشهد له بالرسالة ويُسلم، وكأنه يعتذر عن إيذاء أولئك السفهاء، فبعد الصد والإعراض من قومه، يأتي من يؤمن به صلى الله عليه وسلم من تلك البلاد البعيدة.
رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع رحلة الإسراء والمعراج، فكان بعد أن فقد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أولى زوجاته وأم أولاده السيدة خديجة بنت خويلد وعمه أبا طالب اللذين كانا يؤانسانه ويؤازرانه، ضاقت الأرض به نظرا لما لاقاه من تكذيب ورد من قبل المشركين، وبعد وفاة عمه توفيت زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها في نفس السنة، فسميت تلك السنة بعام الحزن، وفي سبيل الدعوة ذهب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وحيدا يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد لكنهم طردوه وسلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة فآذوه كثيرا وهنا دعا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعاءه المشهور شاكيا إلى ربه ” اللهم إلى من تكلني” فيرسل الله إليه جبريل عليه السلام مع ملك الجبال ويقول له جبريل لو شئت نطبق عليهم الجبال فيقول الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم “لا لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله عز وجل، فكرمه الله تعالى بقدرة إلهية وآنسه بحادثة الإسراء والمعراج، فأي تكريم ومؤانسة أشد وأعظم من تكريم كهذا إذ أتى جبريل عليه السلام ليصحب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم كل ألوان الأذى والاضطهاد من طواغيت قريش الذين بذلوا أقصى ما في وسعهم للقضاء على الدعوة الإسلامية الجديدة، وتلك هي سنة الله في خلقه، ولأن رسالة الإسلام عامة لكل الناس كما قال الله تعالى فى سورة الأنبياء ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”
فلم يقتصر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رغم تعرضه للأذى على دعوة قريش فقط، وإنما بدأ في التحرك للدعوة بمناطق أخرى خارج مكة المكرمة، لمحاولة إيجاد مكان وأرض جديدة تكون صالحة للدعوة الإسلامية الجديدة، ففي شهر شوال من السنة العاشرة من البعثه وبعد بدء نزول الوحي خرج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف التي تبعد عن مكة ستة وتسعين كيلو متر ماشيا على قدميه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ذهابا وإيابا، وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف عدة أيام، ولم يترك أحدا إلا دعاه إلى الإسلام، فتطاولوا عليه وطردوه، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه وهو يخرج من الطائف يسبّونه، ويرمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه الشريفتان، وحاول زيد بن حارثة رضي الله عنه أن يحمي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حتى أصيب في رأسه، ولم يزل السفهاء يرمونهما بالحجارة حتى لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم وزيد رضي الله عنه إلى حائط أى بستان وكان لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما، وبعد العسر يأتي اليسر، ومع الهم يأتي الفرج، ففي طريق عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة جلس في بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة من سادات أهل الطائف ليستريح قليلا، فأرسلا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس بقطف من عنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وضعه بين يديه صلى الله عليه وسلم، مد يده قائلا بسم الله ثم أكل، فقال عداس إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد.
فقال صلى الله عليه وسلم من أي البلاد أنت وما دينك؟ فقال عداس أنا نصراني من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال عداس وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال صلى الله عليه وسلم ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي، فأكب عداس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه يقبلهما وأسلم، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليستأنف الدعوة إلى الله، وعرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد، وإن المتأمل في رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الشاقة للطائف، وما لاقاه من أذى ليجد فيها الدروس الكثيرة للدعاة والمربين، ومنها رحمة الداعية، فقد أظهرت رحلة الطائف الشاقة بصورة عملية، معاني الرحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن آذاه، إذ كان بوسعه أن ينتقم من السفهاء الذين آذوه، ومن زعمائهم الذين أغروا به، وسلطوا عليه صبيانهم وسفهاءهم، فقد سألت السيدة عائشة بنت أبى بكر رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة ” يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم” لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب وهو ميقات أهل نجد، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك.
ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين أى الجبلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري، ولقد كانت إصابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبلغ من الناحية الجسدية، أما من الناحية النفسية فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد، ومع ذلك رفض إهلاك من آذاه، فقد كانت نظرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم نظرة مستقبلية فيها رحمة لأعدائه ومن آذاه، بل وأمل في هدايتهم، فأهل الطائف يؤذونه، ويدفعون أنفسهم في النار، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حريص عليهم، رحيم بهم، قائلا ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” ولم يكن هذا الموقف موقفا عارضا في حياته صلى الله عليه وسلم، فقد فعل ذلك أيضا قبل ذلك مع قبيلة دوس عندما رفضوا الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم اهد دوسا وآت بهم” رواه البخارى، وصدق الله العظيم الذي قال عنه فى سورة الأنبياء ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وهذا الموقف مع ما فيه من درس عملي في رحمة الداعية وشفقته بالمدعو، وعدم تعجل نزول العقاب بمن لا يستجيب لدعوته، فيه أيضا دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم فقد تحقق بالفعل ما أخبر به من إسلام أبناء المشركين فيما بعد.
حين قال صلى الله عليه وسلم” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري، ومن خلال رفض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لمقترح ملَك الجبال بإهلاك من تعرض له بالأذى، وضع لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم منهجه في التغيير، وهذا من الدروس الهامة من هذه الرحلة الشاقة، إذ كان مقترح ملَك الجبال أن يطبق عليهم الجبلين، وهو يدخل تحت منهج الاستئصال، وقد نفذ في قوم نوح وعاد وثمود ولوط عليهم السلام، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة العنكبوت” فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” ولكن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، ونظر إلى المستقبل بيقين، وبروح التفاؤل والرحمة والشفقة قائلا صلى الله عليه وسلم ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” ومن ثم قرر الرجوع إلى مكة ليواصل دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، رغم ما يلقاه من تعب ومشقة، وهذا هو المنهج النبوي في الدعوة إلى الله، كما قال الله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين” وفي إسلام عداس الغلام النصراني درس تربوي ودعوي في فضل وبركة التمسك بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فالتسمية قبل الأكل من السنن والآداب.
التي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال “كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة أى الطبق، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم” يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” فما زالت تلك طعمتي بعد” رواه البخاري، فالتمسك بآداب وسنن النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية من أسباب تميز المسلمين على من حولهم من المشركين، وهذا التميز يلفت أنظار الكفار دائما، ويدفعهم إلى السؤال، ثم يقودهم ذلك إلى فهم الإسلام والانجذاب إليه والدخول فيه، كما حدث مع عداس ومع غيره إلى يومنا هذا فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النور ” وما على الرسول إلا البلاغ المبين” وإن واجب الداعية إلى الله هو الدعوة والبلاغ فحسب بغض النظر عن النتيجة والاستجابة، فالنتائج أى الهداية بيد الله وحده، ولو كان نجاح الدعوة يقاس بعدد الأتباع فحسب لظن البعض أن نبيّا عظيما مثل نبى الله نوح عليه السلام قد أخفق في دعوته ورسالته، لأنه عاش يدعو قومه إلى التوحيد ألف سنة إلا خمسين، ولم يؤمن معه إلا عدد قليل، وقد أخبرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ومعه الرجل الواحد، ومنهم من يأتي ومعه الرجلان، ومنهم من يأتي وليس معه أحد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك” رواه ابن ماجه.
وفي رواية أخرى يقول صلى الله عليه وسلم ” والنبي وليس معه أحد من أمته” وعن أنس رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال” وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد” رواه مسلم، وإن الرسل عليهم السلام قد أدّوا الأمانة وبلغوا الرسالة على أتم وأكمل وجه، وليست الكثرة دليلا على الحق أو النجاح، ولن يستجيب أحد للحق الذي تدعوه إليه إلا إذا شاء الله، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة المائدة “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين” وقال الله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين” وقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء” وقال الله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء” وإن رحلة الطائف رغم ما فيها من أحداث مؤلمة من إيذاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد تركت لنا دروسا هامة، ينبغي على المسلم عامة، والمربي والداعية خاصة الوقوف معها والعمل بها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم واصل دعوته إلى الله بصبر وثبات، وحكمة ورحمة، فكانت النتيجة النصر من الله، والفتح المبين الذي نعيش في ظلاله، وننعم بنوره إلى يومنا هذا، وإلى يوم الدين، والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ينتقم لذاته، وممن ينتقم لقطرات دم نزفت منه، وممن ينتقم لمكانته، وممن ينتقم لشخصيته لأمر ملك الجبال أن يحطم تلك الرءوس، وأن يهدهد تلك الجماجم، لتسيل الدماء من الطائف فيراها أهل مكة بمكة.
رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثالث “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا عندما قال ملك الجبال للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين” ولكنه صلى الله عليه وسلم نهر الرحمة، وينبوع الحنان، فإنه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، الذي ما خرج إليهم إلا وهو يعلم يقينا أن هذه الأصلاب تحمل ربيعا قادما، وتحمل أملا يشرق كالفجر، ويتحرك كالنسيم ولذا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لملك الجبال “لا، إنما أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله” وهكذا فإن رحلة الطائف، رغم ما فيها من أحداث مؤلمة، فقد تركت لنا دروسا مهمة، ينبغي للمسلم الوقوف معها والعمل بها ليسعد في الدنيا والآخرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم يا مسلمون، إن أردتم العون والنصر والفرج من الله، فسيروا على ما سرت عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرت في رحلة الطائف، اثبتوا على الطاعة كما ثبت في رحلة الطائف، وتمسكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسكت في رحلة الطائف، وضحوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف، فأين المسلم الَّذي يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولقد رجع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه.
أو أناسا يحمونه، فقال ابن القيم رحمه الله” فقال له زيد بن حارثه رضى الله عنه للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ويعني قريشا، فقالالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه، فلما انتهى إلى مكة، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطعم بن عدى، أن أدخل في جوارك؟ فقال نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وقال ابن الأثير، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل يا مطعم، أمجير أم متابع؟ قال بل مجير، قال قد أجرنا من أجرت، ولقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المطعم بن عدي مات كافرا، وأن قبوله لإجارة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لها جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون من حالفهم أو استجار بهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل حافظا لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر.
فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني أى طلب الشفاعة في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، وفي رواية أبي داود يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لأطلقتهم له” وقال الخطابي في الحديث إِطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء ” وقال ابن حجر في الفتح ” بأن ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ” وإذا تحدثنا عن الإسراء والمعراج، فإن الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله تعالى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، وأما المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة وقد اختلف العلماء حول زمنها بالتحديد، وكما أثير حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عدة، فيما إذا كانت قد تمت هذه الرحلة بالروح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمت؟ وعلى الرغم من أن الإسراء والمعراج حدثا في نفس الليلة، فإن موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا.
بل ذكر الإسراء أولا في سورة الإسراء، وتأخر الحديث عن المعراج إلى سورة النجم التي وضعت بعد سورة الإسراء في ترتيب سور القرآن الكريم وقد تكون الحكمة في هذا هي جعل الإسراء وهو الرحلة الأرضية، مقدمة للإخبار بالمعراج، وهي الرحلة العلوية التي ذهل الناس عندما أخبروا بها، فارتد عن الإسلام وقتها ضعاف الإيمان، بينما ظل على الإيمان أقوياءه، وفى رحلة الإسراء يقول ابن القيم رحمه الله أنه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبا على البراق، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ويقول الله في سورة الإسراء “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ويقول الله سبحانه وتعالى وتعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده” ومعنى سبحان، أي تنزه الله تعالى في قوله عن كل قول، وتنزه الله عز وجل في فعله عن كل فعل، وتنزه الله سبحانه وتعالى في صفاته عن كل صفات “الذي أسرى” أي الذي أكرم رسوله صلى الله عليه وسلم بالمسير والانتقال ليلا “بعبده” أي بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وهي مهمة هداية البشر جميعا ولم يقل الله سبحانه، بخليله أو بحبيبه أو بنبيه، وإنما قال تعالى بعبده، وفي هذا ملحظ هام وهو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حقق مقام العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فكان حقا العبد الكامل، أو الإنسان الكامل.
ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى وأما فى قوله ليلا “ليلا” وفي هذا دلالة على أن الإسراء كان في جزء من الليل ولم يستغرق الليل كله، وكان الليل هو وقت الرحلتين لأنه أحب أوقات الخلوة، وكان وقت الصلاة المفضل لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان هو وقت الصلاة قبل أن تفرض الصلاة بالهيئة والأوقات المعروفة عليها، وكان الإسراء ليلا ليكون أيضا أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب، وأما قوله تعالى”من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” فتفسيره أن انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في رحلته الأرضية كان بين مسجدين، أولهما هو المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية، وهو أحب بيوت الله تعالى في الأرض، والصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وثانيهما هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين، مهد الأنبياء والرسل، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأتيهم الأمر بالتحول شطر المسجد الحرام الذي هو قبلتهم منذ ذلك الوقت إلى آخر الزمان، والمسجد الأقصى من أفضل مساجد الأرض جميعا، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، وقوله تعالى”الذي باركنا حوله” أي الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات، دنيوية ومعنوية وقوله تعالى “لنريه من آياتنا” أي بعض الآيات الدالة على قدرة الله تعالى وعظمته، وليس كل الآيات، أما عن السؤال الذى أختلف فيه كثيرا من الناس وهو هل الإسراء بالروح أم الجسد؟ فقد أنقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث آراء.
فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح، ومنهم من يقول كان بالجسد، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة، أما الإسراء فقد نص عليه القرآن الكريم في سورة الإسراء، وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقظة ليلة الإسراء وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وقال القرطبي، أنه ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا، وقال الشوكاني في قتح القدير، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة، ويكفي أن الإسراء والمعراج كان بجسده الشريف صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” وقوله تعالى ” ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وقال أبو جعفر الطبري في تفسيره، الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله سبحانه وتعالى أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده.
وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله حمله على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل، وبعد فإن الله تعالى إنما أخبر في كتابه الكريم أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قاله الله تعالى إلى غيره، بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد، وقيل أن الحكمة في المعراج هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يشرف بأنوار نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج، وسئل أبو العباس الدينوري، لما أسري بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها.
رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الخامس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع رحلة الإسراء والمعراج، وترتبط قصة معراج النبي الكريم محمد صلى الله علي وسلم إلى السماء بقصة الإسراء والمعراج حيث ذكرت حادثة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم في سورة الإسراء قال الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” حيث تعد رحلة الإسراء والمعراج معجزة من معجزات النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والإسراء تعني هي الرحلة التي قطعها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الحرام للمسجد الأقصى بالقدس، والمعراج هو صعود النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، لكن كيف حدث هذا في ليلة وضحاها، وروي أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال” لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أتى بالمعراج، ولم أر شيئا قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة، يقال له إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك، فقال وأتى بي إلى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا ؟ قال جبريل عليه السلام قيل من معك ؟ قال محمد، قيل اوقد أرسل إليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل.
في أيديهم قطع من نار كالأفهار أى حجر علي مقدار ملء الكف، يقذفونها في أفواههم، فتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما، قال ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلهما قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة أى العطاش، حين يعرضون على النار، قال قلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء أكلة الربا، ثم قال رأيت نساء معلقات بثديهن، فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء اللاتي أدخلن على رجالهن من ليس من أولادهم أى الزانيات، قال ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فتكرر نفس الحديث، فلما خلصت إذا يحيي وعيسى وهما أبناء خاله، قال هذا يحي بن زكريا وعيسى بن مريم فسلم عليهما، فسلمت وردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح وتكرر نفس الحديث، فلما خلصت فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر، قال، قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أخوك يوسف بن يعقوب فسلم عليه، فسلمت فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها رجل فسألته من هو ؟ قال هذا إدريس، قال ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح، وتكرر نفس الحديث، فلما خلصت إذا فيها رجل كهل أبيض الرأس واللحية عظيم العثنون أى اللحية، لم أر كهلا أجمل منه قال، قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا المحبب في قومه هارون بن عمران فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
قال ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح، وتكرر نفس الحديث، فلما خلصت قال هذا أخوك موسى بن عمران فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتي، قال ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح وتكرر نفس الحديث، إذا فيها رجل كهل جالس على كرسي على باب البيت المعمور فقلت يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وإذا خرجوا منه لا يعودون إليه قال قلت من هذا يا جبريل ؟ قال هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، فقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران، قلت ما هذا يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات، قال ثم انتهيت إلى ربي، وفرضت علىّ خمسون صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى بن عمران فقال بما أمرت ؟ قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال إن الصلاة ثقيلة، وإن أمتك ضعيفة، فأرجع إلى ربك، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، وتكرر ذلك إلى أن أمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال بما أمرت ؟ قلت أمرت بخمس صلوات كل يوم، فقال لي مثل ذلك.
فقلت قد راجعت ربي حتى استحيت منه، فما أنا بفاعل، فمن أداهن منكم إيمانا بهن واحتسابا لهن، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة” وقد جاء في بعض الطرق أن صدره صلى الله عليه وسلم شق في هذه المرة أيضا، وقد رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الـرحلة أمورا عديدة، فقد عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك، ورأى أربعة أنهار يخرجن من أصل سدرة المنتهى، نهران ظاهران ونهران باطنان، فالظاهران هما النيل والفرات، والباطنان هما نهران في الجنة، ولعل رؤية النيل والفرات كانت إشارة إلى تمكن الإسلام من هذين القطرين، ورأى مالك خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه بشر ولا بشاشة، وكذلك رأي الجنة والنار، ورأى أكلة أموال اليتامى ظلما لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعا من نار كالأفهار، فتخرج من أدبارهم، ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن أماكنهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم، ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب، إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين، ورأى النساء اللاتى يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم، رآهن معلقات بثديهن، ورأى عيرا من أهل مكة في الإياب والذهاب، وقد دلهم على بعير ند لهم، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون، ثم ترك الإناء مغطى، وقد صار ذلك دليلا على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء.
وفي رواية أنه لما بلغ صلى الله عليه وسلم الحجاب الذي يلي الرحمن، إذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا ؟ قال الذي بعثك بالحق وإني لأقرب مكانا وإن هذا الملك ما رأيته من قبل، ولما جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل تقدم يا محمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تقدم أنت يا جبريل أو كما قال، قال جبريل يا محمد تقدم فإنك أكرم على الله مني، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل على أثره حتى بلغه إلى حجاب منسوج بالذهب فحركه جبريل فقيل من هذا ؟ قال جبريل، قيل ومن معه ؟ قال محمد، قال ملك من وراء الحجاب الله أكبر الله أكبر، قيل من وراء الحجاب ؟ صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا، فقال ملك أشهد أن محمدا رسول الله، فقيل من وراء الحجاب ؟ صدق عبدي أنا أرسلت محمدا، فقال ملك حي على الصلاة حي على الفلاح، فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي دعا إلى عبدي، فأخرج ملك يده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبريل عنه هناك، وفي رواية أخرى ما زال يقطع مقاما بعد مقام وحجابا بعد حجاب حتى انتهى إلى مقام تخلف عنه فيه جبريل، وقال جبريل يا محمد ما منا إلا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت، وفي هذه الليلة بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام وإلا فمقامي المعهود عند سدرة المنتهى، فمضى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وحده حتى تجاوز سبعين ألف حجاب، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة خمسمائة سنة، فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف وذهب به إلى قرب العرش.
ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى، كما قال تعالى “ثم دنا” أي دنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى أي قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فإنه تعالى منزه عنه، وإنما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة، “فتدلى” أي سجد لله تعالى لأنه كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد في الخدمة، وفي السجدة عدة القرب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد” وأما عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله تعالى، فقد سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها هل رأى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل؟ قالت فقد وقف شعري مما قلت، ثم قرأت “لا تدركه الأبصار” وعن ابن العباس رضى الله عنهما انه رآه سبحانه بعين رأسه وروى عطاء عنه أنه رآه صلى الله عليه وسلم بقلبه كذا ذكرهما في المدارك، وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم رآه بفؤاده مرتين، وروى شريك عن أبي ذر في تفسير الآية ” ما كذب الفؤاد ما رأى” وحكى السمرقندي عن محمد بن كعب القرضي وربيع بن أنس بن مالك أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك؟ قال صلى الله عليه وسلم” رأيته بفؤادي ولم أره بعيني” وقد ذكر ابن القيم خلافا في رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، ثم ذكر كلاما لابن تيمية بهذا الصدد، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلا، وهو قول لم يقله أحد من الصحابة، وما نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما من رؤيته مطلقا ورؤيته بالفؤاد فالأول لا ينافي الثانى.
ثم قال وأما قوله تعالى في سورة النجم” ثم دنا فتدلى” فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها وابن مسعود رضى الله عنه، والسياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلى في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل عليه السلام، رآه رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى، وإن رحلة الإسراء والمعراج من معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله تعالى في كل وقت وكل حين وقد اختلف العلماء متى كانا فقيل أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة، وقيل أنها قبل الهجرة بسنة، فتكون في ربيع الأول، ولم تعين الليلة، وقيل في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجربة بسنة، وقيل قبل الهجرة بستة عشر شهرا، فتكون في ذي القعدة، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بخمس سنين، وقيل بست سنين، والذي عليه أئمة النقل أن الإسراء والمعراج كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة، ويؤكد علماء المسلمين أن هذه الرحلة تمت بالروح والجسد معا وإلا لما حصل لها الإنكار المبالغ فيه من قبيلة قريش، وأن هذه الرحلة تجاوزت حدود الزمان والمكان، وروي عن ابن هشام في السيرة النبوية قال “ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش، وفي القبائل كلها”
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء السادس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع رحلة الإسراء والمعراج، ولقد مكث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سنوات طويلة يدعو قومه إلى الإسلام والتوحيد، ويصبر على أذاهم، وكفرهم، واستهزائهم به، وكان ممن يعينه ويهون عليه ما يلاقي من قومه عمه أبو طالب فقد كان ذا مكانة رفيعة بين كفار قريش، فكان المدافع عنه أمام قريش، وكذلك كانت السيدة خديجة رضي الله عنها زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، تشد من أزره وتؤيده في مواقفه أمام المكذبين، وقد كتب الله سبحانه وتعالى أن يتوفى كلا من عمه وزوجته السيدة خديجة في عام واحد، فحزن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عليهما حزنا شديدا، وبدا ذلك على محياه لثقل المصاب الذي وقع به، وسمي ذلك العام بعام الحزن، لشدة حزن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على وفاة عمه وزوجته، ومما خفف الحزن عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو استبشاره في أهل الطائف خيرا بعد أن ازداد إيذاء قريش للنبي وأصحابه، فاستهم خارجا إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام والتوحيد، ولم تكن دعوة أهل الطائف كما أراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ استقبله أهلها بالشتم والاستهزاء، وأظهروا له البغض والكفر، وأخرجوا إليه أطفالهم وعبيدهم يرمونه بالحجارة حتى أصابوه فسال الدم من قدميه الشريفتين، مما زاد من حزن وألم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على قومه الذي رفضوا استقبال دعوة ربهم بالإجابة والرضا، حيث خرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من الطائف يحمل هما عظيما.
فقد قالت السيدةعائشة رضي الله عنها “يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابنِ عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أَستفق إلا بقرن الثعالب” وبعد تلك الحادثة أراد الله تعالى أن يأخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في رحلة الإسراء والمعراج، لتكون تخفيفا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنسا له، وتذكيرا له أن الأرض إن ضاقت عليه بتكذيب أهلها، فإن السماء تفتح له وترحب به وتحبه، وقيل أن الإسراء فى اللغة من السَّرى، وهو السير ليلا، وقال السخاوي في تفسيره، إنما قال ليلا والإسراء لا يكون إلا بالليل لأن المدة التي أُسرى به فيها لا تُقطع في أقل من أربعين يوما، فقطعت به في ليل واحد، فكان المعنى سبحان الذي أسرى بعبده في ليل واحد من كذا وكذا، وهو موضع التعجب، وإنما عدل عن ليلة إلى ليل لأنهم إذا قالوا سرى ليلة، كان ذلك في الغالب لاستيعاب الليلة بالسرى، فقيل ليلا أي في ليل، وإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعدما مضى عليه عشر سنين في مكة، يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى، وترك الشرك، أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، وجاوز السبع الطباق، وارتفع فوق السماء السابعة صلى الله عليه وسلم ، معه أمين الوحى جبرائيل عليه السلام، فأوحى الله تعالى إليه ما أوحى، وفرض عليه صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
وقد فرضها الله خمسين، فلم يزل النبى صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى جعلها خمس صلوات سبحانه وتعالى، وذلك فضلا منه عز وجل، وقد نادى منادى إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، فنزل بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، وأنزل الله تعالى في هذا قوله سبحانه ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله” فهذه الآية العظيمة بين فيها سبحانه وتعالى الإسراء، وهو أن أسري به صلى الله عليه وسلم من مكة على البراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل، وخطوه عند منتهى طرفه، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فركبه هو وجبرائيل حتى وصل إلى بيت المقدس، وصلى هناك بالأنبياء، ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء، واستأذن له جبرائيل عند كل سماء، فيؤذن له، ووجد في السماء الدنيا آدم ، آدم أباه عليه الصلاة والسلام، فرحب به وقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم لما أتى السماء الثانية وجد فيها عيسى ويحيى، ابني الخالة، فرحبا به، وقالا: مرحبًا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فوجد فيها إدريس، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون عليه الصلاة والسلام، فرحب به، قال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السادسة.
فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها الخليل إبراهيم أباه عليه الصلاة والسلام وهو صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، فرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرحب به الخليل إبراهيم، وقال مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، مثلما قال آدم، مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم عرج به إلى مستوى رفيع، فوق السماء السابعة، سمع فيهن من صريف الأقلام، التي يكتب بها القضاء والقدر، فكلمه الله عز وجل وفرض عليه الصلوات الخمس خمسين، ثم لم يزل يسأل ربه التخفيف، حتى جعلها سبحانه خمسا، فضلا منه وإحسانا، فهي خمس في الفرض، وفي الأجر خمسون، وقد روي أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسرى به فى السنه العاشرة من البعثه وقيل في السنة الثانية عشر من البعثه في شهر ربيع الأول، وقيل قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وقد اختلف العلماء في عام الإسراء والمعراج ومنهم من قال قبل الهجرة بسنة، ومنهم من قال قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر، أما شهر الإسراء والمعراج ويومه وليلته كذلك بالتالي كان محل خلاف فقيل ربيع الأول، وقيل ربيع الآخر، وقيل شوال، أما في أي يوم من الشهر كان ؟ قيل ليلة السابع من ربيع الأول، وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، وقيل ليلة سابع عشر من رمضان، أما ليلة الإسراء والمعراج فقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت، وقيل ليلة الاثنين، وهناك إختلافات كثير فى هذا الموضوع.
ولكن قيل الأصح هو فى شهر رجب، وعندما انصرف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى مكة وأخبر أهل قريش الخبر، ارتد كثيرا ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر رضى الله عنه، فقالوا له هل لك يا أبي بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ؟ فقال أبو بكر إنكم تكذبون عليه، قالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر رضى الله عنه والله لئن كان قالها فقد صدق، فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر لياتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي ؟ فإني قد جئته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر الصديق ويقول أبو بكر، صدقت، أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئا، قال صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق، وقيل أن الله أنزل في من ارتد عن إسلامه لذلك قوله تعالى ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيرا” وبعد أن تمت رحلة الإسراء والمعراج، وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موطنه وبيته بمكة، حكى للناس ما حدث.
وكان ضمن ما قاله صلى الله عليه وسلم إن ” براقا ” جاءه وأمر أن يركبه، وهذا البراق هو الوسيلة التي نقلته صلى الله عليه وسلم في رحلته الأرضية من مكة إلى القدس، ولقد أفاد أهل الاختصاص في اللغة العربية بأن البراق دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار، وقال بعض شراح أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إن البراق مشتق من البريق، ولونه أبيض، أو هو من ” البراق ” وسمي كذلك لشدة لمعانه وصفائه وتلألؤه أو توهجه، والبراق هو الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم وسار بسرعة الضوء من مكة إلى القدس في الذهاب والإياب، وتبقى المعجزة في استعمال هذه الظاهرة الطبيعية كامنة في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم من آثارها المدمرة والوقاية من أضرارها، وإن معنى سبحان الله هو أنه يطلق لفظ سبحان، على ما يراد به التنزيه، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص، وقد اتصف سبحانه وتعالى، بكل صفات الكمال والجلال، أما مصطلح سبحان الله، فهو أمر بالتسبيح أي سبحوا الله تعالى، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما أن كل تسبيحة في القرآن الكريم تدخل في معنى الصلاة، وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن سبحان الله اسم يمتنع عن تسمية أى مخلوق به، ومعناها تعظيم الله تعالى وتقديسه، وحين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى سبحان الله، فقد فسرها بأنها براءة الله تعالى من كل سوء، والله سبحانه وتعالى بريء من كل نقص، وكامل في كل شيء، أسمائه وصفاته وأفعاله فأسماؤه حسنى لا أسماء أحسن منها.
وصفاته عليا ولا يوجد أعلى منها، فقال الله تعالى ” ولله الأسماء الحسنى ” وقال تعالى أيضا ” وله المثل الأعلى” أي أن وصفه كامل، أما أفعاله فهي أيضا كاملة حكيمة، فيفعل كل ما يفعله بحكمة، وهو سبحانه وتعالى المنزه عن كل عيب ونقص ولعب وعبث وباطل، فقال تعالى فى كتابه الكريم” وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا” وبناء عليه فالتسبيح يتضمن تنزيه الله تعالى عن كل نقصٍ وعيب، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وركن أساسي من أركان الإيمان بالله عز وجل، وإن التسبيح في القرآن الكريم وهى كلمة سبحان الله، لها مكانة عظيمة في الدين، كما تعتبر من أعظم وأشرف الأذكار والعبادات التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في فضلها وبيان عظمتها الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ولكثرة تلك الآيات والأحاديث فإنه من الصعب حصرها والإحاطة بجميعها، حيث ورد في القرآن الكريم ما لا يقل عن ثمانين آية جاءت بصيغ مختلفة ومتنوعة، ومنها ما جاء بصيغة الأمر، مثل قوله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا” ومنها ما ورد بصيغة الماضي، مثل قوله تعالى ” سبح لله ما فى السموات وما فى الأرض وهو العزيز الحكيم” ومنها ما ورد بصيغة المضارع، مثل قوله تعالى ” يسبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم” ومنها ما جاء بلفظ المصدر مثل ما ورد في قول الله تعالى ” سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله ب العالمين”
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء السابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد افتتح الله سبحانه وتعالى، ثماني سور من القرآن الكريم بالتسبيح، منها سورة الإسراء فقال تعالى ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ويسبح المسلم ربه في العديد من المواضع التي جاءت بدليل إما من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، وهكذا فإن التسبيح أثناء الصلاة وبعدها فقد ورد في السنة النبويّة الشريفة بأن المسلم يفتتح صلاته بالتسبيح، وذلك من خلال قوله ” سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك” وكما يكون التسبيح أثناء القراءة في قيام الليل، وفي الركوع والسجود، ثم عند الانتهاء من الصلاة فإنه يسبح الله تعالى ثلاثا وثلاثين مرة، وقد ورد ذلك في الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” من سبح الله فى دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك لهـ له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر” وكذلك أيضا التسبيح في الصباح والمساء، فقد ورد الدليل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على ذلك، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الله فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى” وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
” من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأتى يوم القيامه بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه” وكذلك أيضا التسبيح عند التعجب فإن سمع المسلم شيئا غير مألوف، أو وقع أمامه فعل أو سمع قولا دعاه إلى الاستغراب فقد شرع له أن يسبح الله تعالى، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقد أخبر أنه لقيه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى طريق من طرق المدينة، وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبى صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال ” أين كنت يا أبا هريرة؟ قال يا رسول الله، لقيتنى وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سبحان الله إن المؤمن لا ينجس” فرسول الله صلى الله عليه وسلم تعجب من ظن أبي هريرة رضي الله عنه حين اعتقد أن الجنب لا يجالس أحدا ولا يصافح أحدا، وأيضا التسبيح عند القيام من المجلس، خاصة المجلس الذي كان في الغلط، والتسبيح هنا مستحب، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال” من جلس فى مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك ” سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان فى مجلسه ذلك ” ويعرّف الإسراء بأنه انتقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام ليلا من البيت الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس على دابة البراق، وأما المعراج فهو صعودهما من بيت المقدس إلى السماوات العلى.
وقد ثبت وقوع هذه الحادثة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وشهادة الصحابة الكرام بذلك، وهي من إكرام الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لرحلة الإسراء والمعراج العديد من الأسباب، فكانت تخفيفا لآلامه وأحزانه صلى الله عليه وسلم بسبب الأذى الذي تلقاه من قومه، وإعلاء لشأنه، وإكراما له، وكانت من باب الأنس له، وتعريفا له بمنزلته وقدره عند الله عز وجل، إذ بدأ بعدها مرحلة جديدة من دعوته، بالإضافة إلى أنها كانت فضلا عظيما للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتعويضا له عما لاقاه من قومه واعتراضهم له، فقال الله تعالى ” ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما” وكما أنها كانت لأجل رؤية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة، لقوله تعالى عن رحلة الإسراء ” لنريه من آياتنا ” وقال سبحانه وتعالى عن رحلة المعراج ” لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وهذا لما في ذلك من القدرة على مواجهة مصاعب الدعوة التي تعترضه، ومن المشاهد التي رآها الأنبياء والمرسلين، وبعض مشاهد الجنة والنار، وغير ذلك، وأما عن توقيت رحلة الاسراء والمعراج فقد تعددت آراء علماء السيره في زمن رحلة الإسراء والمعراج، وأشهر هذه الأقول ما قاله الزهري، حيث قال إنها كانت قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنة، وكانت بعد معاناة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من رحلته إلى الطائف، فكانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من السنة الثانية عشرة للبعثة المحمدية، وأما عن أحداث ليلة الإسراء والمعراج.
فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله، في صحيحه حادثة الإسراء المعراج، حيث كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره في بيت السيدة بنت عمه أم هانئ، فانفرج سقف البيت، ونزل منه ملكان على هيئة البشر، فأخذاه إلى الحطيم عند زمزم، ثم شقا صدره، وأخرجا قلبه الشريف وغسلاه بماء زمزم، وملآه بالإيمان والحكمة لكي يكون ذلك استعدادا له لما سيشاهده، وليكون تهيئة له من الناحية اليقينية والروحية، وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك فقال “وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك” ثم جاء جبريل عليه السلام للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدابة البراق، وهي دابة أصغر من الفرس وأكبر من الحمار، تضع حافرها عند منتهى طرفها، أي تضع خطواتها فتصل إلى مد بصرها، فلما ركبها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لم يثْبت، حتى قال له جبريل عليه السلام أن يثبت، فلم يركبها أحد خير منه، فثبت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وتصبب عرقا، ثم انطلقت بهما إلى بيت المقدس، ثم عُرج بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل إلى السماء الدنيا، فرأى صلى الله عليه وسلم أبونا آدم عليه السلام، ورحب به، ورد عليه السلام، وأراه أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره، ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى عليهما السلام، فسلم عليهما.
ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثالثة ورأى فيها يوسف عليه السلام، ثم رأى إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، وهارون عليه السلام في السماء الخامسة، وموسى عليه السلام في السماء السادسة، وفي السماء السابعة رأى الخليل إبراهيم عليه السلام، وجميعهم يُسلمون عليه، ويُقرّون بنبوته، ثم صعد إلى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، ثم صعد فوق السماء السابعة، وكلم الله تعالى، ففرض عليه خمسين صلاة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يراجعه حتى جعلها خمسا، وعُرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له أنه أصاب الفطرة، ورأى أنهار الجنة، اثنان ظاهران، واثنان باطنان، ورأى خازن النار مالك، ورأى أكلة الربا، وأكلة أموال اليتامى ظلما، وغير ذلك الكثير من المشاهد، ولقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها هو تعويض الله سبحانه وتعالى للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لصد الناس عنه، وخاصة أن الحادثة كانت بعد أذى أهل الطائف له، ومنعه من دخول المسجد الحرام إلا بجوار مطعم بن عدى، فعوضه الله سبحانه وتعالى بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به تعزية ومواساة من الله تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، فأكرمه الله تعالى برؤية آيات من ربه وأمور أخرى، وكذلك فتنة الناس وامتحانهم من خلال بيان المصدق والمكذب له، حيث إن الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلة مقدارها شهرين ذهابا وإيابا.
وسمى من حينها أبو بكر رضي الله عنه، بالصديق، وذلك لتصديقه للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في معجزة الإسراء والمعراج، وأيضا بيان صدق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد وصفه للناس ما يعجز البشر عن وصفه، وكذلك بيان أهمية الصلاة ومكانتها، حيث إنها فُرضت في السماء، وأيضا الدلالة على أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والربط بينهما، وقيامهما على التوحيد والإخلاص، وإن ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة عظيمة في المعتقد الإسلامي، حيث أسري بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية إلى المسجد الأقصى في مدينة القدس في فلسطين، ثم عُرج به من قبة الصخرة المشرفة إلى السماء عند سدرة المنتهى مع جبريل عليه السلام، والله سبحانه وتعالى أراد من رحلة الإسراء والمعراج تكريم نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد تعب لما لاقاه من تعذيب وتكذيب من قبيلته قريش، وضاقت به الأرض كلها بعد عام الحزن، حيث توفي عمه أبو طالب الذي رعاه وتكفل به، ليتبعه بعد ذلك وفاة زوجه خديجة رضى الله عنها، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بينما كان نائما، فهمزه جبريل، فاستقيظ الرسول ولم يرى شيئا، ثم كرر جبريل عليه السلام فعلته مرة ثانية وثالثة إلى أن أفاق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجلس، فأخذ جبريل عليه السلام بيده عليه السلام وركبا على ظهر البراق إلى أن وصلا بيت المقدس.
وكان فيها نفر من الأنبياء صلى رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بهم صلاة الفجر ثم عاد ليحدث أصحابه بذلك، فارتد كثيرون وكذبوه، وفيما يتعلق بموعد الحادثة فقد اختلف العلماء في تحديدها في أي سنة وأى شهر وأي يوم، فقد اختلفوا عن موعد حدوثها أكان قبل الهجرة بسنة او أكثر، أو قبلها بشهر، وقد اختلفو في موعدها أكانت في السابع والعشرين من شهر رجب، أم في السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني، أم فى السابع عشر من شهر رمضان، وإن الحكمة من رحلة الإسراء والمعراج إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس إلا مرة واحدة في ليلة الإسراء والمعراج، وأهل قريش يعلمون ذلك جيدا، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يطلع نبيه في السابع والعشرين من شهر على أخبار بيت المقدس ليخبر بها قومه، فيصدقونه كونهم يعرفون بيت المقدس وقد عاينوها، ثم يصدقون كلامه عن أشياء أخرى تتعلق بنبوته ونحو ذلك، فتكون بذلك حجة على رسالته وإثباتا لصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وأما رحلة المعراج إلى السماوات العلا فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يشرف السماوات السبع بأنوار النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما شرف الأرض بها،وأما عن البراق، فإن البراق هو الدابة الذي حمل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس خلال رحلة الإسراء والمعراج، وقد أجمع أهل العلم أن حجمها أصغر من البغل وأكبر من الحمار، لحديث الرسول في السابع والعشرين من شهر “أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه” رواه مسلم.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثامن “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع رحلة الإسراء والمعراج، وإن الإسراء والمعراج هى أطول رحلة عرفتها البشرية، وهى رحلة من الأرض إلى السماوات العلا، وهى معجزة إلهية وآية منَّ الله تعالى بها على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأكرمه وأنزل الأنس والسكينة على قلبه بها، ولأهميتها فقد ذكرت في القرآن الكريم في سورتين الأولى سورة الإسراء حيث ذكر فيها الإسراء، وسورة النجم التي ذكر فيها المعراج، وقد توقفنا مع البراق وهو الدابة الذي حمل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس خلال رحلة الإسراء والمعراج، وقد أجمع أهل العلم أن حجمها أصغر من البغل وأكبر من الحمار، لحديث الرسول في السابع والعشرين من شهر “أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه” رواه مسلم، وقيل أن لونه شديد البرق واللمعان فمن هنا اشتق اسمه البراق، وأما عن توقيت حادثة الإسراء والمعراج فقد اختلف العلماء في توقيت حدوث الإسراء والمعراج، فقال بعضهم إنها وقعت قبل الهجرة بعام وهو ما ذهب إليه الإمام النووي، وقال ابن حزم إن هذا القول مجمع عليه، وذهب آخرون إلى أنها كانت قبل الهجرة بخمس سنين وهو قول القاضي، كما اختلف في الشهر الذي حدثت فيه، فمنهم من قال إنها في الليلة السابعة والعشرين من شهر ربيع الأول، وقال بذلك ابن الأثير والنووي وجمع آخر، وقيل إنها كانت في شهر رجب، وقيل في رمضان، وقيل إنها كانت في شوال، وإن الإسراء والمعراج هي معجزة.
من أكبر معجزات الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي نعمة أنعمها الله تعالى على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وشرفه بها، وعلى المسلم أن يؤمن بها، فقد اعتبرها علماء الأصول واحدة من الاعتقادات التي يجب على المسلم الإيمان بها، والإسراء من السرى، وهو انتقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى بيت المقدس بصحبة الملك جبريل عليه السلام ممتطيا البراق، أما المعراج فهو صعود الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مع جبريل عليه السلام إلى السماوات، وقد أسري به بروحه وجسمه، فدخل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المسجد الأقصى وصلى فيه إماما بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، ومر في كلّ سماء بنبى من الأنبياء، فكان يسلم عليهم ويردون عليه، إلى أن وصل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى سدرة المنتهى، وبعدها إلى البيت المعمور، ومما روي عن تلك الليلة أنه أتي إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بإناء من خمر، وآخر من لبن، وثالث من عسل، فاختار اللبن، كما فرض الله تعالى في تلك الليلة على المسلمين الصلاة خمسين صلاة، فراجع صلى الله عليه وسلم، الله تعالى فخففها إلى خمس صلوات، وحين عاد أخبر المشركين بما رآه فكذبوه، فكشف الله تعالى له عن بيت المقدس فوصفه لهم، ولقد فضل الله سبحانه وتعالى ليلة الإسراء والمعراج عن غيرها بفضائل عديدة، فهى معجزة أيد الله تعالى بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الرحلة معجزة كبرى من المعجزات التي أيّد الله بها نبيه.
الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فصلى بالأنبياء، ورأى من آيات ربه الكبرى، وشاهد جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله تعالى عليها، وصعد حتى وصل إلى سدرة المنتهى، فقال تعالى ” أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وكذلك من فضائلها هو الأمر بالصلاة وفرضها فقد امتازت الصلاة بأن الله تعالى فرضها من فوق سبع سماوات، في حين أن غيرها من الفروض والعبادات كان الوحي يتنزل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على أهمية الصلاة وعظم مكانتها، ومن فضلها أيضا أن الله عز وجل فرضها خمسون صلاة في اليوم والليلة بداية، ثم خففها لخمس صلواتٍ بأجر خمسين، وأيضا من فضائلها هو حادثة شق الصدر للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر يتناسب مع الرسالة التي بعث الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تهيئة للنبي صلى الله عليه وسلم لما سيواجهه في رحلة الإسراء والمعراج معنويا وجسديا، حيث أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام فشق صدره صلى الله عليه وسلم، وغسله بماء زمزم وملأه إيمانا وحكمة، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده فى مكانه”
فإن صلح القلب صلحت باقي الأعضاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وغذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب” وإن البراق هو من أعظم ما كرم الله تعالى به رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، حيث أرسل له جبريل عليه السلام يحمله على البراق، فأعزه الله تعالى وكرمه كما يكرم أهل الجنة بدخولها راكبين، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب فلما نزل عنها ربطها كي لا تفلت، وهو أمر لا يتنافى مع التوكل والبراق هو دابة تشبه سائر الدواب، وحجمه متوسط بين الحمار والبغل، وكذلك المسجد الأقصى وفيه إشارة ودلالة لعموم رسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وعالميتها، فدعوته عامة لكل بلد، كما أنه صلى الله عليه وسلم، صلى إماما بالأنبياء فيه، وفيه دلالة على أن رسالة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هى ناسخة لجميع الرسالات السماوية قبله، وإن الإمامة بحد ذاتها تدل على الاقتداء، فقد اقتدى به الأنبياء حينما صلوا خلفه، وكانت دعوتهم جميعا إلى الإيمان بالله والابتعاد عن الشرك، كما ربطت هذه الرحلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ودعت إلى شد الرحال إليهما، والعمل على تطهير مثل هذه الأماكن المقدسة من كل شرك، وكذلك علو الله تبارك وتعالى، فقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا حتى وصل إلى سدرة المنتهى وكلمه الله تعالى، فقال تعالى “ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات” تأكيد هوية القدس الإسلامية.
والتخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواساته وتثبيته فقد لاقى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من قومه الأذى والإعراض، ثم وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه، وفي ذات الوقت كان قد فقد زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب، اللذين كانا لهما دوراً كبيرا في مناصرته، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حزنا شديدا، فكانت رحلة الإسراء والمعراج تخفيفا من الله سبحانه وتعالى لقلب نبيه صلى الله عليه وسلم، تعزيز مشاعر الأبوة وإظهارها، حيث شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم آدم عليه السلام يفرح لفرح بني البشر ويحزن لحزنهم، وهذا هو حال جميع الآباء تجاه أبنائهم، قول الحق مهما كانت نتائجه، حيث أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث معه في هذه الليلة، ولم يأبه لتصديقهم له أو تكذيبهم، وهكذا يعرف الإسراء بأنه مرافقة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في يت المقدس، ركوبا على البراق، أما المعراج فهو صعودهما معا من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا، وقد ورد ذكر هذه الرحلة في القرآن الكريم والسنة النبوية وأثبتها الصحابة رضوان الله عليهم، وقد كان الإسراء والمعراج وعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في الليلة نفسها، وقد وقعت حادثة الطائف التي رفض فيها أهل الطائف دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذوه، ثم جاءت بعدها رحلة الإسراء والمعراج ليثبت الله بها قلب نبيه.
الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حيث أسرى الله عز وجل نبيه بصحبة جبريل عليه السلام على دابة البراق ليلا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فربط النبي صلى الله عليه وسلم الدابة عندما وصل بحلقة على باب المسجد، ودخل وأم بالأنبياء، ثم صعد به جبريل على البراق حتى وصلا إلى السماءِ الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له ووجد بها آدم عليه السلام، ثم إلى السماء الثانية فوجد بها يحيى وعيسى بن مريم عليهما السلام، ثم إلى الثالثة فوجد بها يوسف عليه السلام، ثم إلى الرابعة فوجد بها إدريس عليه السلام، ثم إلى الخامسة فوجد هارون عليه السلام، ثم صعد إلى السماء السادسة فوجد موسى عليه السلام، ثم إلى السماء السابعة فوجد الخليل إبراهيم عليه السلام، وفي كل سماء كان يرحب به ويقر النبي صلى الله عليه وسلم الموجود فيها بنبوته صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل حتى وصل سدرة المنتهى والبيت المعمور، ثم منها إلى الله سبحانه وتعالى، ففرض عليه خمسون صلاة، فلما عاد ومر على نبى الله موسى عليه السلام سأله عما فرضه الله عليه، فأخبره النبى صلى الله عليه وسلم فطلب منه أن يعود ويطلب من الله أن يخفف عن أمته، فنظر النبى صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فأجابه، فعاد خففها إلى أربعين صلاة، وما زال يفعل ذلك حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة الخمر واللبن، فأخذ اللبن، وشاهد أربعة أنهار اثنان ظاهران وهما النيل والفرات، فدل ذلك على انتشار رسالة الإسلام، وآخران باطنين.
ورأى الجنة والنار، وخازن النار، ومن يأكلون أموال اليتامى بغير حق وهم يعذبون في النار، ومن يتعاملون بالربا، والزناة، وكل من هؤلاء يعذب في النار بنوع من العذاب، فلما حل الصباح أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث معه، لكنهم عارضوه وكذبوه وطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس، فوصفها لهم وصفا دقيقا صحيحا، ورغم استغرابهم من دقة ما يقوله لهم إلا أنهم ازدادوا كفرا وإعراضا وتكذيبا وعنادا، ولم يصدقة حينها إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولذلك سُمي بالصديق، وأما عن المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المقبولة عند الأمة، وقد تعددت آراء العلماء في كيفية صعود النبي صلى الله عليه وسلم وعروجه إلى السماء، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عُرج به إلى السماء على دابة البراق كما في الإسراء، وذهب بعضهم إلى أن صعوده إلى السماء كان عن طريق معراجٍ أي سُلم نصب له وعرج به إلى السماء، وقد جاءت بعض الروايات التي تصف المعراج الذي صعد به النبي صلى الله عليه وسلم بالحسن والجمال، وأنه مكون من الذهب والفضة، ومرصع باللؤلؤ، وقد جيء به من جنة الفردوس، وكانت الملائكة تقف على يمينه ويساره، ويقول بعض العلماء إن المعراج مصعد لا تعلم حقيقته، ولا تدرك صورته، وإنما كان وسيلة عرج به النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماء برفقة جبريل عليه السلام، ويرى بعض العلماء أنه إن لم يثبت بالقرآن الكريم بشكل صريح، فقد تمت الإشارة إليه في سورة النجم.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء التاسع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع رحلة الإسراء والمعراج، ولقد أنعم الله سبحانه وتعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة الفريدة ليسري عنه، وليثبت لقومه صدق نبوته، ولأسباب أخرى عديدة يصعب حصرها، ومن إعجاز تلك الحادثة أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد انتقل من مكة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليلة، مع أن قطع تلك المسافة كانت تحتاج في تلك الفترة إلى شهر كامل، ناهيك عن عروجه إلى السماء السابعة، وذلك الأمر الذي لم يشهده العالم بأسره لا في تلك الفترة ولا بعدها، وقد ساهم البراق في ذلك الأمر بقدرة الله عز وجل، وكان في ذلك اختبار للصحابة الكرام، وخاصة الذين آمنوا حديثا، وقد صدق الله رسوله وأيده، بعد أن كذبه كفار قريش، وشكك بأمره المنافقون وضعاف الإيمان بأن جعله يصف لهم بيت المقدس وصفاً دقيقا، مع أنه لم يكن قد زاره قبل تلك الحادثة مطلقا، وهكذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو بشر مثلنا، لكنه جاء إلى الدنيا حاملا قلبا كبيرا مليئا بالخير والحب لكل المخلوقات، وبالإيمان الصادق للخالق، فأصبحت له مكانة عظيمة بين البشر، ومنزلة أعظم عند الله تعالى، وبهذه المنزلة وصل مكانا في السماوات العلا لم يصله بشر من قبله وهو سدرة المنتهى، وصلى إماما بكل الأنبياء في المسجد الأقصى، وما ذلك إلا إشارة أن مقامه لا يعدله مقام، وأنه بلغ من التشريف ما لم يبلغه أحد، إنه نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي صعد إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، حيث تعتبر رحلة الإسراء والمعراج.
من أعجب وأغرب الرحلات التي قام بها البشر على الإطلاق، حيث تمثلت هذه الرحلة بقدرة الله تعالى على الإسراء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الكرمة إلى المدينة المنورة، وبعد ذلك عُرج به إلى السماوات العُلا، ثم رجع إلى بيت المقدس، وتنتهي الرحلة بعودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة، وكان ذلك كله في فترة زمنية قصيرة تتحدد بجزء قليل من الليل، وبالتالي فقد كانت رحلة الإسراء والمعراج إحدى معجزات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمور التي رآها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج، هو جبريل عليه السلام فقد رآه على هيئته الحقيقية فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج الملك أمين الوحى جبريل عليه السلام، في صورته التي خلقه الله تعالى عليها، وهي خلقة عظيمة، وآية من آيات الله عز وجل، فهو مخلوق عظيم له ستمائة جناح، كل جناح منها حجمه مد البصر، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين على صورته الحقيقة، حيث رآه في الأفق الأعلى، وعند سدرة المنتهى، والمقصود هنا أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم، هو جبريل عليه السلام، لكن ظن البعض أنه رأى ربه في رحلة المعراج، والصواب أنه لم يره، ودليل ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن ذلك فقالت أنه لم يرى ربه، وقرأت قول الله تعالى ” لا تدركه الأبصار” وهو يعني لا نرى الله في الدنيا، أما في الآخرة فسوف يراه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يوم الحساب، وفي الجنة، بإجماع أهل السنة والجماعة.
بحيث يرونه رؤية ثابتة واضحة بيقين لا شبهة فيه، ووضوحها ويقينها كرؤية الشمس والقمر، وهذه الرؤية خاصة بأهل الإيمان، أما الكفار فهم محجوبون عن رؤية الله تعالى بنص القرآن الكريم، ومما ثبت واتفق عليه العلماء أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صلى في رحلة الإسراء والمعراج بالأنبياء إماما، ولكنهم اختلفوا متى تم ذلك، فمنهم من قال أنه أمَّهم عند مقدمه إلى المسجد الأقصى، ومنهم من قال أنه أمَّهم وهو يعرج إلى السماء، واختار ابن كثير أنه قد أمَّهم بعد أن نزل من العروج إلى بيت المقدس، وأيضا فقد جاء في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في رحلة الإسراء والمعراج الملك خازن النار، وهو مالك عليه السلام، حتى إن مالك هو الذي بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام، وكذلك البيت المعمور، وهو بيت يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودوا إليه أبدا، وقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء صعوده إلى السماء برفقة جبريل عليه السلام رأى البيت المعمور، حيث قال صلى الله عليه وسلم “فرقع لى البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال هذا البيت المعمور” وأيضا سدرة المنتهى فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج الجنة ونعيمها، ورأى سدرة المنتهى، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” ورفعت لى سدرة المنتهى” وأيضا نهر الكوثر، فقد رأى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج نهر الكوثر الذي خصه الله به وأكرمه به، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم.
” بينما أنا أسير فى الجنه إذا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر” ولقد اطلع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في رحلة المعراج على بعض أحوال الذين يعذبون في نار جهنم، ورأى أصناف متعددة منهم، فالصنف الأول هم الذين يخوضون في أعراض المسلمين، ويقعون في الغيبة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” لما عرج بى مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هولاء الذين يأكلون لحوم الناس” وأما عن الصنف الثاني، فهم الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم” مررت ليلة أسرى بى على قوم تقرض شفاههم بمقارض من نار، قال، قلت من هؤلاء؟ قالوا خطباء أمتك” وأما الصنف الثالث، فهم الذين يأكلون الربا، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” رأيت ليلة أسرى بى رجلا يسبح فى نهر ويلقم الحجاره، فسألت ما هذا؟ فقيل لى آكل الربا” ولقد مرَّ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة في عدة مشاهد ومواقف تستخلص منها عبر وفوائد جمة، منها أهمية الصلاة ومكانتها الكبيرة، فالإسراء والمعراج رحلة ربانية تفضل بها الله عز وجل على نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم حيث أسرى به على ظهر البراق من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف، ثم عُرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى وما فوقها، وهي إحدى معجزات نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي أذهلت الكفار.
وحارت فيها العقول لدرجة أنهم كذبوه وزعموا أنها من نسج خياله، ولقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للعديد من المحن والابتلاءات حيث اشتد عداء المشركين وأذاهم له، فضيقوا الخناق عليه وعلى صحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وحاصروهم، ومات عمه أبو طالب الذي ربّاه منذ صغره وكان شفوقا عليه لدرجة أنه دافع عنه وحماه من أذى المشركين، وتوفيت زوجته الحنونة السيدة خديجة بنت خويلد والتي كانت سنده ومعينه، ونال ما ناله من التنكيل من أهل الطائف وسخريتهم منه، وقد سُمي ذلك العام بعام الحزن لشدة ما قاساه، لكنه صبر صلى الله عليه وسلم ومضى في دعوته وتبليغ دين ربه سبحانه وتعالى، فأكرمه مولاه عز وجل برحلة الإسراء والمعراج، وإن فى أهمية الصلاة في رحلة الإسراء والمعراج بأن الصلاة عماد الدين وهو أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ولها مكانتها وأهميتها البالغة في ديننا الإسلامي، ومما زادها تشريفا وتعظيماً أنها الركن الوحيد من أركان الإسلام، والعبادة والفريضة الوحيدة أيضا التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج، فقد فرضت في السماوات العلا ودون واسطة، فتميزت عن غيرها لمكانتها العظيمة وفضلها بين العبادات الأخرى، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماما، وكانت آخر وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل وفاته هى الصلاة، وقد أسرى الله تعالى بجسد نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس على الصحيح من أقوال أهل العلم، فأسري بالنبي صلى الله عليه وسلم راكبا على دابة البراق.
برفقة جبريل عليه السلام حتى وصل إلى بيت المقدس، فربط دابة البراق بحلقة باب المسجد، ثم التقى بالأنبياء الكرام عليهم السلام وصلى بهم إماما، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات العلى، والتقى في كل سماء بنبي من أنبياء الله عليهم السلام، ولقد كان لحادثة الإسراء والمعراج نتائج عديدة عادت على الأمة الإسلامية بالخير والمنفعة، وبيان هذه الفوائد هو اطلاع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على بعض الأمور الغيبية التي كشفها الله عز وجل له، فرآها بعينه، وسمعها بأذنه، ثم بيانه صلى الله عليه وسلم هذه الأمور للمسلمين مما أدى إلى زيادة الإيمان في قلوب المسلمين، وتبصيرهم في أمور دينهم، وكذلك يقين المسلم بنصر الله تعالى، وتفريجه للكربات، فقد جاءت هذه الحادثة بعد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لصنوف الأذى والتكذيب، فليس بعد العسر إلا اليسر، وليس بعد الصبر إلا الفرج، وكذلك أهمية اتباع الداعية المسلم لمنهج الأنبياء عليهم السلام في دعوتهم لأقوامهم والذي يقوم على الرفق واللين وكذلك حث المسلم على الابتكارات والاختراعات العلمية في مختلف المجالات الصناعية والمعرفيّة، والتي تعود على الناس بالخير والنفع، وأيضا بيان أهمية الصلاة في حياة الفرد المسلم، فهي الشعيرة العظيمة التي ينبغي على المسلم أن يصوغ حياته وفقها، ويضبط أمورها عليها، فينشأ المسلم من بداية حياته وحتى انتهائها على الإيمان بالله تعالى، وامتثال مكارم الأخلاق والعادات، والبراق هو اسم للدابة التى ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى، ومنها عرج إلى السماء السابعة، وقد اشتق اسم البراق من البرق لسرعته، وقيل سُمي بذلك لشدة صفائه ووضوح ألوانه وتلألئها، وقيل إن سبب تسميته بذلك أنه ذو لونين، لذلك يقال شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود، والبراق دابة بيضاء، أكبر حجما من الحمار وأصغر من البغل، وخطو البراق مد البصر، مما يعني أن سرعته تقارب سرعة الطائرة، ومن خواصه وصفاته أنه إذا رفع حافره فإن خطوته تكون مد البصر أي تقع في الموضع الذي يقع عليه بصره ولهذا تمكن بقدرة الله من قطع تلك المسافة في مدة وجيزة، وقد سمي بالبراق لبريقه ولمعانه، وقد جاء ذلك الوصف للبراق من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن عاد من رحلتي الإسراء والمعراج حيث يقول صلى الله عليه وسلم” بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكريعني رجلا بين الرجلين، فأتيت بطست من ذهب، مُلئ حكمة وإيمانا، فشُق من النحر إلى مراقِ البطن، ثم غُسل البطن بماء زمزم، ثم مُلئ حكمة وإيمانا، وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار، البراق، فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا” وقد ورد وصفه صلى الله عليه وسلم كذلك في حديث آخر يرويه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ومما جاء فيه قوله” والله ما زال البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ثم عادا عودهما على بدئهما، قال ثم ضحك حتى رأيت نواجذه، قال ويحدثون أنه لربطه ليفر منه وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء العاشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا مع وصف البراقن وقد ورد وصفه صلى الله عليه وسلم كذلك في حديث آخر يرويه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ومما جاء فيه قوله” والله ما زال البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة أجمع ثم عادا عودهما على بدئهما، قال ثم ضحك حتى رأيت نواجذه، قال ويحدثون أنه لربطه ليفر منه وإنما سخره له عالم الغيب والشهادة، قال، قلت أبا عبد الله أي دابة البراق؟ قال دابة أبيض طويل هكذا خطوة مد البصر” وأما عن حائط البراق، فإنه يعتبر حائط البراق من المعالم الدينية والأثرية في التاريخ الإسلامي، فهو جزء من الحرم القدسي الشريف الذي له مكانة عظيمة في قلوب المسلمين على امتداد المعمورة، وظل هذا الحائط لسنين طويلة محل نزاع بين أصحابه الشرعيين وهم المسلمون، وبين اليهود الذين يدعون زورا وبهتانا أن هذا الحائط هو الأثر الديني الوحيد الذي تبقى من هيكل نبى الله سليمان المهدوم، حيث يقع حائط البراق في الجهة الغربية من الحرم القدسي الشريف، وموقعه بالتحديد بين باب المغاربة جنوبا ومدرسة التكنزية شمالا، وهو عبارة عن حائط يبلغ ارتفاعه حوالي عشرين مترا، بينما يبلغ طوله خمسين مترا، ولهذا الحائط عدة تسميات، فعند المسلمين يسمى بحائط البراق، وعند اليهود يسمى بالحائط الغربي، وكان سبب تسمية حائط البراق بهذا الاسم يرجع إلى معتقد المسلمين في حادثة الإسراء والمعراج التي حدثت في حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى على دابة تسمى بالبراق، وعند وصوله إلى المسجد الأقصى ربط النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دابة البراق في حلقة في هذا الحائط، ثم صلى بالأنبياء في المسجد، ثم عرج به إلى السماوات العلى، وأيضا حائط البراق في الاعتقاد اليهودي بأنه يعتبر هذا الجدار رمزا وطنيا في الاعتقاد اليهودي، ومعلما دينيا تهفو إليه قلوب اليهود من كل مكان لإقامة شعائر فيه، وتأدية الصلوات، فهو باعتقادهم ما بقي من هيكل نبى الله سليمان المهدوم، ولذلك فهم وفق شرائعهم حرم عليهم دخول الحرم القدسي، إلا أنه يجوز لهم البقاء عند حائط البراق والساحة المقابلة له، وكانت أول إشارة إلى هذا المصلى في كتاب أحد الرحالة اليهود، واسمه بنيامين من توديلا حيث ذكر وجود مصلى مقابل قبة الصخرة سماه الحائط الغربي، ولقد حرص اليهود عبر مراحل التاريخ المختلفة على تقديس هذا المكان، ومحاولة بيان أحقيتهم فيه، وعلى الرغم من أن سلطات الدولة العثمانية سمحت لهم بإقامة بعض الشعائر عنده، إلا أنها منعتهم من وضع الكراسي فيه لاتخاذه وكأنه مصلى لهم، وحاول بعض اليهود شراء هذا المكان كما حصل مع اليهودي الفرنسي روتشيلد ولكن دون جدوى، حتى تمكنوا أخيرا وتحديدا في سنة ألف تسعمائة وسبعة وستون ميلادى من احتلال الحرم القدسي الشريف بما فيه حائط البراق، حيث أصبح منذ ذلك الوقت مرتعا لهم لإقامة شعائرهم، والبكاء على هيكل لم يكن موجودا أصلا في التاريخ، وتبدأ أحداث رحلة الاسراء كما يرويها صاحبها صلى الله عليه وسلم.
بقدوم ثلاثة من الملائكة الكرام، بينهم جبريل وميكائيل، فجعلوا جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم لظهره مستقبلا الأرض وهو نائم ثم شقوا بطنه، فغسلوا ما كان به من غل بماء زمزم، ثم ملؤوا قلبه إيمان وحكمه، ثم عرض عليه لبن وخمر، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن فشربه، فبشره جبريل عليه السلام بالفطره، ثم أركبه جبريل عليه السلام البراق وانطلق به إلى المسجد الأقصى فأنزله طيبه، فصلى بها، وأخبره ما يكون من هجرته إليها، ثم أنزله طور سيناء، حيث كلم الله تعالى نبيه موسى عليه السلام، فصلى به، ثم أنزله بيت لحم مولد نبى الله عيسى عليه السلام، فصلى فيها، ثم دنا إلى بيت المقدس فأنزله باب المسجد وربط البراق بالحلقه التى كان يربط بها الأنبياء من قبل، ثم دخل المسجد ليلتقي أنبياء الله المبعوثين قبله، فسلموا عليه صلى الله عليه وسلم وصلى بهم ركعتين، ونعرف جيدا أن الصلاة عماد الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وأن لها مكانتها وأهميتها البالغة في ديننا، ففيها اتصال وتواصل بين العبد وخالقه، ومما زادها تشريفا وتعظيما أنها الركن الوحيد من أركان الإسلام والعبادة والفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج، فقد جاءتنا فريضة الصلاة من الله في السماوات العلا مباشرة، فتميزت عن غيرها من العبادات الأخرى، وعندما عاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من رحلته شرع بإخبار الناس عنها وعما شاهد فيها، فكانت هذه الرحلة فتنة لكل الأطراف، ماعدا المؤمنين الصادقين الثابتين في إيمانهم، حيث زادت الرحلة من إيمانهم.
ومن تثبيتهم على الحق، وكان من بين المصدقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق عمره أبوبكر الصديق رضي الله عنه، حيث قال “إني أصدقه في خبر السماء” ولكن كانت الرحلة فتنة لضعيفي الإيمان الذين ارتدوا عن الإسلام، وكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما قاله عن رحلته، أما الكفار فزادت هذه المعجزة الجديدة من حقدهم وحسدهم، فقلبوا الأوضاع دون حياء، فاستخدموا الآية العظيمة في تنفير الناس وإبعادهم عن دين الله، وكان على رأس هؤلاء أبوجهل الذي حرص على جمع الناس ليسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكذبوه بشدة ويسخروا منه، فقد كان لهذه الليلة أثر عظيم في تثبيت فؤاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وترطيب قلبه وجبر خاطره صلى الله عليه وسلم، بعد أن لاقى ما لاقى من قريش من إيذاء واضطهاد، وفي طريق المعراج تعددت المشاهد، وتنوعت الآيات، ومن هذه المشاهد تظهر امرأة جميلة متبرجة بكل أنواع الزينة، حاسرة على ذراعيها تنادي يا محمد، انظرني أسألك، فلم يلتفت إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سار ما شاء الله له أن يسير، فقال جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم أما سمعت شيئا في الطريق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بينما أنا أسير إذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبها، ولم أقم عليها، قال جبريل تلك الدنيا، أما أنك لوأجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق، فهو إبليس، ثم قدّم جبريل عليه السلام.
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إناءين في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن، وقال له اختر ما شئت، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن فشربه، وأعرض عن الخمر، ولم تكن لخمر قد حرمت في الإسلام حينئذ، فلما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم اللبن قال له جبريل هديت إلى الفطرة، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “الله أكبر الله أكبر، اختار اللبن بدلا من الخمر الذي يذهب العقل، ويدمر الجسم، ويفسد الإرادة، ويتلف البدن، والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، فلما شربه صلى الله عليه وسلم، فقد آثر الصالح على الفاسد، وهذه سنة الله تعالى التي فطر الله الناس عليها، وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الدنيا لِما فيها من نفع للناس أجمعين ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام “هديت إلى الفطرة” ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيت المقدس، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم عرج به في صحبة جبريل عليه السلام وفي السماء الدنيا، وقد التقى بأبونا آدم عليه السلام، فتبادلا السلام والتحية، ثم دعاآدمله بخير، وقد رآه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم جالسا وعن يمينه وشماله أرواح ذريته، فإذاالتفت عن يمينه ضحك، وإذا التفت عن شماله بكى، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، جبريل عليه السلام عن الذي رآه، فذكر له أن أولئك الذين كانوا عن يمينه هم أهل الجنة من ذريته، فيسعد برؤيتهم، والذين عن شماله هم أهل النار، فيحزن لرؤيتهم، ثم صعد السماء الثانية ليلتقي بأنبياء الله تعالى.
عيسى ويحيى عليهما السلام، فاستقبلاه أحسن استقبال، وقالا له “مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح” وفي السماء الثالثة رأى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أخاه يوسف عليه السلام، وسلم عليه، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله” أنه أعطي شِطر الحسن” رواه مسلم، ثم التقى بأخيه إدريس عليه السلام، في السماء الرابعة، وبعده نبى الله هارون عليه السلام، في السماء الخامسة، ثم صعد جبريل بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى السماء السادسة لرؤية أخيه موسى عليه السلام، وبعد السلام عليه بكى نبى الله موسى عليه السلام، فقيل له “ما يبكيك؟” فقال عليه السلام “أبكي لأن غلاما بُعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي” ثم كان اللقاء بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، في السماء السابعة، حيث رآه مُسندا ظهره إلى البيت المعمور وهى كعبة أهل السماء، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لايعودون إليه أبدا، وهناك استقبل الخليل إبراهيم عليه السلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ودعا له ثم قال يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر “رواه الترمذي، وبعد هذه السلسلة من اللقاءات المباركة، صعدجبريل عليه السلام بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى سدرة المنتهى، وهي شجرة عظيمة القدر كبيرة الحجم، ثمارها تشبه الجرار الكبيرة، وأوراقها مثل آذان الفيلة، ومن تحتها تجري الأنهار،
وهناك رأى النبي صلى الله عليه وسلم أمين الوحى جبريل عليه السلام على صورته الملائكية وله ستمائة جناح، يتساقطمنها الدر والياقوت، ثم حانت أسعد اللحظات إلى قلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حينما تشرّف بلقاء الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته، لتصغر أمام عينيه كلال أهوال التي عايشها، وكل المصاعب التي عاينها، وهناك أوحى الله تعالى إلى عبده ما أوحى، وكان مما أعطاه خواتيم سورة البقرة، وغفران كبائر الذنوب لأهل التوحيد الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، ثم فرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، خُففت بعد ذلك إلى خمس في العمل وخمسين في الأجر، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الجنة ونعيمها، وأراه جبريل عليه السلام الكوثر، وهو نهر أعطاه الله لنبيه إكراما له، حافتاه والحصى الذي فيقعره من اللؤلؤ، وتربته من المسك، وفي المقابل، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على أحوال الذين يعذبون في نار جهنم، فرأى أقواما لهم أظفار من نحاس يجرحون بها وجوههم وصدورهم، فسأل جبريل عليه السلام عنهم، فقال “هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم” ورأى أيضا أقواما تقطع ألسنتهم وشفاههم بمقاريضمن نار، فقال له جبريل عليه السلام “هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟ ورأى شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى بقوله كما جاء فى سورة الإسراء” والشجرة الملعونة فى القرآن ” ورأى مالك خازن النار.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الحادى عشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الحادى عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا مع مشاهده النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة، وقد رأى شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى بقوله كما جاء فى سورة الإسراء” والشجرة الملعونة فى القرآن ” ورأى مالك خازن النار، ورأى المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون، ورفضت أن تكفر بالله، فأحرقها فرعون بالنار، ورأى الدجال على صورته، أجعد الشعر، أعور العين، عظيم الجثة، أحمر البشرة، مكتوب بين عينيه كافر، فإن هذه المشاهد يجب أن يعيها ويدرسها الدعاة والصالحين، بل وكل المسلمين، فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال” إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس، أبيض مثل اللبن آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة” ولقد كان ذلك امتحانا وابتلاء من الله عز وجل، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد رضي بقضاء الله وصبر، فتبدلت المحنة إلى منحة، وهذا هو المطلوب أن ترضى بقضاء الله تعالى، وتستسلم له صابرا محتسبا، فهذا هو أبونا آدم عليه السلام تسجد له الملائكة، ثم بعد قليل يخرج من الجنة، وهذا نبى الله نوح عليه السلام يُضرب حتى يغشى عليه، ثم بعد قليل ينجو في السفينة، ويهلك أعداؤه، وهذا الخليل إبراهيم عليه السلام يلقى في النار، ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة، وهذا الذبيح إسماعيل عليه السلام يضطجع مستسلما، ثم يسلم، ويبقى المدح، وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق، ثم يعود بالوصول، وهذا الكليم موسى عليه السلام يشتغل بالرعى.
ثم يرقى إلى التكليم، وهذا هو نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس اليتيم، ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة، ومِن مكايد الفقر أخرى، وهو أثبت من جبل حراء، ثم لما تم له مراده من الفتح، وبلغ الغرض من أكبر الملوك وأهل الأرض، نزل به ضيف النقلة، فقال ” واكرباه ” فمن تلمح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يستهون نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء، وإن الإسلام هو المنة الكبرى والنعمة العظمى التي لم يخترها الله تبارك وتعالى لإسعاد العرب فحسب، بل اختار الله تعالى هذه النعمةَ ليسعد البشرية كلها في الدنيا والآخرة، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله عز وجل لأهل الأرض، فما أنزل الله تعالى الإسلام للمسلمين وللعرب فقط، بل لقد اختار الله الإسلام دينا لأهل الأرض، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” إن الدين عند الله الإسلام ” لذا ما أرسل الله نبيا ولا رسولا إلا بالإسلام، وتدبروا معي هذه الأدلةَ السريعة، بدايةً من نبي الله نوح عليه السلام الذي قال كما قال عنه ربنا حكاية عنه في سورة يونس : وأمرت أن أكون من المسلمين” وما بعث الله تعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التمام ومسك الختام إلا بالإسلام، فقال تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء فى سورة المائدة ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا” وأنزل عليه سبحانه وتعالى قوله كما جاء فى سورة آل عمران ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين”
فالإسلام دِين أهل الأرض ليس دين العرب فحسب، وليس دين المسلمين فحسب، بل هو دين البشرية كلها، فهي رسالة الإسلام، وبه جاء الأنبياء من لدن آدم ونوح إلى رسول الله محمد عليهم الصلاة والسلام فهو يصلي إماما بالأنبياء، ويؤم بيت المقدس، الذي أقيم للناس ليعبدوا الله تعالى فيه بعد بيت الله الحرام، وهو القبلة الأولى للمسلمين، وأهميته بالنسبة للمسلمين وثيقة مثل أهمية بيت الله الحرام ولو تحولت القبلة عنه فرسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وإمامهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول “أنا أَولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين” وإن التحيات المتبادلة بين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وإخوته السابقين توثق هذه الآصرة، ففي كل سماء أحل الله فيها أحد رسله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل فيها بهذه الكلمة ” مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح” أما رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أظهر أنه مرسل لتكملة البناء الذى تعهده من سبقوه، ومنع الزلازل من تصديعه، ومن ترك منهج الله وتخلى عنه يتركه الله عز وجل ويستبدله ولا يستعمله، فالله تعالى ليس في حاجة إلينا.
فإن الله تعالى غنى عن العالمين كما جاء فى سورة فاطر فى قوله تعالى ” يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد” وكما حدث من بنى إسرائيل فقد تركوا منهج الله تعالى وحرفوه، وشوهوا تعاليم النبوة ورسالة السماء، فكانت النتيجة أن خرجت النبوة منهم، وانتقلت إلى غيرهم، ولكن لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سِدرة المنتهى مباشرة؟ وإن هذا يرج بنا إلى تاريخ قديم، فقد ظلت النبوات دهورا طوالا وهي وقف على بني إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحى، ومشرق أنواره على الأرض، وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار، فلما أهدر اليهود كرامة الوحي، وأسقطوا أحكام السماء، حلت بهم لعنة الله تعالى، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد، ومن ثم كان مجيء الرسالة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم انتقالا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل عليهما السلام، لكن إرادة الله مضت، وحملت الأمة الجديدة رسالتها، وورث النبي العربي تعاليم إبراهيم وإسماعيل ويعقوب عليهم السلام وقام يكافح لنشرها، وجمع الناس عليها، فكان من وصل الحاضر بالماضي، وإدماج الكل في حقيقة واحدة أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الإسلام، وأن ينتقل إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إسرائه، فيكون هذا الانتقال احتراما للإيمان الذي درج قديما في رحابه، ثم يجمع الله عز وجل، المرسلين السابقين من حملة الهداية في هذه الأرض وما حولها.
ليستقبلوا صاحب الرسالة الخاتمة، وفي السنة الصحيحة أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين في المسجد الأقصى، فكانت هذه الإمامة إقرارا مبينا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، أخذت تمامها على يد رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن وطأ لها العباد الصالحون مِن رسل الله الأولين، وإن في الاقتران الزمني بين إسرائه صلى الله عليه وسلم، إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع، لدلالة باهرة على مدى ما لهذا البيت مِن مكانة وقدسية عند الله سبحانه وتعالى، وفيه دلالة واضحة أيضا على العلاقة الوثيقة بين ما بعث به كل من عيسى ابن مريم ومحمد بن عبدالله عليهما الصلاة والسلام، وعلى ما بين الأنبياء من رابطة الدين الواحد الذي ابتعثهم الله تعالى به، وفيه دلالة على مدى ما ينبغي أن يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت، من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدين، وكأن الحكمة الإلهية تهيب بمسلمي هذا العصر ألا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان اليهود على هذه الأرض المقدسة، وأن يطهروها من رجسهم، ويعيدوها إلى أصحابها المؤمنين، ومن يدري؟ فلعل واقع هذا الإسراء العظيم هو الذي جعل القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، يستبسل ذلك الاستبسال العظيم ويفرغ كل جهده في سبيل صد الهجمات الصليبية عن هذه البقعة المقدسة، حتى ردهم على أعقابهم خائبين، فإن الربط بين المسجد الأقصى، والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد.
منها هو أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ أصبح مسرى رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلى، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلةَ الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى وفلسطين لأنها مباركة ومقدسة، وأيضا فإن الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى بمسؤولية تطهير المسجد الأقصى مِن أوضار الشرك وعقيدة التثليث، كما هي أيضا مسؤوليتهم تطهير المسجد الحرام مِن أوضار الشرك وعبادة الأصنام، وأيضا الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديد للمسجد الحرام وأهله، وأن النيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى مِن أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود يعني أن المسجد الحرام، والحجاز قد تهدد الأمن فيهما، ومن ثم كان المسجد الحرام المنارة الهادية التي تشع منها أنوار الإيمان، وكان له القداسة التي تستحق التسجيل والتنويه، وأما المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، فهو الحرم الثاني الذي بُني بعد الحرم الأول ليكون مركز هداية تنبعث منه أضواء الحق، وليكون ملتقى أنبياء الله الكرام من ذرية إبراهيم، وكان لكل مسجد من هذين المسجدين الدور العملي في إعلاء كلمة الله، والحفاظ على التراث الروحي الذي توارثه أهل الحق جيلا بعد جيل، فكان من الطبيعي أن يكون مبدأ الإسراء من مركز الإشعاع الأول لدين الله عز وجل، ومبدأ المعراج من المركز الثاني لهذا الإشعاع.
وكان من تدبير الله سبحانه وتعالى أن ترتبط معجزة الإسراء والمعراج بهذين الحرمين المقدسين، وأن يكون منهما الانطلاق إلى العالَم الروحاني لنبي الإسلام، وخاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا ما يلفت الأنظار ويوجه الأفكار إلى المنزلة الرفيعة لهذين المركزين، وما أدياه على مر الأيام من هداية وإرشاد، وفي هذا أبلغ التقدير وأعظم التقديس لهذين الحرمين المباركين، وأن على خلفاء النبوة وورثة الرسالة أن يحموا هذه الأماكن المقدسة، ويذودوا عن حماها حتى تبقى منارات هدى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن معجزة الإسراء والمعراج لتوجه أبصار المسلمين إلى الصلات الروحية التي تربطهم بالأرض المقدسة التي باركها الله عز وجل، وإنها صلات ممدودة الجذور في أعماق الزمن البعيد، وإنها لم تبل جدتها أو تضعف شدتها على مر القرون، بل إنها لتبلغ قوتها كلما حزب الأمر أو اشتد الخطب، وإن الإنسان عبارة عن روح ومادة، والإسلام أعطى كل واحدة حقها دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، فإن هنالك مناهج وفلسفات وديانات تبالغ في إرواء الإنسان من الماديات وتترك الروح خاوية، وإن هناك مناهج أخرى تبالغ في إعطاء الروح حقها، فتخرج عن جادة الحق والصواب والعقل، ولقد كانت تلك الرحلة العظيمة هى تصفية الصف المسلم وتنقيته حيث أن الكثرة لا تفيد إن لم تكن ذات قيمة، وثوابت تربت عليها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، هى مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثانى عشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، ولقد كانت تلك الرحلة العظيمة هى تصفية الصف المسلم وتنقيته حيث أن الكثرة لا تفيد إن لم تكن ذات قيمة، وثوابت تربت عليها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، هى مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، فيريد الله تعالى للبنات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية، متراصة متماسكة، فجعل الله تعالى هذا الاختبار والتمحيص ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء الخلص، الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم صلى الله عليه وسلم، بعد أن لمسوه تصديقا، وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأى حظ يحوطهم، وأى سعد يغمرهم، وهم حول هذا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد آمنوا به، وقدموا حياتهم فداء له ولدينهم؟ فكم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف، وبعد دخول مكة بجوار، وبعد أذى الصبيان والسفهاء، ولقد كان هناك جمله وهى ” أترجع إليهم وقد أخرجوك؟ قالها زيد بن حارثة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بعد عودته من رحلة الطائف، قبل رحلة الإسراء والمعراج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم واثقا في نصر الله تعالى له وحفظ الله إياه ” إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه” عندها جاءت بوادر الأمل، ومشاعل النور، وبشائر النصر وصدق الصادق الأمين” إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب” وإن هذا يعلمنا أن الأمل هو إكسير الحياة، وباعث نشاطها.
ومخفف ويلاتها، وصانع البهجة والسرور فيها، إنه شيء حلو المذاق، جميل المحيا، عالي القيمة، وينبهنا أن المؤمن أوسع الناس أملا وأصفاهم نفسا وأطهرهم قلبا وأرحبهم صدرا، وأكثرهم تفاؤلا واستبشارا، لأنه يؤمن بأن هناك قوة تدبر هذا الكون لا يخفى عليها شيء ولا تعجز هي عن شيء، قوة غير محدودة وغير محصورة وغير متناهية، هي قوة الله، إنه يؤمن بالله قاهر غالب، قدير رحيم، يحيي ويميت، يغني ويفقر، يعطي ويمنع، يعز ويذل، يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، يمنح الجزيل ويغفر الذنوب، يقبل التوبة عن عبادة ويعفوا عن السيئات، إله هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وأبر بخلقه من أنفسهم، وهذا ما أراد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أن يورثه في أمته، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، فما الذي حدث؟ فقد جاء عداس نصرانيا يحمل قطفا من العنب، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يأكل فقال بسم الله الرحمن الرحيم، يورث آداب الإسلام، لم ينس ربه، ولم يفقد مهمته رغم الأذى والبلاء فتعجب عداس وقال هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم، من أي البلاد أنت قال من نينوى وهى بلد في العراق فقال النبي صلى الله عليه وسلم، بلد أخي يونس ابن متى، فانكب عداس يقبل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويده وتحول الصد والإعراض هناك إلى عناق وقبلات هنا، وأسلم الرجل في هذا الموقف، وقد دخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مكة في جوار المطعم بن عدي، حيث أعلن الأخير في قومه إني قد أجرت محمدا.
فألبسوا أسلحتكم، وكونوا في أركان البيت، ثم خرج إلى مكة وقال يا معشر قريش إني أجرت محمدا فلا يهجه أحد، وخرجت كتيبة بأسلحتها تستقبل النبي صلى الله عليه وسلم وتحيط به، حتى وصل إلى الكعبة وصلى فيها، ثم استقبل وفود الحجيج صلى الله عليه وسلم، يعرض عليهم الإسلام، حتى دخلوا في دين الله أفوجا، ليثبت للدنيا بأسرها أن الأمل لا بد منه لدعم الرسالات، وإقامة النهضات، ونجاح البطولات وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به، بل بلا يد تمسك بالسلاح، فأنى يرتجى له انتصار؟ أو يأتي إليه فلاح، أما إذا استصحب الأمل فإن الصعب سيهون، والضر سينكشف، والبعيد سيدنو فالأيام تقرب البعيد والزمن جزء من العلاج، وليعلم الدنيا كلها أن المنحة في طيات المحنة، وأن الخير يكمن في الشر، وأن مع الكرب فرج ومع العسر يسر، فإذا كانت الأرض قد ضاقت به ذرعا، فإن السماء فتحت له أبوابها فتنقل بينها سماء بعد سماء، وإذا كان أهل الأرض تنكروا له فإن أهل السماء رحبوا به والتفوا حوله، فكان قائدهم وإمامهم، واستمعت الجن له، وبلغت عنه، ومانت هدية الأمة المحمدية فرضية الصلاة في السماء خمس في العمل وخمسون في الأجر فكانت صلة الأرض بالسماء، والمخلوق بالخالق، والدنيا بالآخرة، حتى أن محطات الرحلة كانت مراتع الصلاة في أعظم بيوت الله عز وجل، وإن الحديث عن الإسراء والمعراج كخارقة ليس شيئا عاديا، صحيح أنها رحلة من حيث الانتقال من أرض إلى أرض، لكنها ليست ككل الرحلات بكل المقاييس.
وقيل أن تسميتها رحلة مجاز أكثر من كونها حقيقة لكنها كخارقة أصح حقيقة وأثبت، كيف يصح أن نطلق عليها رحلة وفيها ما فيها من الخوارق وغرائب وعجائب الأحداث؟ وفي هذه الرحلة العجيبة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشيب له الرأس مما أعده الله للمخالفين العصاة من أمته ممن يتركون الحلال الطيب من النساء إلى الحرام الخبيث من معاشرة العاهرات، وممن يباشرون المعاملات الربوية وممن يعاقرون الخمر، وممن يتركون الصلاة، وغير ذلك كثير، ولقد بدأت السورة بالتسبيح، وهو التنزيه والتقديس لأن هذا الحدث فوق قدرات البشر، ولا يقوم به إنسان، مهما أوتي من جبروت العلم، وسطوة الفهم، والمتأمل فيه يوقن بأنه حدث الأحداث، ومعجزة المعجزات إذ كيف يمكن لبشر أن يأخذ بشرا في رحلة أرضية من مكةَ المكرمة إلى بيت المقدس، هذه المسافات الطويلة، ثم يُعرج به إلى السماوات العلا إلى سدرة المنتهى، ويريه كل تلك الآيات الباهرات، ثم يعود به قبل أن يبرد موضع نومه، حتى إن العرب أنفسهم الذين يعرفون بُعد المسافة بين المسجدين استبعدوا ذلك، وقالوا تأتي بيت المقدس الذي نضرب له أكباد الإبل شهرا، ثم تعود إلى دارك في هذه اللحظات القليلة الرمزية، وكان الجواب عليهم هو نعم، لإن أول أهداف الإسراء هو بيان القدرة الإلهية، وإيضاح المعجزة الربانية، والهيمنة الحقيقية على كل من وما في الكون لأن الله خلق الزمن فكيف يحيط به الزمن، وخلق المكان فكيف يحويه مكان، إن الله تعالى لا يعالج الأمور والأشياء كما نعالجها نحن.
إنما كل شيء عنده يتأهب لسماع “كن” فيكون في الحال ويحدث على الفور، وكل شيء عنده بمقدار، وأما ثاني تلك الغايات فهو التسلية والتسرية عن حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو مفهوم من معنى الإسراء وهو التسرية والتخفيف، حيث بلغ بقريش معه حدا بعيدا من الظلم والتجني والاضطرار إلى الخروج، وحيث أدميت قدماه الشريفتان، وهذا يتجهم، وذلك يحاول التصدي له وامتلاك دعوته، وثالث يساومه على تركها، حتى قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس برحمتك يا رب العالمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن يحل بي سخطك، أو ينزل عليّ غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” فكان دعاء الحبيب للحبيب، فيه إخبات وخشوع، وخضوع ودموع، رقة متناهية، وتوكل صادق، ويقين كامل بنصرة الله عز وجل، فتتنزل رحمة الله تعالى به في رحلة أرضية سماوية تخفف عنه، وتمسح على جبينه، وتكفكف دمعه، وتربط على كتفيه، وتشعره أنه ليس وحده في هذا الوجود، وإنما معه ربه لا ينساه، ومعه مولاه يرعاه، ويرعاه، ولقد كان لهذه الرحلة العظمى غاية عظيمه وهو بيان الآيات وشرح مستقبل الأمة وأخذ الحيطة والحذر من كل ما يقع، وكيفية الخروج منه، فهو رحلة تبصير وتنبيه.
فقد رأى صلى الله عليه وسلم، مرئيات كثيرة ولها دلالات عظيمة، منها ما يتعلق بأثر الكلمة ودورها في المجتمع، ومنها بيان قيمة الزمان في المجتمع الإنساني، ومنها خطورة الربا وآثاره المدمرة، ومنها الحرص على قدسية المرأة، وعدم الاختلاط الداعي إلى الزنا، وحياة الفحش والخنا، ومردود ذلك على المجتمع، ومنها التحذير من الدنيا وزينتها، ومنها خطورة الاغتياب، وعواقبه السيئة، ومنها بيان طبيعة الدين الإسلامي النقية، السهلة، السلسة، وتعاليمها الواضحة الهينة اللينة، ومنها مكانة المجاهدين، ومنزلة الجهاد عند الله سبحانه وتعالى، ومنها بيان مكان الصلاة، وأنها معراج المؤمن إلى ربه، وصلة العبد بمولاه، ومنها ما يتعرض له الإسلام ودعاته من عواصف هوج، وأباطيل، وعراقيل، وابتلاءات واضطهاد من هنا وهناك، وما يحيط به، ويحيك به من دسائس ومكر، وخطط ماكرة لطمسه، وقتل أنصاره، ووجوب الصبر، والتجمل، الكثير، والكثير من الرؤى والرموز، والدلالات، والمفاهيم، فإن الإسراء له مفاهيم، وتحيطه غايات، ويشتمل على معان ودلالات، ومرادات، يجب علينا أن نعيشها، ونتأملها، ونعمل بمقتضاها، ولكن هناك حقيقة، وهي أن المسلمين اعتادوا أن يحتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، واعتقد الكثيرون أن الإسراء كان في هذه الليلة، وهذه ليست حقيقة مؤكدة، والتحقيق في هذا أن العلماء قد اختلفوا اختلافا كبيرا في يوم الإسراء بل في شهر الإسراء بل في سنة الإسراء فقد قال السدي كان الإسراء في شهر ذي القعدة.
وقال ابن عبدالبر كان الإسراء في شهر ربيع الأول، وقال النووي كان الإسراء في شهر رجب، وقال الواقدي كان الإسراء في شهر شوال، وقيل كان الإسراء قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل كان الإسراء قبل الهجرة بتسعة أشهر، وقيل كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، وقيل كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وستة أشهر، وقيل كان الإسراء قبل الهجرة بثلاث سنين، كما قال ابن الأثير، ومن ثَم فإن اليوم والشهر والعام لا يعلمه إلا الله، والتحديد للإسراء بيوم وشهر ضرب من المجازفة والتخمين، لا دليل عليه من الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، والتحقيق أن الإسراء كان بعد البعثة وقبل الهجرة، من مكة إلى المسجد الأقصى، ثم من المسجد الأقصى إلى السموات العلا، كما جاءت به الأخبار الصحيحة عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان الإسراء والمعراج فهو حدث عظيم في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وحدث مفصلي في عمر الدعوة الإسلامية العريقة، وحدث هام عند المسلمين في أرجاء المعمورة إذ فرق بين الحق والباطل، وأظهر الغث من السمين، وعرى أعداء الدين، ووضح الأهداف الجليلة للمناضلين والمجاهدين في طريق رب العالمين، وإن الإسراء يعلمنا أن اليسر مع العسر، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فهذه الشدة التي يحياها المسلمون شدة أرادها الله، لكن الله بيده كل شيء، بيده أن يزيحها عنهم، ولكن لا بد من أن يصطلحوا معه، هذه الشدة زوالها مرهون بتوبتنا، وإن تعودوا نعد، وإن تغيروا يغير الله ما بنا، والتوبة بداية الفرج.
الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الثالث عشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وإن البيت الذي تقام فيه الصلوات والبيت الذي يُتقى الله تعالى فيه، والمحل التجاري الذي لا يكذب صاحبه، فيبيع بضاعة جيدة بسعر معتدل، ويبتغي البائع وجه الله عز وجل فإن هذا هو بداية طريق العودة، وأما المعاصى والذنوب، فهي تحجب الفرج، فقد يكون في البيت نوادى ليلية، وأفلام إباحية، وانعدام شخصية، في البيت يحول كل ذلك بينك وبين الله، ويحول بينك وبين التوبة، ويحجب الفرج عن الأمة، إطلاق البصر يحجبك عن الله عز وجل، أكل المال الحرام يحجبك عن الله، الدياثة التى يراد نشرها تبعدك عن الشرف وتطيح بك بعيدا عن الطاعة، ونتعلم من الإسراء أن للمحن والمصائب حكما جليلة، مع أن هناك شدة لا تطاق، مع أن هناك ضغطا لا يحتمل، لكن المستقبل لهذا الدين لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقظنا، أراد أن يحركنا، أراد أن يدفعنا إلى بابه، بعد أن أظهر العدو على حقيقته، وقد يكون أعظم إنجاز للإسلام أن الطرف الآخر تعرى تماما، وأن العدو اللدود للإسلام فقَد مصداقيته، فقد قيمه الحضارية التي يدعيها، فقَد مكانته الإنسانية، وهذا أكبر إنجاز، والدليل أن الطريق إلى الله لن يكون سالكا إلا إذا كفرت بعبدة الطاغوت ” فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى” وإن من دلالات الإسراء والمعراج أنه مسح لجراح الماضي، وتطمين للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على سلامة هذه الدعوة، وإكرام له، وإيناس له، وقد جفاه أهل الأرض، ولأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يشرع لنا لا بأقواله فقط.
ولكن بمواقفه وأفعاله، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة وما لي طعام إلا ما واراه إبط بلال” رواه الترمذي، ولقد امتُحن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ونجح في الامتحان، فامتحن في الطائف، فكان الرد الإلهي هو الإسراء والمعراج، وكان الرد التكريمى هو ما جاء فى سورة ص ” إنا وجدناه صابرا” وعن أبي الدرداء رضى الله عنه عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه” رواه أحمد والطبراني، وإن الإسراء يعلمنا أن لذة الحياة في وجود رسالة وهدف، فالحياة ليست طعاما وشرابا، تلك حياة البهائم التي ينتهجها الذين كفروا، ولكن الله تعالى يقول فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة محمد ” والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” فالحياة رسالة تؤديها، الحياة مبدأ تتمسك به، الحياة دعوة تدعو إليها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة فصلت ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين” فالإنسان حينما يتخلى عن مبادئه وعن قيمه، ويسعى لتلبية شهواته الحيوانية، إنسان لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا، إنسان له صغار عند الله، فقل لي ما الذي يهمك، أقل لك من أنت، ماذا يهمك؟ أن تأكل، وأن تشرب، أم أن تربي أولادك؟ أم أن تدعو إلى الله؟ أم أن تكون قدوة لمن حولك؟ أن تبث هذا الدين العظيم.
وأن توضح كتاب الله الكريم، أن تبين سنة سيد المرسلين، ما الذي يقلقك؟ قيمتك عند الله بقدر همومك وهمتك في الحياة، فإن صاحب الإسراء صلى الله عليه وسلم، مشى على قدميه إلى الطائف ليبلغ دعوة الله تعالى، فيلقى التكذيب والاستهزاء، ونيل الأذى، ومع ذلك يقول “إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالى” صلى الله عليه وسلم، فلقد أكرم الله تعالى هذه الدعوة الإسلامية المباركة، وتلك الأمة العظيمة بخير نبي صلى الله عليه وسلم، وبخير كتاب وبخير دعوة، أكرم الله أمتنا بدولة وفكرة وصحبة عظيمة، وما قامت الدولة، ولا رسخت الفكرة، ولا عظمت الصحبة، إلا بعد تنقية وغربلة لصف المؤمنين، ولقد تنوعت مراحل التنقية في تاريخ الأمة ودعوتها، ومن بين مراحل التنقية والتصفية رحلة بل رحلتان عظيمتان امتن الله تعالى بهما على خير أنبيائه ومرسليه، وشرفه ربه بأفضل مقام، وأعلى منزلة، إنها رحلة الإسراء ورحلة المعراج، التي أعلن الله تعالى فيها قيمة نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلن كذلك قيمة هذه الأمة وعظمتها آمن بذلك من آمن، وكفر من كفر، وها هو الداعية الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، يدعو قومه إلى الله تعالى، سنوات مأساوية، مليئة بالعواصف العاتية من التعذيب والإيذاء، والبغضاء والافتراء، ثم كان العام العاشر من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب الذي كان ينافح عنه ويدفع عنه أذى قريش، وبعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام أو شهرين يفجع النبي صلى الله عليه وسلم بموت رفيقة دربه.
السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي من في مؤازرتها له وقوفها إلى جانبه في أشد المواقف على مدى خمسة وعشرين عاما، ويتلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مكة فلا يجد من ينصره ليبلغ رسالة ربه، فيخرج إلى الطائف، ويعرض دعوته على ثقيف، فيردون عليه بأقبح رد، وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه، وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان، وينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف محزونا مهموما، فيمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك، ثم يعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلم يستطع دخولها إلا تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشرك، وفي ظل هذه الأجواء الكالحة، والظروف الحرجة، وبعد مضي ثنتي عشرة سنة من البعثة، يشاء الله، اللطيف بعباده أن يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبته على الحق، فيمن عليه برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب، إنها رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم.
من مكة إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ورأى ما رأى من آيات الله تعالى ومشاهد القدرة والقوة، فقد أحرج الله تعالى بها قلوب الجاحدين، وأقر الله بها أعين المؤمنين الصادقين، وصفى الله بها أفئدة المنتسبين إلى الدين، إنها معجزة أعلن فيها كثير من القرارات والقناعات، لهذه الأمة ولنبيها الكريم، إنها معجزة تأتي بعد محن وشدائد يمر بها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد وفاة عمه وزوجه، ومقاطعة اقتصادية واجتماعية في شعب أبي طالب، وبعد اعتداء أهل الطائف عليه، ورفض دعوته صلى الله عليه وسلم، وهكذا بدأت ملامح هذه الرحلة، وأسبابها معروفة ومعلومة، فهموم وأحزان لحقت بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو من هو؟ وحصار وإيذاء وموت للسند الداخلي والخارجى وإعلان القيمة والقدر النبوي عند رب البرية، ثم إعلان قيمة هذه الأمة الخيرية، فهديتها في السماء، ومعراجها العرش، وإظهار هوية بيت المقدس ونسبته إلى المسلمين في كل مكان، وإظهار إعجاز العقول البشرية عن الإدراك لرحلة، فكيف بإدراك الرب العلي؟ ولقد كان لهذه الرحلة عبرة حقيقية في إثبات قدر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعلو قيمته فها هو ربه عز وجل، يبعث إليه جبريل وملك الجبال بعد اعتداء أهل الطائف عليه، ويدعوه لمقابلته، ويريه آيات من آياته، يأمر بغسل قلبه، وجعله إماما للأنبياء في الصلاة، وفتح له أبواب السماء، ويرفع قدره على كل الأنبياء؛ ليعلنها مدوية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الناس وأعلاهم قيمة ومكانة.
فما وصل إلى ما وصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أحد، لا نبي ولا ملك، وفي ذلك درس آخر في أن الله عز وجل، لا يخذل أولياءه وأحبابه ولا يفضحهم بل يؤديهم وينصرهم على من عاداهم وإن طالت الفترة، وهكذا ترينا الرحلة آيات الله تعالى في أوليائه فلا يخلهم، ولا يضيعهم، يفتح أبواب سمائه لنبيه ووليه محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رفضه كثير من أهل الأرض، بعد أن تقطعت به الأسباب، وكأنه يقول له يا محمد، لا تحزن، فربك يفتح لك أبواب سمائه، فإن كان أهل الأرض قد لفظوا دعوتك، فهنيئا لك المسرى والمعراج فأهل السماء يرحبون بك وينتظرونك، ولم يخذله وقت أن عاد إلى قومه يبلغهم بما حدث، فاستهزؤوا به وكذبوه، وظهر خبث أبي جهل عندما دعاه ليخبر القوم بما رأى وشاهد، لا ليؤمنوا، بل ليستهزئ به ومن معه، وقد يتعجب البعض من شدة الابتلاء في يوم من الأيام، ويتساءل لماذا يحدث كل هذا البلاء بالمسلمين؟ أليس الله بقادر؟ هل من نصر لعباد الله المصلحين؟ وتكثر التساؤلات، لكن يأتي الرد فمع البلاء وشدته، يتم غربلة الصف، ويتم فضح المنافقين، فلا يثبت إلا أهل الإيمان الحقيقي الذين يثبتون في وجه الشدائد، فلا تقام الدول، ولا تبنى الأمم إلا على أكتاف الثابتين الصادقين في إيمانهم ويقينهم بربهم فالأيدي المرتعشة، والقلوب المهزوزة لا تقوى على البناء، كما أن الله تعالى قادر على أن ينصر أهل الإيمان، لكن له في ذلك حكم، فلما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحكى للناس في مكة، ثبت من ثبت، واهتز إيمان من اهتز، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه.
لأن الهجرة قادمة، ومعارك طاحنة ستأتي فلن يثبت لها إلا الصادقون في الإيمان واليقين وتلك حكمة الله من البلاء، ودورنا أن ندعو الله تعالى أن يثبتنا بقولنا “يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك” رواه الترمذى، وإن سنة الله تعالى في الحياة الابتلاء، وقد سبق بيان الحكمة في وجود الابتلاءات، إلا أن المؤمن الصادق، يريى من وراء الشدة فرجا، ومع العسر يسرا، ومن باطن المحنة تولد المنحة، اشتدت برسول الله صلى الله عليه وسلم، الشدائد، لكنه لم ييأس، ولم ينس أن له ربا قادرا يقدر المقادير، ويأذن بفرجه في الوقت الذي يريد في الوقت الذي نريد، ولقد كانت الإسراء والمعراج منحة في ثنايا المحنة، بعد آلام الاضطهاد والتعذيب والحصار، يأتي الفرج بنداء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لرؤية مظاهر قدرة الله تعالى، وكانت بمثابة تربية ربانية رفيعة المستوى لنبينا صلى الله عليه وسلم، وحتى يعود الأمل إلى القلوب من جديد علينا بالإيمان اليقيني بقدرة الله، وانتظار فرجه فانتظار الفرج عبادة، والدعاء واللجوء إليه واليقين بالاستجابة، والهروع إلى الصلاة والسكن إلى المولى، والتركيز على الإيجابيات لا السلبيات من المحنن وصحبة أهل الأمل والتفاؤل لا أهل اليأس والتشاؤم، والقراءة في سير التاريخ، والنظر في نهاية الابتلاءات، وسيظل المسجد الأقصى بحول الله وقوته هو الشوكة التي تقف في حلوق الظالمين والمغتصبين، وسيظل علامة بارزة على قيادة هذه الأمة لكل الأمم، وأنه حق للمسلمين لا يشترى ولا يباع، ولا يتم المساومة عليه.