الخوف
قصة قصيرة…. بقلم مصطفي حسن محمد سليم
الخوف ذلك الشيء الذي يجعل قلبك ينبض بقوة حتي تستطيع أن تسمع دقاته بوضوح وهو يجعل كل حواسك منتبهة بشكل يخيفك أنت، عندما تري شيء غير معتاد علي وجوده، وتستطيع التغلب علي ذلك الخوف لعدة لحظات، ولكن يصعب عليك ذلك إذا تملك ذلك الخوف من كل حواسك…..
شعر مرزوق بالإهانة الشديدة لرفضه مرتين، وطرده بذلك الشكل المهين الذي حدث له منذ قليل وهو يضع المفتاح في باب شقته، وهو يسرع بالتوجه إلي غرفة صغيرة بجانب الباب قد خصصها لذلك الغرض، وهو يجلس علي الأرض ويقوم بإشعال المنقد الذي أمامه وهو يضع بداخله بعض الفحم ليشعله في سرعة، ويضع عليه بعض البخور ذات الرائحة النفاذة وهو يتمتم ببعض التعويذات في خفوت، وسرعان ماغطي الدخان المنبعث من البخور أرجاء الغرفة كلها، وبدأت ترسم خيالات علي عدة أشكال غريبة أمامه، وبدأت دماء سوداء ذات رائحة كريهة تسيل من الجدران، وسمع مرزوق أصوات صرخات شقت صمت المكان وكأنها تنبعث من قلب الجحيم، وتملك الغضب الأسود من مرزوق وهو يزيد من حدة النيران والبخور بداخل المنقد، حتي بدأت تلك الأشباح التي كانت تتراقص أمام عينيه تختفي عن ناظريه، وبدأت النيران تخفت حتي أستعاد المكان هدوئه المعتاد، وأرتسمت علي وجه مرزوق أبتسامة الظفر وهو يغلق باب الغرفة خلفه ويتجه لغرفته لتغيير ملابسه والأستعداد للنوم بعد أن وصل لغايته المنشودة….
وقف الدكتور حسين يتابع التشنجات الرهيبة التي تعتري وجه مني وهي تتلوي علي سرير غرفتها في المستشفي بعنف تحاول فك قيودها التي أحكمت بشدة حول معصمها وقدميها بدون فائدة، وقد تبدلت ملامحها بشكل مخيف، وبدأ يصدر منها أصوات غير مفهومة، في حين أقتحم الغرفة رجل تجاوز العقد الخامس من عمره ببضع سنوات وهو يراقب مايحدث أمامه في ذهول شديد ،وأقترب من الدكتور حسين وهو يقول له في عنف أرجوك يادكتور أفعل من أجلها أي شيء، لقد ساءت حالتها بشكل فظيع منذ أن تم حجزها في المستشفي، لقد مر علي وجودها هنا أكثر من شهر ولم تتحسن حالتها حتي الآن، بل قد أصابها الهزال بشكل واضح، وتغيرت ملامحها حتي أضافت علي عمرها عمر آخر، ربت الدكتور حسين علي كتفه في هدوء وهو يقول له تماسك يارجل لقد صادفتني حالات كثيرة لمرضي نفسيين ولكن حالة أبنتك تختلف كثيراً عن أي حالة أخري، هي لاتستجيب لأي علاج علي الاطلاق، وتشعر وأنت تتحدث معها أن حواسها كلها معطلة، أو عطلت بشكل متعمد، ودائما تنظر إلي الفراغ ويرتسم علي ملامحها الخوف وكأنها تشاهد شياطين الأرض تتراقص أمامها، هل تجد أنت تفسير لكل مايحدث لها، تنفس الرجل الصعداء وهو يقول له أعتقد أن كل ذلك قد حدث لها بعد أن تقدم لها ذلك الشاب لها وتم رفضه مني ، ولقد حاول العودة مرة أخري لتكرار نفس الطلب ولكنني طردته شر طردة، لقد بدأت تلك الأعراض تظهر عليها بعدها بعدة أيام، ولقد أصابني الشك كثيراً في أنه وراء كل ذلك وربم.. قاطعه الدكتور حسين في غضب قائلا أنا لا أومن بالسحر يارجل، هل تقصد انه قد سحرها، فقال له الرجل في أنفعال واضح السحر مذكور في القرآن يادكتور وهناك الكثير من البشر يستخدمونه لأذية الغير، وهناك حالات كثيرة علي مدي التاريخ مذكور فيها حوادث مثل ذلك أصابت الكثير من البشر بويلات ذلك السحر، فقال له الدكتور حسين في توتر أنا لا اقصد المعني الذي وصل إليك كل ما أقصده صعوبة أن يفعل السحر في إنسان مثلما فعل بأبنتك الوحيدة وإذا كان كلامك صحيح يجب أن أشاهد ذلك الرجل في أسرع وقت، هل لديك عنوانه؟ أخرج الرجل قصاصة ورق بيد مرتعشة من جيب محفظته وهو يناولها للدكتور قائلا له هذا عنوانه الذي تركه لنا في المرة الأولي للسؤال عليه، فقال له الدكتور حسين وهل قمت بالسؤال عليه فعلاً ؟ فقال له الرجل لا ولماذا أقوم بالسؤال عليه ونحن له رافضين، فسأله الدكتور حسين وماهو سبب الرفض ياسيد فتحي؟ فقال له فتحي سبب الرفض هو أحساسي يادكتور حسين، هناك بعض الأشخاص عندما تقابلهم لأول مرة تشعر بعدم الراحة النفسية لرؤيتهم يتغلب عليك بكل قوة، وذلك الشعور أنتاب أسرتي كلها عندما قابلنا ذلك الرجل لأول مرة في منزلنا، ولاأعرف له سبب مباشر حتي الآن، ربما أنها إرادة الله لها شأن كبير في ذلك، فقال له الدكتور حسين بعد أن هدأت النوبة التي أنتابت مني لعدة دقائق وهو يقول له كما قلت لك سابقاً ياسيد فتحي أنا أحتاج لرؤية ذلك الشاب ربما أجد تفسير لديه عن الحالة الغريبة التي أصابت أبنتك مني، أرجو منك أن تسرع بأحضاره إلي هنا في أقرب فرصة….
تطلع فتحي إلي قصاصة الورق التي في يديه وإلي اللوح المعدنية الموضوعة علي أول الحارة وهو يطابقها بالعنوان المكتوب في الورقة، وعندما تأكد من العنوان أسرع الخطي داخل الحارة وهو يجول ببصره في أرقام البيوت داخل الحارة ولكن بدون فائدة، واسترعي أنتباهه ركام عقار متهدم في مدخل الحارة وجال في خاطره أنه ربما يكون هو ذلك العقار المنشود، والذي يستطيع أن يفصل في ذلك هو أحد سكان الحارة، وأخذ يبحث ببصره عن أحد المارة ليسأله عن ذلك العقار، وسمع صوت من خلفه لرجل يقول له أي خدمة ياأستاذ، التفت فتحي خلفه في سرعة وهو يتفحص وجه الرجل بدقة وهو يقول له نعم، أنا أبحث عن العقار رقم 13، فقال له الرجل محسوبك عطوة عامل في القهوة التي أمامك، لقد لاحظتك منذ قدومك إلي الحارة وأنت تبحث عن شيء ما، وتركت سؤالك لنهاية بحثك، وقد شعرت أن الحيرة قد أصابتك لذلك قررت سؤالك نعم أن العقار الذي تبحث عنه هو العقار المتهدم أمامك الآن ، لقد سقط العقار في توابع الزلازل الماضي في الفجر و… قاطعه فتحي قائلا والسكان هل أصاب أحد مكروه؟ فقال له عطوة العلم عند الله عموماً هو لم يكن ساكن فيه غير أثنان فقط الأستاذ مختار، والشيخ مرزوق، وبالنسبة للأستاذ مختار لقد غادره قبل سقوطه بيوم لسفره إلي بلدته، وأما بالنسبة للشيخ مرزوق لاأحد يعلم إذا كان مازال تحت الأنقاض أو غادر المنزل قبلها، فقال له فتحي وهل مرزوق هذا شيخ، فقال له عطوة صدقني ياأستاذ أنا عن نفسي أتمني أن يكون مرزوق هذا قد رحل عن عالمنا للأبد، لقد أصابت أذيته ناس كثيرة بالسحر الذي يمارسه منذ زمن، لقد كان يخشاه الجميع ويتجنب الحديث معه في أي موضوع، ولكن حضرتك كنت بتسأل علي مين من سكان العقار مختار، أو مرزوق؟ فقال له فتحي وهو يسرع بخطواته بالابتعاد عنه، كنت أبحث عن شخص آخر يسكن في ذلك العقار….
طرق فتحي باب غرفة الدكتور حسين وفتح الباب بهدوء عندما سمح له الدكتور حسين بالدخول، وتنفس الصعداء وهو يطالع وجه الدكتور حسين وشعر أن قدميه لاتستطيع تحمله وهو يسقط بجسده علي أقرب مقعد وجده أمامه، وهو يقول للدكتور حسين لقد كانت نظريتي صحيحة يادكتور حسين عن ذلك الشخص مرزوق هذا فقد كان يقوم بأعمال السحر وأذية الغير، فسأله الدكتور حسين ولماذا لم تحضره معك لقد كنت أريد مقابلته، فقال له فتحي لأنه ربما يكون قد غادر عالمنا للأبد، فقال له الدكتور حسين وكيف حدث ذلك، فقال فتحي لأن العقار الذي يقطن فيه قد تهدم بسبب توابع الزلازل ولاأحد يعلم عنه شيء حتي الآن، صدقني يادكتور هذا الرجل قد مارس اشد أنواع السحر علي أبنتي الوحيدة، وأنا لا أستطيع أن أفعل لها شيء حتي الآن، وإذا كان الطب قد عجز عن تقديم الحلول لها، فماذا أستطيع أن أفعل لها، فقال له الدكتور حسين أعتقد أنه مازالت هناك حلول أخري نستطيع أن نجدها من أجلها، أوعدك بذلك لاتيأس من رحمة الله، طرقت الممرضة باب غرفة الدكتور حسين بعنف وهي تقول له لقد عادت النوبة مني ثانية، فأسرع الدكتور حسين إلي غرفتها وهو يمسك بذراعيها ليعطيها حقنة مهدئة، وهو يلتفت خلفه إلي والدها قائلا له صدقني يارجل سنجد حل قريب لحالة أبنتك هذه، وإلا سنعترف بهزيمة العلم أمام الجهل الذي يمارسه هؤلاء الدجالون بقوة جهلهم.
