نبى الله ذو الكفل ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن أنبياء ورسل الله الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام، ومع أنبياء بنى إسرائيل ولكن من هو آخر أنبياء بني إسرائيل؟ إنه نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام فهو آخر أنبياء بني إسرائيل، وقد بعثه الله تعالى إليهم، وأنزل عليه الإنجيل غير أن قومه كذبوه وكفروا برسالته، رغما عن تأييد الله تعالى له بالكثير والعديد من المعجزات لتكون دلالة واضحة وبيّنة على نبوته، ومن المعجزات التي أيد الله جل شأنه بها نبيه عيسى عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذنه تعالى كما كان عيسى عليه السلام يُخبر الناس عما كانوا يدخرونه في بيوتهم من الأطعمة والمتاع التي لا يطلع عليها أحد، ويؤمن المسلمون برسالة نبي الله تعالى عيسى، ودل على هذا كتاب الله تعالى القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه سيد الخلق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ورغما عن تحريف المسيحيين لكتابه التوارة غير أن المسلمون يعرفون المباديء الأساسية التي وردت بكتاب التوراة على النهج الصحيح، وهذا من القرآن الكريم ويؤمن المسلمون بكافة الأنبياء والرسل إيمانا إجماليا ويعلمون جيدا أن الله تعالى أرسلهم إلى الناس ليرشدونهم ويخرجونهم من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان، ويعتقد المسلمون في روح الله عيسى ابن مريم، وإن أمه عذراء نقية شريفة بعيدة كل البعد عن الرذيلة، وأن عيسى ابن مريم هو من روح الله تعالى وهو كلمته، وقد أتى نبي الله عيسى ابن مريم مبشرا بنبنا ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد أرسل الله تعالى نبيه عيسى بن مريم إلى بني إسرائيل بالتوحيد، وأن نبي الله عيسى عليه السلام ليس إله، وهو نبي مرسل، ومكلف من الله تعالى بتبيلغ الرسالة التي أصلها في كافة الديانات توحيد الله تعالى وحده الذي لا شريك له، ولقد خلق الله تعالى نبيه عيسى بن مريم من دون أب وأمه البتول السيدة مريم العذراء وبعد أن حملت بعيسى في أحشائها اتهمها قومها بالزنا، ولكن الله تبارك وتعالى برأها على لسان رضيعها الذي لم يكن له قدرة على الكلام، وكانت المعجزة الأولى له هو كلامه في المهد، وأيد الله تعالى نبيه عيسى ابن مريم بالكثير من المعجزات في حياته بعد أن ولد مباشرة، ولكن قومه لم يؤمنو به وكذبوه وكادوا له المكائد، وحاولوا قتله رغما عن تأييد الله تعالى له ولهذا رفعه الله تعالى إليه، وسوف يُرسله من جديد ليُنقذ العالم من كيد بنو إسرائيل الذي لم يتعظوا، واعتادوا على الخيانة لمن آمنهم، وسوف يحكم الله تعالى بين الخلائق بشرع الله تعالى وبالعدل، وأن هناك أنبياء ذكروا فى القرآن الكريم وذكروا أيضا فى الكتب المقدسة، لكن لا نعرف عنهم الكثير، ربما يكون ذكرت لهم مواقف تدل على مدى عظمتهم وتقربهم من الله لكنها تبقى بسيطة، فإن هوية هؤلاء الأنبياء المكرمين فى النصوص الدينية لا تزال لغزا وسرا، وأمرا محيرا للعديد من العلماء والباحثين والمؤرخين، ومن هؤلاء نبى الله ذو الكفل المذكور فى القرآن الكريم، وأما عن ذو الكفل فهو نبي على الصحيح في الإسلام، وقيل هو ذو الكفل عليه السلام ابن نبى الله أيوب عليهما السلام.
وإسمه في الأصل بِشر، وقد بعثه الله نبيا بعد أبيه أيوب عليهما السلام، وسماه ذو الكفل لأنه كان قد تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل، ولم يذكر في القرآن الكريم شيء عن دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم لا بالإجمال ولا بالتفصيل، ويعتقد بعض المؤرخين أنه حزقيال في اليهودية ورغم عدم وجود دليل قاطع في هذا الخصوص، وإننا نقرأ في القرآن الكريم عن ذي الكفل، ولكن قل من يعرف حكاية هذا النبي الكريم عليه السلام الذي كرمه الله سبحانه وتعالى بذكر سيرته في كتابه الكريم، فهو نبى من أنبياء بني إسرائيل، وقيل أنه سمي بهذا الاسم لأنه تكفل لنبي الله اليسع في قيام الليل وصوم النهار وألا يغضب في القضاء، وكان يصلي كل يوم مائة صلاة ويقضي بالعدل بين قومه، وقد بدأت قصة ذي الكفل عليه السلام حينما کبر نبي الله أليسع وقال في نفسه “لو أني استخلفت رجلا علی الناس فانظر کيف يحكم ويعدل بين الناس فإن کان عادلا رحيما جعلته خليفة علی الناس من بعدي” فقام وجمع الناس وقال “من يضمن لى أن يفعل ثلاثة أشياء أستخلفه من بعدی، فقال الناس وما هي ؟ فقال نبى الله أليسع عليه السلام” أن يصوم النهار ويقوم الليل ويعدل فلا يغضب فقام رجل بسيط وهو ذو الكفل، فقال أنا، فقال اليسع عليه السلام، أنت تصوم النهار وتقوم الليل، ولا تغضب؟ فقال ذو الكفل نعم، قال فردهم ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الأخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل، فقال أنا، فاستخلفه فسماه الله ذا الكفل، لانه تكفل بأمر فوفی به.
فكان بعد ذلك من الأنبياء الذين أوحى الله تعالى إليهم، وهكذا قال أهل العلم إن ذا الكفل هو ابن نبى الله أيوب عليه السلام واسمه في الأصل بشر، وقد بعثه الله عز وجل بعد أيوب وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون، إلا أن بعض العلماء يرون أنه ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل وقد رجح ابن كثير رحمه الله، نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل كما جاء فى سورة الأنبياء ” وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين، وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين ” والقرآن الكريم بالرغم من ذكر اسم ذي الكفل في عداد الأنبياء، إلا أنه لم يذكر رسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، ويقول بعض العلماء إن ذا الكفل الذي ذكره القرآن هو غير الكفل الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال “كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة، قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك، ثم قال والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه” قد غفر الله للكفل”
وقد وصف ابن كثير هذا الحديث بالغريب، ثم قال “وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وإسناده غريب” هذا ما قاله ابن كثير والصواب أن الحديث رواه الترمذي في جامعه، باللفظ نفسه، وقد عقب الترمذي بعد أن روى الحديث بقوله هذا حديث حسن، وهذا فيما يتعلق بهذا الحديث من جهة السند، أما فيما يتعلق به من جهة المتن، فقد قال ابن كثير، وهكذا وقع في هذه الرواية الكفل، من غير إضافة، فالله أعلم، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث الكفل، ولم يقل ذو الكفل، فلعله رجل آخر، والعجيب أن القرطبي روى الحديث نفسه بلفظ كان ذو الكفل من بني إسرائيل، ولا شك أن هذا وهم من القرطبي إذ لم يرد كذلك لا في راوية الإمام أحمد، ولا في رواية الترمذي، والمعول عليه عند التعارض والاختلاف في روايات الحديث ما جاء في كتب الحديث، لا ما جاء في كتب التفسير حيث إن المفسرين أحيانا يتساهلون في نقل الحديث، ولا يهتمون بضبط لفظه كما هو شأن المحدثين، ومهما يكن، فالذي ينبغي اعتقاده في حق الأنبياء عصمتهم من الوقوع في الذنوب والخطايا إذ لا يكون منهم ذلك، وهذا ما يدفع أن تكون هذه الرواية واردة في حق النبي ذي الكفل عليه السلام، بل الراجح ما ذكره ابن كثير من كون المراد رجلا آخر اسمه الكفل، كما هو نص الرواية، وليس ذا الكفل، كما جاء في رواية القرطبي، والذي ينبغي الوقوف عنده، والتعويل عليه في هذا الشأن، هو خبر القرآن الكريم، وقد وصف القرآن ذا الكفل عليه السلام بوصفين، وهو أنه من الصابرين.
والصبر من شيم الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصالحين، وأنه من الأخيار، أي من المختارين المجتبين الأخيار، وهو وصف شارك فيه غيره من الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، وقد قال السعدي في تفسير الآيات الكريمة، قال إن هؤلاء الأنبياء قد استخلصهم الله تعالى بأحسن الذكر، والثناء عليهم فقد استخلصهم من الخلق وانتقى لهم الأفضل من الأعمال والخصال الحميدة، والخُلق، والطباع الحسنة، وقد روي عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد، أن نبى الله ذا الكفل لما كبر في العمر، خرج على قومه وقال لهم إنه يرغب في أن يستخلفه رجلا على بني قومه، فيعمل عليهم قبل موته حتى يدري ما سوف يفعله بهم، وأما من يقول إن ذا الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل فيروي أنه كان في عهد نبي الله اليسع عليه السلام، وقد روي أنه لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال من يتقبل لي بثلاث استخلفه يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، فقام رجل تزدريه العين، فقال أنا، فقال أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال نعم، لكن اليسع عليه السلام ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا، وفي اليوم التالي خرج اليسع عليه السلام على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا، فاستخلف اليسع ذلك الرجل، وقد تكرر اسم ذي الكفل في القرآن الكريم مرتين، الأولى كما جاء فى سورة الأنبياء في قوله سبحانه ” وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين”
والثانية كما جاء فى سورة ص في قوله تعالى ” واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار” ولم يأت ذكر لذي الكفل في غير هذين الموضعين من القرآن الكريم، والذي عليه أكثر المفسرين أن ذا الكفل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين، وقال الرازي والأكثرون أنه من الأنبياء عليهم السلام، وقال ابن كثير وأما ذو الكفل فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي، وقال الآلوسي، وظاهر نظم ذي الكفل في سلك الأنبياء عليهم السلام أنه منهم، وهو الذي ذهب إليه الأكثر، وقال ابن عاشور، وأما ذو الكفل فهو نبي، ولكن قد اختلف في تعيينه، فقيل هو إلياس المسمى في كتب اليهود إيليا، وقيل هو خليفة اليسع في نبوة بني إسرائيل، والظاهر أنه عُوبديا الذي له كتاب من كتب أنبياء اليهود، وهو الكتاب الرابع من الكتب الاثني عشر، وتعرف بكتب الأنبياء الصغار، وذهب آخرون إلى أن ذا الكفل ليس بنبي، بل كان رجلا صالحا، وقد روي عن مجاهد في قوله سبحانه “وذا الكفل” قال هو رجل صالح غير نبي، وتكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقيمهم له، ويقضي بينهم بالعدل، ففعل ذلك، فسمي ذا الكفل، ونقل القرطبي في هذا الصدد أن الذي عليه الجمهور أنه ليس بنبي، وهذا يخالف ما نُقل عن أكثر المفسرين، وقد توقف شيخ المفسرين الطبري في هذا الأمر، فلم يقطع بنبوة ذي الكفل، ولم يقطع بكونه غير نبي، وقد استدل الرازي على كون ذي الكفل نبيا بأدلة ثلاثة، وهي أن ذا الكفل يحتمل أن يكون لقبا، وأن يكون اسما، والأقرب أن يكون مفيدا، لأن الاسم إذا أمكن حمله على ما يفيد، فهو أولى من اللقب.
نبى الله ذو الكفل ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله ذو الكفل عليه السلام، وقد توقف شيخ المفسرين الطبري في هذا الأمر، فلم يقطع بنبوة ذي الكفل، ولم يقطع بكونه غير نبي، وقد استدل الرازي على كون ذي الكفل نبيا بأدلة ثلاثة، وهي أن ذا الكفل يحتمل أن يكون لقبا، وأن يكون اسما، والأقرب أن يكون مفيدا، لأن الاسم إذا أمكن حمله على ما يفيد، فهو أولى من اللقب إذا ثبت هذا، فيقال الكفل، وهو النصيب، حيث قال الله تعالى كما جاء فى سورة الحديد ” يؤتكم كفلين من رحمته” والظاهر أن الله تعالى إنما سماه بذلك على سبيل التعظيم، فوجب أن يكون ذلك الكفل، هو كفل الثواب، فهو إنما سمي بذلك، لأن عمله وثواب عمله، كان ضعف عمل غيره، وضعف ثواب غيره، ولقد كان في زمنه أنبياء، ومن ليس بنبي لا يكون أفضل من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قرن ذكره بذكر إسماعيل وإدريس، والغرض هو ذكر الفضلاء من عباده ليتأسى بهم، وذلك يدل على نبوته، وأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء، فكل من ذكره الله تعالى فيها فهو نبي، ولم يتعرض القرآن الكريم لقصة هذا النبي الكريم من قريب أو بعيد، بل غاية ما فعل أن ذكره ضمن عدد من الأنبياء، وصفهم بالصابرين والأخيار، ومن قصة ذي الكفل فيما ورد عن بعض الروايات، أن إبليس جعل يقول للشياطين عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النومة فدق الباب، فقال ذو الكفل من هذا؟
قال شيخ كبير مظلوم، فقام ذو الكفل ففتح الباب، فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطول في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة، فقال ذو الكفل إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك، فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام، لكن الشيخ لم يحضر للمجلس، وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ، وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا، ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له فقال ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني، فقال ذو الكفل انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني، ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم، فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه، فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل، فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال أعدُوّ الله؟ قال نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك.
ويعتقد العديد من الباحثين والمؤرخين أن ذو الكفل هو نفسه حزقيال لدى اليهود ويعد حزقيال نبيا لدى اليهود أيضا وقد ورد ذكره في سفر نبوة حزقيال في العهد القديم ووفقا لبعض روايات اليهود أنه قد قدم للعراق خلال السبي البابلي ويرى بعض العلماء أنه رجل من الصالحين وقد رجح ابن كثير نبوته لأن الله عز وجل قرنه مع الأنبياء كما في سورة الأنبياء، وكما ذكر أنه بعث لأهل دمشق، وقال أهل التاريخ ذو الكفل هو ابن أيوب ونسبه هو نسب أيوب واسمه في الأصل حزقيل وقد بعثه الله بعد أيوب إلى أهل دمشق وما حولها وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفى بها، وقيل أنه كان ذو الكفل يصلي كل يوم مائة صلاة، وقيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل وقال ابن كثير فالظاهر من ذكره في القرآن بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه السلام وهذا هو المشهور، وإن القرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، وبحسب موسوعة “المسالك” الثقافية، اختلف في اسمه فقيل بشر ابن أيوب عليه السلام وقد بعثه الله تعالى نبيا بعد أبيه وسماه ذا الكفل وأمره سبحانه بالدعاء إلى توحيده، وكان مقيما بالشام عمره ومات وهو ابن خمس وسبعين سنة وأوصى إلى ابنه عبدان وأخرج ذلك الحاكم عن وهب، وقيل هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران عليهم السلام.
وصنيع بعضهم يشعر باختياره، وقيل يوشع بن نون، وقيل اسمه ذو الكفل، وقيل هو نبى الله زكريا وقد حكى كل ذلك الكرماني في العجائب، وقيل هو اليسع بن أخطوب بن العجوز، وزعمت اليهود أنه حزقيال وجاءته النبوة وهو في وسط سبي بختنصر على نهر خوبار، وكذلك يعتقد العديد من الباحثين والمؤرخين أن ذو الكفل هو نفسه لدى اليهود ويعد حزقيال نبيا لدى اليهود أيضا وقد ورد ذكره في سفر نبوة حزقيال في العهد القديم ووفقا لبعض روايات اليهود أنه قد قدم للعراق خلال السبي البابلي، ويرى بعض العلماء انه رجل من الصالحين وقد رجح ابن كثير نبوته لان الله عز وجل قرنه مع الأنبياء كما في سورة اللأنبياء، ويذكر أن له قبرا كان يزوره اليهود والمسلمون في المنطقة حيث يعتقد اليهود أن هذا القبر هو قبر النبي حزقيال وكما ذكر انه بعث لاهل دمشق، وكما أن الكثير من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا النزر اليسير، وقيل أنه يوجد قبر بمدينة دزفول في الجنوب الغربي لإيران يسمونه بقبر حزقيل ويعتقد أهلها أنها لذي الكفل وأنه أبو دانيال النبي عليهما السلام، فوجود قبر دانيال النبي فی مدينة شوش على بعد ثلاثين کيلومترا جنوب دزفول يقوي احتمال صحة هذه الادعاءات، وقيل أن مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يقال له جبل قاسيون، وقيل بل في بلدة الكفل في العراق، وقيل أنه في فلسطين في بلدة كفل حارس، ويعتقد أن ذو الكفل عاش خمسه وسبعون عاما وأنه دُفن في العراق.
ولكن قيل أن القبر المنسوب إلى ذي الكفل ببلاد العراق بحسب عدد من المصادر، فهذا لا يعلم له أصل صحيح، ولا ذكر أحد من أهل العلم له أصلا، ولا سندا وإنما ذلك كله من عمل الجهلة الذين يفتنون بأصحاب القبور، ويتوسلون بهم إلى ربهم، وربما عبدوهم من دون الله، فيسألونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم، ويعرف النبي بأنه من بعثَه الله إلى قوم كانوا قد آمنوا بشريعة جاء بها رسول قَبله، فيوحى له أن يبلغ شريعة من جاء قبله، فلا يأتي بكتاب سماوى جديد، ولا بشريعة جديدة، بل يأتي لإقرار أحكام شريعة من قَبله، وتأكيدها، فيصحح ما اختل منها، بِأن يدعوهم لإبطال البدع فيها، وبيان الأخطاء التي انتشرت بينهم، وتصحيحها، وتذكيرهم بالأحكام التي نسوا تطبيقها، والحكم بينهم فيما أمر الله تعالى، وعليه فالأنبياء عليهم السلام، يوحى لهم من الله تعالى، فيما يفعلونه ويأمرون الناس به، لكنهم لا يبعثون في أقوام لم تأتيهم رسالة سابقة، ولكن فى أقوام بلغتهم رسالة الله تعالى، وآمنوا بها، وقال الثعلبي في كتاب العرائس وقال بعضهم ذو الكفل بشر بن أيوب الصابر، بعثه اٌلله بعد أبيه رسولا إلى أرض الروم، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، ثم إن الله تعالى أمره وأمرهم بالجهاد فكاعوا أى فكفوا عن ذلك وضعفوا، وقالوا يا بشر إنا قوم نحب الحياة ونكره الموت، ومع ذلك نكره أن نعصي الله ورسوله، فإن سألت الله تعالى أن يطيل أعمارنا ولا يميتنا إلا إذا شئنا لنعبده ونجاهد أعداءه، فقال لهم بشر بن أيوب لقد سألتموني عظيما وكلفتموني شططا، ثم إنه قام وصلى ودعا الله عز وجل.
فقال” إلهي أمرتني أن نجاهد أعداءك وأنت تعلم أني لا أملك إلا نفسي، وإن قومي قد سألوني ما أنت أعلم به مني، فلا تؤاخذنى بجريرة غيري، فإني أعوذ برضاك مِن سخطك، وبعفوك من عقوبتك قال وأوحى الله تعالى إليه يا بشر إني سمعت مقالة قومك، وإني قد أعطيتهم ما سألوني، فطولت أعمارهم فلا يموتون إلا إذا شاؤوا، فكن كفيلا لهم مني بذلك، فبلغهم بشر رسالة الله فسمي ذا الكفل، ثم إنهم توالدوا وكثروا ونموا حتى ضاقت بهم بلادهم، وتنغصت عليهم معيشتهم، وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشرا أن يدعو الله تعالى أن يردهم إلى آجالهم، فأوحى الله تعالى إلى بشر أما علم قومك إن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم؟ ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم، قال فلذلِك كثرت الروم حتى يقال إن الدنيا خمسة أسداسها الروم، وسموا روما لأنهم نسبوا إلى جدهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، قال وهب وكان بشر بن أيوب مقيما بالشام عمره حتى مات، وكان عمره خمسا وتسعين سنة، ولكن قيل أن نهاية الخبر لا يلائم ما تقدم مما أعطاهم الله من طول العمر حتى ضاقت عليهم الأرض من كثرة الأولاد، وقال السيد بن طاوس في سعد السعود، قيل إنه تكفل لله تعالى عز وجل أن لا يغضبه قومه فسمي ذا الكفل، وقيل تكفل لنبي من الأنبياء أن لا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر فسمي ذا الكفل لوفائه لنبي زمانه أنه لا يغضب.
وروى المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال “إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل، آتاه الله الملك والنبوة، ثم أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل حتى يصبح، ويصوم بالنهار فلا يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب، فادفع ملكك إليه، فقام ذلك النبي في بني إسرائيل وأخبرهم بذلك، فقام شاب، وقال أنا أتكفل لك بهذا فقال في القوم من هو أكبر منك فاقعد، ثم صاح الثانية والثالثة، فقام الرجل، وقال أتكفل لك بهذه الثلاث، فدفع إليه ملكه، ووفى بما ضمن فحسده إبليس، فأتاه وقت القيلولة، فقال إن لي غريما قد مطلني حقي، وقد دعوته إليك فأبى، فأرسل معي من يأتيك به، فأرسل معه، وقعد حتى فاتته القيلولة، ودعا إلى صلاته، وصلى ليله إلى الصباح، ثم أتاه من الغد عند القيلولة، فقال إن الرجل الذي استأذنتك له في موضع كذا، فلا تبرح حتى آتيك به، فذهب وبقي منتظرا حتى فاتته القيلولة، ثم أتاه، فقال له هرب مني، فمضى ذو الكفل إلى صلاته، فصلى ليلته حتى أصبح، فأتاه إبليس وعرفه نفسه، وقال له حسدتك على عصمة الله إياك، فأردت أن أخرجك حتى لا تفي بما تكفلت به، فشكره الله تعالى على ذلك ونبأه، فسمي ذا الكفل” وروي نحو هذا الخبر عن مجاهد، وقد روى خبر ابن عباس رضي الله عنهما ابن كثير، ولم يعقب عليه، وهو ما يدل على قبوله له، وروى القرطبي عن كعب خبرا آخر، ليس ببعيد عما جاء في خبر ابن عباس رضى الله عنهما.
