
الخضر عليه السلام الجزء1،2،3،4،5،6،7 بقلم محمد الدكروري
الخضر عليه السلام ” الجزء الأول ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن أنبياء ورسل الله تعالى الكرام، ومع شخصيه إحتار فيها الكثير من العلماء والمؤرخين إنه الخضر عليه السلام، وهو أحد أبرز شخصيات سورة الكهف وقصته مع النبي موسى بن عمران عليه السلام معروفة، ولكن القرآن الكريم لم يذكر اسم الخضر صراحة في الآيات الكريمة وإنما جاء وصفه بالعبد دون تحديد من يكون هذا العبد، إنما وردت أحاديث ومنها ما هو موجود في صحيح البخاري تؤكد أن هذا العبد هو الخضر عليه السلام، كما اختلف المفسرون في كون الخضر نبي أو ولي أو رجل صالح، فقال الأكثرون بنبوته وذلك بسبب العلم الذي كان عنده عندما التقى بالنبي موسى عليه السلام وحديثه بأن هذا العلم هو من عند الله تعالى وهذا مما لا يُعرف إلا بالوحي، وقيل إن الخضرعليه السلام هو ابن آدم عليه السلام ومن صلبه، وقيل هو بلياء بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وقد سبق بزمانه زمان إبراهيم الخليل عليهم السلام جميعا، وقيل أنه قابيل بن آدم، وقيل أنه بليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن عامر بن أرفخشد، وقيل أنه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد، والقول الخامس هو أنه ابن عمائيل بن النوار بن العيص بن إسحاق، والقول السادس هو أنه من سبط النبي هارون بن عمران أخو النبي موسى عليهما السلام وروى عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه عن ابن عباس رضى الله عنهما، وهو بعيد.
القول السابع أنه ابن بنت فرعون، وقيل ابن فرعون لصلبه، حكاه النقاش، والقول الثامن أنه هو النبي اليسع، وقيل أيضا أنه من ولد فارس، وقيل أنه من ولد بعض من كان آمن بالنبي إبراهيم عليه السلام، وهاجر معه من أرض بابل وقيل كان أبوه فارسيا وأمه رومية، وقيل كان أبوه روميا وأمه فارسية، وقيل أنه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل أنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ في الصور في سورة البقره، وقيل في تسميته بالخضر، أنه جلس على بقعة من الأرض بيضاء، فاهتزت من تحته، وانقلبت خضراء نضرة فسمي الخضر، وقد كان يكنى بأبي العباس وقد صح عن أهل العلم بأن الخضر عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى وقد أورد الله تعالى ذكر جانب من قصته مع نبي الله موسى عليه السلام في القرآن الكريم، وبدأت القصة حين كان نبى الله موسى يعظ ويعلم بني إسرائيل بعض أمور دينهم فسأله رجل من قومه إن كان هناك أحد أعلم منه، فأجابه نبى الله موسى عليه السلام بالنفي، فأوحى الله تعالى له أن هناك من هو أعلم منه، وأخبره الله تعالى أن الخضر موجود عند مجمع البحرين فرغب موسى عليه السلام بلقائه، ورتب الرحلة لذلك، وقد جعل الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام علامةً للقائه بالخضر، وهي ارتداد الحياة للحوت وعودته للبحر، فلما ظهرت العلامة التقى برجل فعرف أنه الخضر، فطلب منه موسى عليه السلام أن يعلمه مما علمه الله تعالى.
وبهذا بدأت قصة رحلة نبى الله موسى والخضر التي ذكرها الله تعالى في سورة الكهف حيث مشيا فركبا في البداية في سفينة فخرقها الخضر فتعجب موسى من ذلك، واستنكر الفعل من الخضر، ثم مرا بغلامٍ فقتله، فذهل موسى واستنكر ذلك أيضا، ثم مرا بقرية بخيلة، وقد نفد معهما الطعام فأبى أهل القرية أن يطعموهما، ثم وجد بعد ذلك الخضر جدارا سينقض في القرية فأصلحه وأقامه، وقد حدث كل ذلك ونبي الله موسى عليه السلام متعجب لا يعلم سر أفعال الخضر، إلا أن يكون الله تعالى قد علمه وأوحى إليه أمرا، ويقول الصحابي الجليل عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه أنه المراد به في الآية ” قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم” غير ذلك قول ابن عباس رضى الله عنهما وهو المشهور قال أن المراد به في الآية هو آصف بن برخيا، ولقد اتفق العلماء على وفاته وإنه ميت، ولكن كثر في العوام أنه حي إلى الآن، وقيل أن هناك دعاء للخضر عليه السلام، وقد أورد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الموضوعات دعاء للخضر عليه السلام وهو “عن الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، أنه قال بينما أنا أطوف بالبيت إذا رجل متعلق بأستار الكعبه وهو يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع، يا من تغلطه المسائل، يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقنى برد عفوك، وحلاوة رحمتك.
قلت يا عبد الله أعد الكلام قال أو سمعته؟ قلت نعم، قال والذى نفس الخضر بيده، وكان الخضر هو، ولا يقولهن عبد دبر الصلوات المكتوبه إلا غفرت ذنوبه، وإن كانت مثل رمل عاجل وعدد المطر، وورق الشجر” ولكن قيل إن كون هذا الأثر موجود في موضوعات ابن الجوزي دليل على ضعفه ووضعه، وهناك أدلة أخرى على ضعف هذا الدعاء المنسوب لسيدنا الخضر عليه السلام، منها أنه ذكر المحدّث ابن حجر العسقلاني رحمه الله هذا الحديث في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري وقال عنه “أخرجه ابن عساكر من وجهين في كل منهما ضعف” عدم وجود دعاء سيدنا الخضر عليه السلام في كتب السنة المشهورة، وما يترتب عليه من هذا الثواب الجزيل لا يُناسب أن تخلو منه كتب الحديث وموسوعاته، فقد كان علماء السنة حريصين على نفع الأمة، ولم يغفلوا أيا من الآثار والأحاديث التي فيها خير وثواب ولم يذكروها في كتبهم، ومن الأدلة التي يستدل بها علماء مصطلح الحديث على كون الحديث موضوعا كونه مشتمل على الثواب الكثير مقابل العمل القليل، وهذا مما ذكره وأِشار إليه الإمام السيوطي رحمه الله في ألفيته في مصطلح الحديث، أدعية أدبار الصلوات تم الحديث عن دعاء سيدنا الخضر عليه السلام والإشارة إلى ضعف هذا الدعاء وبيان الأدلة على ذلك، ومن المُلاحظ أن هذا الدعاء قد ورد في إطار أدعية أدبار الصلوات، إلا أن الأذكار والأدعية الصحيحة المأثورة.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا المجال تغني عن اللجوء إلى الأدعية الضعيفة والموضوعة، وقيل إنه حين توفي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبينما اجتمع الناس في بيته قبيل دفنه، إذا بصوت ينادي ولا يشاهد الحاضرون صاحبه، معزيا الحاضرين ويعظهم، فارتبك الناس، فطمأنهم علي بن أبي طالب وقال إن الصوت الذي يسمعونه هو صوت الخضر، وما سبق هو رواية متداولة في كتب التراث الإسلامي، منها البداية والنهاية لابن كثير، ويؤمن المتصوفة بمغزاها، وهو أن العبد الصالح الذي ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أرسله لنبيه موسى عليه السلام ليعلمه ويعطيه درسا في التواضع، ظل باقيا حتى بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بل حيّا إلى يومنا ولن يموت حتى يوم القيامة، في استثناء لقوانين الموت والحياة، ليظهر للصالحين فيعظهم ويُنقذهم من المهالك، ويباركهم، بل ويبشر البعض منهم بالمُلك، كعمر بن عبد العزيز، ثم يختفي، وإن المصادر تنقل عن المؤمنين بخلود الخضر قصصا وحكاياتٍ لا حصر لها، عن لقاءاته بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة وحشود من المتصوفة، ومن لقاءات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة بالخضر، قد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه “الزهر النضر في حال الخضر” أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خرج في ليلة ومعه الصحابي أنس ابن مالك، وبينما يمشيان سمعا صوت رجل يقول.
“اللهم ارزقني شوق الصالحين إلى ما شوّقتهم إليه” فرد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على صاحب الصوت “لو أضاف أختها إليه؟” فرد الرجل “اللهم تعينني بما ينجيني مما خوّفتني منه” فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “وجبت ورب الكعبة” وطلب من أنس بن مالك الذهاب للرجل ويطلب منه أن يدعو له أى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالعون على تبليغ رسالته وأن تصدّقه أمته، فذهب أنس بن مالك لمكان الصوت فوجد رجلا، وأبلغه بما طلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فسأل الرجل أنس بن مالك عن اسمه، فرفض الرد عليه، فرفض الرجل أن يدعوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد أنس بن مالك رضى الله عنه إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبره، فأمره أن يخبر الرجل عن هويته، ففعل ذلك أنس، وحينها قال له الرجل مرحبا برسول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودعا له، وقال اقرأه مني السلام، وقل له أنا أخوك الخضر، وأنا كنت أحق أن آتيك، وفي رواية أخرى رد الرجل أى الخضر، على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أنس بن مالك وقال إن الله فضلك على الأنبياء مثلما فضل به رمضان على الشهور، وفضل أمتك على الأمم مثل ما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام، ومن حكاياته مع الصحابة أن الخليفة عمر بن الخطاب كان في المسجد ويستعد لإمامة المصلين لصلاة الجنازة على ميت، فإذا برجل ينادي، يطلب منه عدم البدء،
فانتظر عمر بن الخطاب حتى جاء الرجل وانتظم في صفوف الصلاة، فبدأ عمر بن الخطاب، وحينها قال الرجل “إن تعذبه فقد عصاك وإن تغفر له فإنه فقير إلى رحمتك” ولما دُفن الميت قال الرجل مجهول الهوية “طوبى لك يا صاحب القبر وإن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيّا” وهنا طلب عمر بن الخطاب الإتيان بالرجل إليه، ليسأله عن أحواله وكلامه، فاختفى الرجل، ووجد الناس أثر قدمه على الأرض بطول ذراع، فقال عمر بن الخطاب “هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم” وهذا حسبما جاء في كتاب “الجنائز” لابن شاهين، وإن للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، أكثر من قصة مع الخضر، حيث جاء في “المعرفة والتأريخ” للبسوي، أن رياح بن عبيدة قال رأيت رجلا يُماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يده، فلما صلى قلت يا أبا حفص من الرجل الذي كان معك معتمدا عليك آنفا؟ قال أوقد رأيته يا رياح؟ قلت نعم، قال إني لأراك رجلا صالحا ذاك أخي الخضر، بشّرني أني سأولي أمر هذه الأمة وأعدل، وهنا نلاحظ أن عمر بن عبد العزيز فسّر قدرة ابن عبيدة على رؤية الخضر بأنها دليل على تقواه وصلاحه، ونلاحظ أن الرواية لم توضح أن عمر كان مضطربا أو مستغربا، وكأنه اعتاد لقاء الرجل، وهو ما توضحه قصص أخرى، منها ما ذكره أبو بكر الدينوري في “المجالسة وجواهر العلم” من أن عمر بن عبد العزيز قال رأيت الخضر.
الخضر عليه السلام ” الجزء الثانى ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع الخليفه الراشد عمر بن عبد العزيز عندما قال رأيت الخضر، وهو يمشي مشيا سريعا وهو يقول صبرا يا نفس صبرا لأيام تفقد لتلك الأيام الأبد، وصبرا لأيام قصار لتلك الأيام الطوال، وكما روي أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أراد قتل رجل معارض لحكمه، فهرب الرجل، وبينما هو في صحراء إذا برجل يصلي، فخاف منه، ولكنه طمأن نفسه بأن ليس معه مال أو شيء يخاف أن يُسرق منه، فاتجه نحوه، فركع الرجل وسجد ثم التفت إليه وقال لعل هذا الطاغي وبقصد سليمان بن عبد الملك أخافك؟ فرد، أجل، فأخبره بأدعية يقولها للنجاة من بطشه ثم اختفى المُصلى، بعدها اطمئن الهارب وقرر العودة، فذهب إلى قصر سليمان، ودخل عليه فاستقبله سليمان بحفاوة وأجلسه إلى جواره وقال له سحرتني، أو ساحر أنت مع ما بلغني منك؟ فنفى الرجل علاقته بالسحر، فازداد استغراب سليمان من كراهيته للرجل التي زالت عنه بلا مبرر، وأصر أن يفهم ماذا حدث ليتغير ذلك، فأخبره الرجل بما جرى له، فقال سليمان “إنه الخضر” ونسب للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، أنه سمع رجلا يقول في طوافه حول الكعبة “أشكو إليك ظهور البغي والفساد” فدعا المنصور الرجل، وسمع منه وعظا قاسيا، ثم انصرف الرجل، فأرسل المنصور رجاله وراءه ليحضروه، فوجدوا الرجل قد اختفى، فقال المنصور “ذاك الخضر” حسبما ذكر ابن حجر العسقلاني.
وقد اعتبر الإمام السيوطي الخضر عليه السلام خالدا في الأرض، كما الأنبياء إلياس وعيسى وإدريس، إلا أن إدريس والمسيح رفعا إلى السماء، أما الخضر وإلياس فيعشان في الأرض، ونسب للحسن البصري، قوله وكل إلياس بالفيافي، ووكل الخضر بالبحور، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى، وإنهما يجتمعان في موسم كل عام وينقل ابن حجر عن الفقيه والمحدث يحيي ابن شرف النووي، أن أغلب العلماء يعتقدون أن الخضر حي، وذلك متفق عليه عند أهل الصلاح والمعرفة، وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ منه وسؤاله وجوابه ووجوده المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر، وقد ذكر أبو بكر الرازي أنه سمع بلال الخواص يقول كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثم ألهمت أنه الخضر، فقلت بحق الحق من أنت؟ قال أنا أخوك الخضر، فقلت ما تقول في الشافعي؟ قال من الأوتاد، قلت فأحمد بن حنبل؟ قال صدّيق، قلت فبشر بن الحارث؟ قال لم يخلف بعده مثله، قلت بأي وسيلة رأيتك؟ قال بِبِرّك لأمك، ونسب إلى بشر الحافي، قوله كانت لي حجرة وكنت أغلقها إذا خرجت معي المفتاح، فجئت ذات يوم وفتحت الباب ودخلت فإذا شخص قائم يصلي، فراعني، فقال يا بشر لا ترع، أنا أخوك أبو العباس الخضر، ثم أخذ يعلمه ويعظه، وحول خلود الخضر، فإنه تتداول المصادر روايتين رئيسيتين يكذبها كثيرون من الأئمه كإبن تيمية.
وأصحاب الفكر السلفي، إحداهما أنه كان من قادة ورجال ذي القرنين، تلك الشخصية التقية التي ملكت الأرض، بحسب الرواية القرآنية، حيث أراد ذو القرنين أن يخلد ولا يموت، فأخبرته الملائكة أن هناك عين ماء من شرب منها لا يموت، فانطلق ذو القرنين بجيشه يبحث عن العين لسنوات، ولكن الخضر سبق بقواته إلى العين وشرب منها، ولكن ذا القرنين كان متخلفا عن الركب ولم يلحظ عين الماء ولم يشرب منها، فخلد الخضر، حسبما ذكر ابن كثير، أما الرواية الثانية فمفادها أن جسد آدم أبي البشر كان مخفيا في مغارة لم يدفن، ودعا لمن يعثر على جسده ويدفنه بأن يطول عمره إلى يوم القيامة، فلما وقع طوفان نوح عليه السلام عثر الخضر على الجسد ودفنه، بعدما علم من نوح عليه السلام بأمر دعوة آدم لمن يدفنه، ولكن الصحيح أن الخضر عليه السلام أنه مات من دهر طويل قبل مبعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لوجوده حقيقة، بل هذا كله باطل وليس له وجود، وهذا هو الصحيح الذي عليه المحققون من أهل العلم، فالخضر عليه السلام مات قبل مبعث النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بل قبل مبعث نبى الله عيسى عليه السلام، والصحيح أن الخضر عليه السلام نبي كما دل عليه ظاهر القرآن الكريم، وقد قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي فدل على أن الخضر قد مات قبل ذلك.
ولو فرضنا أنه ليس نبيا وأنه رجل صالح لكان اتصل بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولو فرضنا أنه لم يتصل لكان مات على رأس مائة سنة كما قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في آخر حياته أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد فدل ذلك على أن من كان موجودا في ذلك الوقت لا يبقى بعد مائة سنة بنص النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم يموتون قبل انخرام المائة، فالحاصل أن الخضر عليه السلام قد مات وليس بموجود، والذي يزعم أنه رآه إما أنه كاذب، وإما أن الذي قال إنه الخضر قد كذب عليه وليس بالخضر، وإنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن، وقد اختلف في نبوته، وممن يقول أنه نبي، ذكر ابن حجر قوله لنبى الله موسى عليه السلام في القرآن الكريم كما جاء فى سورة الكهف ” وما فعلته عن أمرى” أي أنه يوحى إليه، وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا، ويقول ابن عباس رضى الله عنهما ووهب بن منبه انه نبي غير مرسل، وعن إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحق أنه كان رسولا واستجاب له قومه، ونصر ذلك ابن الجوزي، وقيل انه ولي من الأولياء وقيل أنه ملك من الملائكة وقيل أيضا أنه عبدا صالح، وقال أبو الخطاب بن دحية لا ندري هل هو ملك أو نبي أو عبد صالح، ويعتبر الخضر مقدسا لدى العديد من الديانات مثل المسيحية، والدرزية، واليهودية.
وفي العديد من التقاليد الإسلامية وغير الإسلامية، يُوصف خضر بأنه رسول، ونبي، وولي، وعبد، وملاك، وحارس البحر، ومُعلم المعرفة السرية، ويساعد أولئك الذين هم في محنة، وقد قيل أنه تمت التوفيق بين شخصية الخضر مع مرور الوقت مع شخصيات أخرى مختلفة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر سروش في إيران، والقديس سركيس المحارب، والقديس جرجس في آسيا الصغرى وبلاد الشام، ويوحنا المعمدان في أرمينيا، وكثيرا ما يرتبط الخضر بشخصية إيليا، وهكذا فإن من الشخصيات المهمة التى ربما يتوقف أمامها مؤرخو التاريخ الإنسانى والدينى، شخصية الخضر عليه السلام لما يرتبط من ذكره من حكايات وأساطير، لم يعلم مدى دقتها، سوى المذكور في النصوص الدينية المقدسة، وهو شخصية خلدته الأديان والحضارات معا، لكن حتى الآن لم نعرف من هو، وإنه يسمى الخضر، ولم يكن ذكره في التاريخ بقدر النماء الذى يدل عليه اسمه، وصفاته ومواقفه مع النبى موسى عليه السلام، كما وصفها القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية، غير ذلك تبدو الأقاويل عن الخضر، وكينونته، وحقيقة كونه نبى أم ولى من أولياء الله، كلها تكهنات لا يوجد دليل واضح عليها، وبحسب ما ذكره ابن كثير في “البداية والنهاية” أما الخضر فقد تقدم أن موسى عليه السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم اللدني، وقص الله من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف، المصرح بذكر الخضر عليه السلام.
وأن الذي رحل إليه هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام الذي أنزلت عليه التوراة، وقد اختلف في الخضر في اسمه ونسبه ونبوته وحياته إلى الآن على أقوال، فقال الحافظ ابن عساكر، يقال إنه الخضر بن آدم عليه السلام لصلبه، ثم روى من طريق الدارقطني، قال حدثنا محمد بن الفتح القلانسي، حدثنا العباس بن عبد الله الرومي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال أن الخضر بن آدم لصلبه، ونسيء له في أجله حتى يكذب الدجال، وهذا منقطع وغريب، وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني، سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا إن أطول بني آدم عمرا الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم، وقال وذكر ابن إسحاق أن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة، أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس، وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده معهم في السفينة، وأن يدفنوه معهم في مكان عينه لهم، ووفقا للباحث وليد فكرى في كتابه “أساطير مقدسة” وحاول البعض معرفة أصله، فقيل هو ممن آمنوا بالنبى إبراهيم عليه السلام وخرجوا معه من بلاده، وقيل إنه حفيد آدم مباشرة من ابنه قابيل، وإن آدم حين حضره الموت كان قد أخبر أبناءه بالطوفان، وأوصاهم أن يحملوا جثمانه فى السفينة، حتى إذا ما استقرت وابتلعت ماءها دفنوه فى موضع عينه لهم، فلما وقع الطوفان حملوا جسده، ثم عندما جفت الأرض تقاعسوا عن دفنه فدفنه حفيده الخضر.
وكان آدم قد دعا بطول العمر لمن يدفنه، فنال الخضر الدعاء، فهو يعمر حتى يشهد خروج المسيخ الدجال ويكذبه، وفى كتاب “عرائس المجالس للثعالبى” فإن الخضر ابن ملك عادل لكن أباه وقومه لم يكونوا يعبدون الله، وكان اسمه قبل حمل لقب الخضر، هو بليا بن ملكا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وكان آنذاك فتى وحيد أبيه، فأراد الأب أن يزوج ابنه لينجب ولدا ويستمر الملك فى عقبه، ولكن الابن كان عازفا عن الزواج زاهدا فى الحكم راغبا فى أن يتفرغ لعبادة الله، وألح الأب فى تزويج ابنه، وبالفعل زوجه ابنة أحد الملوك، فلما اختلى بها الابن قال لها “إنى رجل مسلم لست على دين أبى، وإنى عارض عليك أمرا فاكتمى سرى لتنالى النجاة فى الدنيا والآخرة، ولا تفشيه فتهلكى فى الدنيا والآخرة، إما أن تتركينى أتفرغ للعبادة وتتابعينى على دينى، وإما أن أرسلك إلى أهلك” فاختارت متابعته على دينه وتركه يتفرغ لعبادة ربه وكتمت سره، وبحسب كتاب “القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية للمفكر السورى فراس السواح، أنه أثناء عصر الحروب الصليبية والتبادل الثقافى الذى حصل بين الثقافتين العربية والأوربية، ظهر إلى الوجود شخصية جديدة تجمع بين الخضر ومار إلياس إلى نموذج فرنسى هو القديس مار جرجس، كما يدعى فى بلاد الشام، وقد نسجت لهذا القديس سيرة حياة تقول بأنه كان بطلا من أبطال الإيمان المسيحى، عاش فى مدينة اللد بفلسطين، وأنقذ ابنة الملك التى اعتنقت المسيحية من تنين هائل صرعه بحربته.
الخضر عليه السلام ” الجزء الثالث ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الخضر عليه السلام، ووفقا لما جاء فى كتاب “تاريخ الموصل للقس سليمان صائغ الموصلى، قيل إن الخضر لقب صاحب النبى موسى عليه السلام، ويكنى بأبى العباس، وقيل أنه هو إليا وهو نبى مشهور وقيل أنه مار جرس، وهو ما يتفق مع ذكره كتاب “عيون الأنباء فى طبقات الأطباء” لابن أبى أصيبعه، حيث يذكر فى إحدى إشارات الكتاب توضيحا عن “الخضر” بأنه أحد الأنبياء الذى أرشد النبى موسى عليه السلام، وقد حظى عند الصوفيين بمركز ممتاز ويطلق عليه النصارى اسم القديس جرجس أو النبى إيليا، ويعود للكتاب للتأكيد على أن المدقق فى بدايات قصة الخضر الأمير الزاهد فى الحكم، الهارب من زينة الحياة الدنيا يلاحظ تشابها قويا مع قصة “جوتاما بوذا” فى الموروث الروحى الأسيوى أو شخصية إبراهيم ابن أدهم فى صياغتها الصوفية، فكل منهما ابنا لأسرة نبيلة ترك الثراء وزهد النعيم الدنيوى، وتفرغ للعبادة والتأمل، وذهب الباحث فراس السواح، إلى أن شخصية الخضر قد امتزجت فى الموروث الشعبى بشخصيات بعض الآلهة، مثل الإله “بعل” الفينيقى الذى يتحكم بالأجواء وينشر الخضرة، ويدلل على ذلك بأن الفلاحين الذين كانوا منذ قرون طويلة يذكرون بعل وهم يزرعون ويحصدون، قد صار أحفادهم الآن يذكرون اسم الخضر وهم يمارسون النشاط نفسه، ووفقا للعديد من المراجع يقال إن الخضر ربما كان من قادة ورجال ذي القرنين.
تلك الشخصية التقية التي ملكت الأرض، بحسب الرواية القرآنية، حيث أراد ذو القرنين أن يخلد ولا يموت، فأخبرته الملائكة أن هناك عين ماء من شرب منها لا يموت، فانطلق ذو القرنين بجيشه يبحث عن العين لسنوات، وقال أبو جعفر الطبري “وكان الخضر في أيام أفريدون الملك بن الضحاك في قول عامة علماء أهل الكتاب الأول، وقيل موسى بن عمران عليهما السلام وقيل إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل وإن الخضر بلغ مع ذي القرنين أيام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم به ذو القرنين ولا من معه فخلد وهو حي عندهم إلى الآن، وقال آخرون إن ذا القرنين الذي كان على عهد إبراهيم الخليل هو أفريدون بن الضحاك وعلى مقدمته كان الخضر وهذا الرأي ضعيف، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معجزة القرآن الكريم، وهو كتاب الله تعالى المتعبد بتلاوته، والذي يعتبر دستورا شاملا للأمة بما فيه من أحكام وتوجيهات ودروس وعبر وأمثال، كما اشتملت آيات القرآن الكريم وسوره على كثير من القصص القرآنية التي كانت فيها العبر والدروس لأولي الألباب، ومن هذه القصص قصة نبى الله موسى عليه السلام والخضر، وقد خطب نبى موسى عليه السلام يوما في قومه مبينا لهم أنه أعلم من في الأرض حينئذ، ولم ينسب هذا العلم إلى الله تعالى، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام.
أن ثمة من في الأرض من هو أعلم منه، وقد سأل موسى ربه أن يلتقي بهذا الرجل، وأمره بأن يأخذ معه مكتلا ويضع فيه حوتا، وأنه متى ما فقد الحوت فسوف يجد الخضر، انطلق نبى الله موسى عليه السلام مع فتاه يوشع بن نون، وفي الطريق أوى موسى وفتاه إلى صخرة يستريحان عندها، وقد تسلل الحوت خارج المكتل من دون أن يشعرا، وبعد أن مضيا في طريقهما، أمر نبى الله موسى عليه السلام فتاه أن يحضر غداءهما، فقال له فتاه أنهما نسيا الحوت عند الصخرة، فارتدا على آثارهما حتى يرجعا إلى الصخرة، وعندما وصلا إليها وجدا عندها شيخا كبيرا، فطلب منه موسى أن يعلمه مما علمه الله، فانطلقا في رحلة رأى فيها موسى أفعالا ظاهرها إيذاء وشر، حيث خرق الخضر السفينة التي ركباها، ثم قتل غلاما رآه في طريقه، وأقام جدار قوم رفضوا أن يضيفوهما، وبعد أن بين الخضر لموسى عليه السلام سبب فعله لكل تلك الأمور أيقن موسى عليه السلام أن العلم هو فضل الله تعالى الذي يؤتيه إلى من يشاء من البشر، وأن الخضر عليه السلام قد اختلف العلماء والمؤرخون كثيرا في شخصيتة، حيث اعتبره البعض منهم نبيا من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قد أطال في عمره حتى يدرك الدجال فيكذبه، ومنهم من رأى بأنه ولي من أولياء الله، وقيل أنه ابن آدم لصلبه، والقول الراجح أن الخضر هو نبي من أنبياء الله تعالى لقوله كما جاء فى سورة الكهف ” وما فعلته عن أمرى ” أي كان فعله بوحي من الله تعالى إليه.
أما سبب تسمية الخضر بهذا الاسم فقد أورد الإمام البخاري حديثا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه “أن الخضر إنما سمي خضرا، لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خلفه خضراء” ولقد وقف نبى الله موسى عليه السلام في أحد الأيام خطيبا في بني إسرائيل فسـألوه عن أعلم أهل الأرض فأخبرهم بأنه هو أعلم من في الأرض، فعاتبه الله تعالى لانه لم يرجع الفضل إليه، وأخبره بوجود رجل صالح هو أعلم منه في مجمع البحرين، فسأل نبى الله موسى عليه السلام ربه عن كيفية الوصول لهذا الرجل، فأمره بالخروج وأن يأخذ معه حوتا ويجعله بمكتل، وفي المكان الذي يفقد فيه الحوت يكون الرجل الصالح فانطلق نبى الله موسى عليه السلام آخذا معه فتاه يوشع بن نون والحوت، ولما وصلا إلى الصخرة غلبهما النعاس وناما، فخرج الحوت من المكتل وهرب إلى البحر بعد أن شرب من عين ماء موجودة في الصخرة يقال لها عين الحياة، إذ رُدت له الروح فهرب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “وفى أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شئ إلا حيى، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال فتحرك وانسل من المكتل” وقد منع الله تعالى جريان الماء في المكان الذي هرب الحوت من خلاله حتى لا يُمحى أثره، وعندما استيقظ نبى الله موسى عليه السلام تابع مسيره دون أن يتفقد الحوت فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف ” وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ محمع البحرين أو أمضى حقبا، فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله فى البحر سربا”
وبعدما تعدى المكان الذي أمره الله تعالى أن يصل إليه شعر بالتعب والجوع فطلب من فتاه الأكل فتذكر فتاه حينئذ أن يخبره بأمر هروب الحوت عندما كانا عند الصخرة وما كان نسيانه لذلك إلا من الشيطان فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “فلما جاوز قال لفتاه آتنا غدائنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره وأتخذ سبيله فى البحر عجبا ” فعادا إلى المكان الذي فقدا فيه الحوت فوجدا العبد الصالح هناك، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا، فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما” وسلم نبى الله موسى عليه السلام عليه وعرّف عن نفسه وأخبره بأنه قد أتاه ليُعلمه، فعرفه العبد الصالح وهو الخضر عليه السلام، وأخبره بأن الله تعالى قد أطلع كل منهما على علم لا يعلمه الآخر فما كانت حكمته معلومة لِأحدهما لن تكون كذلك للآخر فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معى صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ” إلا أن موسى عليه السلام أصرعلى صحبته وأخبره بأنه لن يخالف أمره فوافق الخضر بشرط ألا يسئله موسى عليه السلام عن شيء حتى يُبين له هو ما قد ينكره عليه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا، قال فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا”
فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبي لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى، وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عليه، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه واتبعه في صورة مستفيد منه، دل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبوية، بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم نبي بني إسرائيل الكريم، فبدأ المسير على ساحل البحر فمرّت بهما سفينة وكان مَن فيها قد عرفوا الخضر عليه السلام، فأخذوا نبى الله موسى والخضر عليهما السلام معهم دون أجرة، وقد تفاجأ موسى عليه السلام باقتلاع الخضر أحد ألواح السفينة بالقدوم، فأنكر فعله الذي لا يناسب الإحسان الذي قدمه أهل السفينة لهما، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “فانطلقا حتى إذا ركبا فى السفينة خرقها، قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا” فما كان من الخضر إلا أن ذكره بشرطه فاعتذر إليه موسى عليه السلام مبينا أن ذلك ما كان إلا نسيانا منه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا، قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا”
وحينها وقف عصفور على طرف السفينة وأراد أن يشرب من ماء البحر فنقر فيه نقرة، فشبّه الخضر مقدار ما لديهما من العلم مقارنة بعلم الله تعالى كمقدار الماء الذي شربه العصفور من البحر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة، فقال له الخضر ما علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر” ونزلا من السفينة ومشيا على الساحل حتى شاهد الخضر غلاما يلعب مع رفاقه فأمسك برأسه واقتلعها فقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” فانطلقا فإذا بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فأقتلع رأسه بيده” فسارع موسى عليه السلام بإنكار فعله إذ ليس له الحق في قتل النفس، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا” فما كان من الخضر إلا أن ذكره بشرطه مرة ثانية، واعتذر إليه نبى الله موسى عليه السلام وأخبره بأنه إن اعترض عليه بشيء مرة أخرى أن يتركه ولا يصاحبه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال الم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا، قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا ” وتابعا المسير حتى وصلا إلى قرية رفض أهلها ضيافتيهما، فرأى الخضر فيها جدارا مائلا يوشك على السقوط فعدل ميله وأخبره موسى عليه السلام لو أنه أخذ أجرا على فعله لتمكنا من الحصول على الطعام الذي رفض أهل القرية تقديمه لهما.
الخضر عليه السلام ” الجزء الرابع ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع نبى الله موسى والخضر عليهما السلام وقد تابعا المسير حتى وصلا إلى قرية رفض أهلها ضيافتيهما، فرأى الخضر فيها جدارا مائلا يوشك على السقوط فعدل ميله وأخبره موسى عليه السلام لو أنه أخذ أجرا على فعله لتمكنا من الحصول على الطعام الذي رفض أهل القرية تقديمه لهما، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لأتخذت عليه أجرا” فما كان من الخضر عليه السلام إلا أن أخبره بأن لحظة فراقهما قد حانت وسيوضح الحكمة في جميع الأفعال التي أنكرها عليه، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “قال هذا فراق بينى وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا” فأما السفينة والضرر الذي ألحقه بها فما كان ذلك إلا للتخلص من ظلم ملك كان يأخذ كل سفينة صالحة من أهلها عنوة فأراد أن يجعل فيها عيبا ليغض طرف هذا الملك عنها، وإن حصل ذلك سارع أهل السفينة لإصلاحها والانتفاع بها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا” وقتله للغلام كان لأنه كان جاحدا بالله وكان أبواه مؤمنين فيخشى أن يتبعاه في دينه حبّا به وحاجة إليه فأراد الله تعالى أن يرزقهما بمن هو خير منه دينا وبرّا.
فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما” وأما الجدار الذي عدل ميله فكان تحته كنز ليتيمين يعيشان في المدينة، وهذا الكنز كان ذهبا كما قال عكرمة رضي الله عنه، وقال ابن عباس رضي الله عنه الكنز كان علما، وقال أبو ذر الغفارى رضي الله عنه كان علما مكتوب على لوح من ذهب، وأراد الله تعالى أن يحفظه لهما حتى يبلغا وذلك بسبب الصلاح الذي كان عليه أبوهما، وفي ذلك دلالة على أن الله تعالى يتكفل بحفظ ذرية العبد الصالح، وقد ختم الخضر حديثه مع موسى عليه السلام بأن كل ما فعله لم يكن إلا بأمر الله تعالى، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الكهف “وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا” وقد اختلف العلماء في المكان الذي التقى فيه نبى الله موسى عليه السلام بالخضر على ثلاثة أقوال، وهي أنه التقى به عند مجمع البحرين، وهو المكان الذي يلتقي فيه بحر فارس شرقا وبحر الروم غربا وهو قول قتادة وغيره، وذهب محمد القرظي إلى أن مجمع البحرين في بلاد المغرب عند طنجة، ومجمع البحرين يقع في إفريقية وهو قول أبي بن كعب، أو في طنجة وهو قول محمد بن كعب، أو هما نهرا الكرّ والرس.
الذين يصبان في البحر وهو قول السدى، وقيل أن مجمع البحرين هما بحر الروم وهو البحر الأبيض، وبحر القلزم وهو البحر الأحمر وتدعى المنطقة التي يلتقيان فيها بالبحيرات المرّة وبحيرة التمساح، أو أن مجمع البحرين في البحر الأحمر في المكان الذي يلتقي فيه خليج العقبة مع خليج السويس لأن بني إسرائيل عندما غادروا مصر استقروا في هذه المنطقة التي شهدت تاريخهم وهذا قول سيد قطب صاحب كتاب ظلال القرآن، وأن ما يحتج به على نبوة الخضر عليه السلام، هو أن الخضر عليه السلام أقدم على قتل ذلك الغلام وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس، بمجرد ما يلقى في خلده لأن خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته، صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته وأنه مؤيد من الله بعصمته، وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه، وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا، وأنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لنبى الله موسى عليه السلام، ووضح له عن حقيقة أمره وجلى.
فقال بعد ذلك كله ” رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى” يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به وأوحى إلي فيه، فدلت هذه الوجوه على نبوته، ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته كما قاله آخرون، وأما كونه ملكا من الملائكة فقول فغريب جدا، وإذا ثبت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته، وإن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه، وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان، فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيى، وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن، وقد قال البيهقي لما أراد نبى الله موسى عليه السلام أن يفارق الخضر، قال له موسى أوصني، قال له الخضر عليهما السلام، كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبان، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، وفي رواية من طريق أخرى زيادة قال له ولا تضحك إلا من عجب، ثم قال الخضر، يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها، وقد قال نبى الله موسى للخضر، أوصني، فقال يسر الله عليك طاعته، وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال أخي موسى يا رب، وذكر كلمته فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح، حسن بياض الثياب، مشمرها، فقال السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران.
إن ربك يقرأ عليك السلام، قال موسى هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصي نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته، ثم قال موسى أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك، فقال الخضر يا طالب العلم إن القائل أقل ملامة من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا، فإن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدي مساوي السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء، وزين العلماء، وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما، وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم، يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه، يا ابن عمران من لا ينتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟
لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره، يا موسى بن عمران اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات، فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك يرضى ربك، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوء، قد وعظت إن حفظت، قال فتولى الخضر، وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي، ولكن هذا الحديث لا يصح وقيل إنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري، وقد كذبه غير واحد من الأئمة، والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه، وإن هناك العديد من الدروس المستفادة من قصة نبى الله موسى عليه السلام والخضر، ومنها الحرص على طلب العلم والاستزادة منه والرحلة إليه، وتحمل المشاق والصعاب في سبيل تحصيله، والسعي للقاء العلماء، ومجالستهم باحترام وأدب، وكذلك الحرص على عدم نسبة الأمور المكروهة كالنسيان إلى الله تعالى تنزيها له وتأدّبا معه، حتى وإن كان مقدرا منه، وضبط النفس على تقبل عذر الناسي تجملا بالأخلاق العالية لا سيما أن النسيان قد ورد في حق الأنبياء عليهم السلام الحرص على تقديم مشيئة الله تعالى على كل ما ينوي العبد القيام به بقول “إن شاء الله” وكذلك مشروعية الإفصاح عن التعب والشعور بالألم والمرض ونحوهما على ألا يرافق ذلك ما فيه تسخُط وعدم رضا بالقضاء والقدر، ومشروعية طلب الضيافة والطعام حال الحاجة.
ولا مذمة في ذلك، والحرص على عدم ترك فعل الخير والإحسان في حق من اتصف بالبخل و اللئم في التعامل، وأيضا مشروعية إلحاق الضرر والتعييب بمال الغير إن كان خيارا لتفويت ما هو أشد منه ضررا، وكذلك مشروعية التزود بالطعام والشراب حال السفر حيث أن ذلك لا يتصادم مع عقيدة التوكل، وأيضا تواضع التلميذ لمعلمه حال كونه أكثر أو أقل مرتبة منه، وإفصاح المعلم لتلميذه حال امتناعه عن تعليمه ما يخشى عليه في عدم تحمّله، وكذلك سعي العبد إلى كل ما فيه مرضاة الله سبحانه وتعالى من طلب علم ونحوه، كما ويؤمن لنفسه الإعانة والقوة فلا يحل عليه التعب والإعياء سريعا، وتوجه المسكين إلى عمل معين أو امتلاكه شيئا يكسب منه رزقه الذي لا يكفي لسد احتياجاته لا يخرجه من دائرة المسكنة، وكذلك الجرأة في قول الحق وإنكار المنكر كما فعل نبى الله موسى عليه السلام، بإنكار أفعال الخضر ظنا منه أنها منكرة، وإن قصة نبى الله موسى عليه السلام، لم تذكر في القرآن الكريم فحسب، إنما ذكرت أيضا في الأحاديث النبوية الصحيحة التي احتوت على معلومات إضافية أيضا، وكذلك من الدروس المستفاده هو ارتكاب المرء جرما معيّنا في حق من أحسن إليه يجعل جرمه أكثر سوءا، وأيضا جواز حفظ المال وتوفيره في حق المسلم بشرط عدم التساهل في إخراج زكاته، وهكذا كان الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف.
الخضر عليه السلام ” الجزء الخامس ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع الخضر عليه السلام، وهو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف، حيث رافقه نبى الله موسى عليه السلام وتعلم منه، وقد اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما، ومشى معه في الطريق، وكان نبى الله موسى يتعجب من فعله، حتى فسر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الرحله ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى، وهناك بعض الناس يقولون عن الخضر إنه عاش بعد نبى الله موسى عليه السلام إلى زمن نبى الله عيسى عليه السلام ثم زمن رسولنا الكريم محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة، وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانا، وألبس فلانا خرقة، وأعطى فلانا عهدا، إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، وأنه ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود كما يزعم الزاعمون بل على العكس، هناك أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيا وليس على قيد الحياه، وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب “المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف” للمحقق ابن القيم رحمه الله، يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين.
ومن هذه الضوابط الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد، فحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في المسجد، فسمع كلاما من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر، وحديث يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر، وسُئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان، وسُئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء؟ فقال كيف يكون هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد” رواه الشيخان البخارى ومسلم، وسُئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا، مستدلين بالقرآن الكريم فى قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنبياء “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد إفإن مت فهم الخالدون” وسُئل عنه شيخ السلام ابن تيمية رحمه الله، فقال “لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر يقول “اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض” وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن، والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون، والقرآن الكريم يقول”وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد إفإن مت فهم الخالدون”
فالخضر إن كان بشرا فلن يكون خالدا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة فإنه لو كان موجودا لجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم”والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” رواه أحمد عن جابر بن عبد الله، فإن كان الخضر نبيا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليا فليس أفضل من أبي بكر، وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة كما يزعم الزاعمون في الفلوات والقفار والجبال؟ ما الفائدة من هذا؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا، إنما يميل الناس دائما إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبا دينيا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء، والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان، أما السؤال حول هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي، كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ” وما فعلته عن أمرى” فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ومن وحيه سبحانه وتعالى، لا من عند نفسه، فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي، ويوجد للخضر عدة مقامات بإسمه منها جامع الخضر الموجود في منطقة الكرنتينا على طرف بيروت، وهو آخر جامع على حدود المدينة.
وكان هذا الجامع في الأصل كنيسة بإسم مار جرجس، حولها علي باشا إلى مسجد بإسم مسجد الخضر، وفي بغداد بني مقام مسجد الخضر على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ، ويعتبر الخضر عليه السلام مقدسا لدى العديد من الديانات مثل المسيحية ويقول المسيحيون أن مار جرجس هو نفسه الخضر، والرواية المسيحية هي أن تنين كان يخرج على سكان بيروت ويرعبهم، ويقتل ويأكل سكان المدينة، بعد أن طالت القصة إتفق أهل المدينة على تقديم فتاة جميلة للتنين كل عام عن طريق القرعة، فداء عن أهل المدينة، وفي سنة من السنين وقعت القرعة على ابنة حاكم المدينة فأخذ الفتاة إلى مكان الموعد، وكانت الفتاة مؤمنة فتوسلت بالدعاء إلى الله، فتصور لها مار جرجس وهو يركب حصانا وفي يده حربة، وعندما خرج التنين برأسه من البحر، وذهب ليبتلع الفتاة، باغته مار جرجس فطعنه بحربته المسننة، فمات في الحال، فشيد والد الصبية كنيسة في الموضع الذي قتل فيه التنين، ويقول المسيحيين بأن مار جرجس قتل بعد أن أعتنق الدين المسيحي، في عهد الملك الروماني دقلديانوس، ويعيد المسيحيون كل عام بعيد مار جرجس، وأيضا فى القصة اليهودية فهى تشابه القصة الإسلامية ولكن باختلاف أسماء الشخصيات وهما يوشع بن لاوي وإلياس وتختلف عدة أمور عن قصة موسى والخضر، وتبدأ القصة بطلب يوشع من الله أن يلقى بإلياس فيستجيب الله دعاءه.
وعندما التقى يوشع بإلياس يطلب منه أن يطلعه على بعض الأسرار فيرد عليه ” إنك لا طاقة لك على تحمّل ذلك” فيلح أن يرافقه في سفره إلى أن وافق إلياس بشرط وهو أن لا يسأله عن أي شيء يراه، وإذا سأله فإن إلياس حر في تركه، وفي الديانه الدرزية، فإن الخضر عليه السلام هو نبي مبجل أيضا لدى الموحدون الدروز، ومشابه كثيرا للرواية الإسلامية، وقيل إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء، وإن الخضر عليه السلام قد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا، فقال أبو زرعة في “دلائل النبوة” حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ليله أسري به وجد رائحة طيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ ” فقال جبريل عليه السلام “هذه ريح قبر الماشطة وابنتها وزوجها” وقال وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته، فتطلع عليه الراهب فعلمه الإسلام، فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا وكان لا يقرب النساء، ثم طلقها ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا، ثم طلقها، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الأخرى، فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر فأقبل رجلان يحتطبان.
فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر، قال قد رأيت العزقيل ومن رآه معك، قال فلان فسئل فكتم، وكان من دينهم أنه من كذب قتل، فقتل وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة، قال فبينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت نعس فرعون فأخبرت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال إني قاتلكما فقالا إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد فجعلهما في قبر واحد، فقال وما وجدت ريحا أطيب منهما وقد دخلت الجنة، وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب، أو عبد الله بن عباس، والله أعلم، وقيل إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وقيل أن نبى الله موسى ويوشع بن نون عليهما السلام لما رجعا يقصان الأثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب، قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم عليه السلام، فكشف عن وجهه فرد وقال أني بأرضك السلام؟ من أنت؟ قال أنا موسى، فقال الخضر له موسى نبي بني إسرائيل؟ فقال نعم، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال لأصحابه” ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم “بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب، فقال تصدق عليّ بارك الله فيك، فقال الخضر، آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شيء أعطيكه، فقال المسكين أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت إلى السماء في وجهك ورجوت البركة عندك، فقال الخضر آمنت بالله ما عندي من شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين وهل يستقيم هذا؟ قال نعم الحق أقول لك، لقد سألتني بأمر عظيم، أما أني لا أخيبك بوجه ربي بعني، قال فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له إنك ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل، قال أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف، قال ليس يشق علي، قال فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف، وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال له أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه، ثم عرض للرجل سفر، فقال إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، فقال فأوصني بعمل، قال له إني أكره أن أشق عليك، فقال الخضر له ليس تشق علي، فقال له الرجل فاضرب من اللبن لبيتي، حتى أقدم عليك، فمضى الرجل لسفره فرجع، وقد شيد بناؤه فقال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال له الخضر عليه السلام سأ
لتني بوجه الله.
الخضر عليه السلام ” الجزء السادس ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع الخضر عليه السلام عندما قال له الرجل فاضرب من اللبن لبيتي، حتى أقدم عليك، فمضى الرجل لسفره فرجع، وقد شيد بناؤه فقال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال له الخضر عليه السلام سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي من شيء أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي، فباعني وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو بقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له ولا عظم، يتقعقع، فقال الرجل آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله، ولم أعلم، فقال الخضر عليه السلام، لا بأس أحسنت وأبقيت، فقال الرجل بأبي وأمي يا نبي الله، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك، فقال له الخضر أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي، فخلى سبيله، فقال الخضر، الحمد لله الذي أوقعني في العبودية، ثم نجاني منها” ولكن قيل أن هذا حديث رفعه خطأ، والأشبه أن يكون موقوفا وفي رجاله من لا يعرف، فالله أعلم، وقد رواه ابن الجوزي في كتابه “عجالة المنتظر في شرح حال الخضر” من طريق عبدالوهاب بن الضحاك وهو متروك، عن بقية، وقد روى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي أن الخضر وإلياس عليهما السلام كانا أخوين، وكان أبوهما ملكا فقال إلياس لأبيه إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك، فلو أنك زوجته لعله يجيء منه ولد.
يكون الملك له، فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر، فقال لها الخضر إنه لا حاجة لي في النساء فإن شئت أطلقت سراحك، وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عز وجل وتكتمين علي سري؟ فقالت نعم، وأقامت معه سنة، فلما مضت السنة دعاها الملك فقال إنك شابة وابني شاب، فأين الولد؟ فقالت إنما الولد من عند الله، إن شاء كان، وإن لم يشأ لم يكن، فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها، فأجابت إلى الإقامة عنده، فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد فقالت إن ابنك لا حاجة له بالنساء، فتطلبه أبوه فهرب، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه، فيقال إنه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره، فهرب من أجل ذلك، وأطلق سراح الأخرى، فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة، فمر بها رجل يوما فسمعته يقول بسم الله، فقالت له أنى لك هذا الاسم؟ فقال إني من أصحاب الخضر، فتزوجته فولدت له أولادا، ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون، فبينما هي يوما تمشطها، إذ وقع المشط من يدها، فقالت بسم الله، فقالت ابنة فرعون أبي؟ فقالت الماشطه لا، ربي وربك ورب أبيك، الله، فأعلمت أباها، فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها فألقيت فيه، فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها، فقال لها ابن معها صغير يا أمه اصبري فإنك على الحق فألقت نفسها في النار، فماتت رحمها الله، وقد روى ابن عساكر، عن أبي داود الأعمى، نفيع وقيل هو كذاب، وضاع عن أنس بن مالك.
ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وقيل هو كذاب أيضا، عن أبيه، عن جده أن الخضر جاء ليلة فسمع النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول” اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه” فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال قل له” إن الله فضلك على الأنبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على غيره” وقيل أن هذا الحديث هو مكذوب ولا يصح سندا ولا متنا، وكيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيء بنفسه مسلما ومتعلما وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم، أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم، ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم، وهو مع هذا لا يعرف نبى الله موسى بن عمران كليم الله، الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه، حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل، وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادى بعد إيراده حديث أنس هذا، وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الإسناد، سقيم المتن، يتبين فيه أثر الصنعة، فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي قائلا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن بالويه، قال حدثنا محمد بن بشر بن مطر، قال حدثنا كامل بن طلحة، قال حدثنا عباد بن عبدالصمد، عن أنس بن مالك قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم، فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال”إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، ونظر إليكم في البلاء، فانظروا فإن المصاب من لم يجبر وانصرف، فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي، نعم هو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام، وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن كامل بن طلح به وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي، ثم قال البيهقي، عباد بن عبد الصمد ضعيف، وهذا منكر بمرة قلت عباد بن عبد الصمد هذا هو ابن معمر البصري روى عن أنس نسخة، وقال ابن حبان والعقيلي أكثرها موضوع، وقال البخارى أنه منكر الحديث، وقال أبو حاتم، ضعيف الحديث جدا منكره، وقال ابن عدي أنه عامة ما يرويه في فضائل علي بن أبى طالب وهو ضعيف غالى في التشيع، وقال الشافعي في مسنده أنه أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب، فقال علي بن الحسين أتدرون من هذا، هذا الخضر، وقال الشيخ الشافعي القاسم العمري هو متروك.
قال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين يكذب، وقد زاد الإمام أحمد ويضع الحديث، ثم هو مرسل ومثله لا يعتمد عليه ههنا والله أعلم، وقد روى من وجه آخر ضعيف عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن علي بن أبى طالب ولا يصح، وقد روى عبد الله بن وهب عمن حدثه عن محمد بن عجلان، عن محمد بن المنكدر، أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلي على جنازة إذ سمع هاتفا وهو يقول لا تسبقنا يرحمك الله، فانتظره حتى لحق بالصف، فذكر دعاءه للميت إن تعذبه فكثيرا عصاك، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك، ولما دفن قال طوبى لك يا صاحب القبر، إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا، فقال عمر بن الخطاب خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو، قال فتوارى عنهم فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر بن الخطاب هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الأثر فيه مبهم وفيه انقطاع ولا يصح مثله، وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر، أنبأنا أبو القاسم بن الحصين، أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد، أنبأنا أبو إسحق المزكي، حدثنا محمد بن إسحق بن خزيمة، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد أملاه علينا بعبادان، أنبأنا عمرو بن عاصم، حدثنا الحسن بن زريق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال” يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه.
ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات، بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصرف الشر إلا الله، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ” وقال ابن عباس، من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، آمنه الله من الغرق والحق والسرق، قال وأحسبه قال ومن الشيطان، والسلطان، والحية، والعقرب، وقال الدارقطني في الأفراد هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ عنه، يعني الحسن بن زريق هذا، وروى ابن عساكر أن الوليد بن عبد الملك بن مروان، باني جامع دمشق، أحب أن يتعبد ليلة في المسجد، فأمر القوم أن يخلوه له ففعلوا، فلما كان من الليل جاء من باب الساعات فدخل الجامع، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء، فقال للقوم ألم آمركم أن تخلوه؟ فقالوا يا أمير المؤمنين، هذا الخضر يجيء كل ليلة يصلي ههنا، ولكن هذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم، وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الإسناد، وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال، وقال فيما يحدثنا” يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس، أو من خيرهم.
فيقول له أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه، فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحيى، والله ما كنت أشد بصيرة فيك مني الآن، قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه” وقال معمر بلغني أنه يجعل على حلقه صحيفة من نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به، وقال أبو اسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي، عن مسلم الصحيح أن يقال إن هذا الرجل الخضر، وقول معمر، وغيره بلغني ليس فيه حجة، وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث، فيأتي بشاب ممتلىء شباب فيقتله، وقوله الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي المشافهة بل يكفي التواتر، وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله، في كتابه “عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر” للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فبين أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد، وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك، وألف فيه كتابا سماه “عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر” فيحتج لهم بأشياء كثيرة.
الخضر عليه السلام ” الجزء السابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع الخضر عليه السلام وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك، وألف فيه كتابا سماه “عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر” فيحتج لهم بأشياء كثيرة، منها قوله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد” فالخضر إن كان بشرا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، وقال ابن عباس رضى الله عنهما، ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق، ولئن بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به وينصرنه، كما ذكره البخاري عنه، فالخضر إن كان نبيا أو وليا، فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله، أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه، لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى عليه السلام أفضل منه، وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” وهذا الذي يقطع به، ويعلم من الدين علم الضرورة.
وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع معهم ليلة الإسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس، وحانت الصلاة، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم، ودار إقامتهم، فدل على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، فإذا علم هذا وهو معلوم عند كل مؤمن، علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك، وهذا نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام، إذا نزل في آخر الزمان بحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتم أنبياء بني إسرائيل، والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد، وهذا يوم بدر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما دعا به لربه عز وجل، واستنصره، واستفتحه على من كفره “اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض” وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب.
وثبير بدر إذ يرد وجوههم، جبريل تحت لوائنا ومحمد، فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته، وأعظم غزواته، وقال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي، سئل بعض أصحابنا عن الخصر هل مات؟ فقال نعم، وقال وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغباري، وقال وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما نقله ابن الجوزي في العجالة، فإن قيل، فهل يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها؟ ولكن لم يكن أحد يراه، فإن الجواب هو أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد، الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات، ثم ما الحاصل له على هذا الاختفاء، وظهوره أعظم لأجره وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته؟ ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعه وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام، أفضل ما يقال عنه من كنونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار، واجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما.
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلة العشاء ثم قال” أرأيتم ليلتكم هذه، فإنه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد” وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم “عين تطرف ” قال ابن عمر، فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه، وإنما أراد انخرام قرنه، وقال الإمام أحمد أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال” أرأيتم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد ” رواه البخاري، ومسلم، وقال الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل، أو بشهر” ما من نفس منفوسة، أو ما منكم من نفس اليوم منفوسة يأتي عليها مائة سنة، وهي يومئذ حية” وقال أحمد عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بشهر” يسألونني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، أقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم، يأتي عليها مائة سنة” وهكذا رواه مسلم، من طريق أبي نضرة، وأبي الزبير، كل منهما عن جابر بن عبد الله به نحوه، وقال ابن الجوزي فهذه الأحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر، وقالوا فالخضر إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو المظنون الذي يترقى في القوة إلى القطع، فلا إشكال، وإن كان قد أدرك زمانه.
فهذا الحديث يقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة، فيكون الآن مفقودا لا موجودا، لأنه داخل في هذا العموم، والأصل عدم المخصص له، حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله، فقد كانت قصة موسى مع الخضر عليهما السلام من روائع القصص بما احتوته من غرائب الأخبار، وعجائب الأمور، وبرز فيها جليا علم الله المسبق لكل الحوادث، والذي يحيط بكل شيء، وتجلت فيها قدرة الله تعالى من أولها لآخرها، لتكون تسلية وتعليما لنبى الله موسى عليه السلام، ومعجزة للخضر عليه السلام الذي نرجح نبوته، والجميل في القصة أنها جاءت في أوثق المصادر على الإطلاق التي لا يتطرق إليها شك، ولا يدخل فيها ريب القرآن الكريم كلام رب العالمين، وصحيح السنة النبوية كلام رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم وقد كان أكثر من كتب في هذه القصة يركز اهتمامه على ما جاء في كتاب الله تعالى، ليعطينا من الآيات الدروس والعبر، وقد أبدع العلماء في ذلك حقيقة وأحببت أن أطرق الموضوع من جانب السنة، لأنها جاءت بزيادات وتوضيحات لم يأت بها القرآن الكريم، وفي السنة الخير العظيم فهي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، فقد جمعت الروايات الواردة في القصة خصوصا من الصحيحين، وجعلتها في حديث واحد، ثم فسّرت غريب الحديث، وذكرت بعدها الدروس والفوائد، وتتميما للفائدة ذكرت بعض الأحاديث الواردة في يوشع بن نون عليه السلام لأنه من أبطال هذه القصة.
ثم حللتها كسابقتها، وذكرت منها الدروس والفوائد، وقد جمعت شخصية الخضر عليه السلام بين ثلاث صفات كما يحكي القرآن وهى العبودية، وقد وصفه الله تعالى بأنه ” عبد من عبادنا” والعبودية لله تعالى تعني الانقياد له والخضوع له، وهي أعم وأشمل من مفهوم العبودية على أنها صلاة وزكاة وحج وغيرها، فالإنسان حين يسعى في الأرض لطلب الرزق، فهو يعبد الله لأن ربه يأمره بذلك في قوله تعالى ” هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ” والعبودية مقرونة بالإخلاص لله، وهي الشرط الأساسي في قبول العمل، وإلا رد على صاحبه، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال “أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه، وابتغى به وجهه” وفي حديث أبى هريرة “أن رجلا يريد الجهاد وهو يريد عرضا من أعراض الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أجر له، فأعاد عليه ثلاثا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول” لا أجر له” وكما جاءت فى الخضر عليه السلام صفة الرحمة، حيث فال الله تعالى ” آتيناه رحمة ” وهذه صفة الأنبياء والمؤمنين، والله تعالى يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” فلو لم يكن رحيما لما نجح في مهمته التي أوكله الله بها وهي هداية البشرية للإسلام.
وكذلك كان مع الخضر عليه السلام صفة العلم حيث قال تعالى ” وعلمناه من لدنا علما” أي، وهذا يقتضي أنه تعالى علمه لا بواسطة تعليم معلم، ولا إرشاد مرشد، وقد آتى الله تعالى الخضر عليه السلام علما لدنيّا أهله، لأن يعلم موسى عليه السلام، وكان أهم ما تميز به الخضر عليه السلام أنه كان منطلقا في كل تصرفاته من باب المصلحة العامة، فلم يكن يتحرك لشيء بدافع شخصي، وكل الأمور التي فعلها في قصته مع نبى الله موسى عليه السلام، كانت جميعها لأجل تحقيق المنفعة للغير، وعلى وجه التحديد لعباد الله المؤمنين، الذين عرفوا حق الله فأدوه، فلم يغفل عنهم في أمورهم، وأرسل لهم ذلك العبد الصالح ليقوم على تحقيقها لهم، وقد تمحورت قصة نبى الله موسى عليه السلام مع الخضر في ثلاث مواقف رئيسة كما يحكي القرآن الكريم، الأول قصتهما مع أصحاب السفينة، إذا أنهما لما انطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة فكلموها أن يحملوهما، فعرف أهل السفينة الخضر، ولم يعرفوا موسى فحملوهما بلا ثمن ومن غير مقابل إكراما للخضر، ولما وصلت السفينة ورست عمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه منها واقتلعه من داخلها ثم رماه في البحر، وهنا اندهش موسى عليه السلام، وقال في نفسه قوم حملونا وأكرمونا وأركبونا بلا ثمن ثم بعد ذلك يخرق سفينتهم ويفسد وسيلتهم، فلم يتحمل الصمت، فقال وقد أخذته الغيرة على الحق فقال أخرقتها لتغرق أهلها.
الخضر عليه السلام ” الجزء الثامن “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا عندما خلع الخضر اللوح من السفينه ثم قال نبى الله موسى في نفسه قوم حملونا وأكرمونا وأركبونا بلا ثمن ثم بعد ذلك يخرق سفينتهم ويفسد وسيلتهم، فلم يتحمل الصمت، فقال وقد أخذته الغيرة على الحق فقال أخرقتها لتغرق أهلها، وهنا التفت العبد الرباني إلى موسى، مذكرا له بالشرط الذي بينه وبينه وملفتا نظره إلى عبث محاولة التعلم منه، فأخذ موسى يعتذر إليه بالنسيان ويرجوا منه ألا يؤاخذه ولا يرهقه فقبل الخضر عذره ونسيانه، وقد مر موسى والخضر على حديقة يلعب فيها الصبيان، حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم في ناحية من نواحي الحديقة، فجاء الخضر إلى أحدهم فاقتلع رأسه حتى فصل رأسه عن جسده، كان المشهد صادما لنبى الله موسى عليه السلام، كيف له أن يفعل ذلك وما الجرم الذي اقترفه الطفل حتى يتم قتله، وذلك هو حدود علمه ويعني ما فعلته شيء مثير للاستنكار لا يقبله العقل، فأعاد عليه الخضر ما قال له من قبل بأنه لن يستطيع معه صبرا، فأعتذر له نبى الله موسى عليه السلام، فانطلقا حتى وصلا إلى قرية يعرف أهلها بالبخل، فلما وصلا إليها، وقد نفذ ما معهما من الطعام فاستطعما أهل القرية، وطلبا منهم أن يطعموهم ويضيفوهما، فأبوا أن يضيفوهما حتى جاء عليهما المساء فآوى في الخلاء، فوجد الخضر جدارا يكاد أن يتهاوى ويسقط فقام الخضر إلى الجدار وقضى ليله كله في إصلاحه وبنائه من جديد، فقال نبى الله موسى في نفسه.
إن أهل القرية بخلاء لم يكرمونا ولم يضيفونا فلماذا يتعب نفسه فيهم ويشقى عليهم ويقدم لهم هذا العمل المجاني الذي لا يستحقونه، وقد قام الخضر عليه السلام، ووضح لموسى أسباب خرق السفينة بأنها كانت لمساكين، وفي الطريق يوجد ملك جبار يأخذ كل سفينة صالحة تمر بالطريق بالقوة، فألهم الله الخضر أن يقوم بأخذ لوح كبير منها لتبدو غير صالحة، فتسلم من الملك الجبار، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين، فكان بعلم الله كافرا لو كبر، وحتى لا يفتن أبويه أماته الله مبكرا قبل أن يبلغ الحلم حتى يدخله معهما الجنة، لأنه لو أبقاه حتى يشب ربما حُب والديه له قد يجعلهما يكفران، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة التي أهلها بخلاء، وقد ترك لهما أبوهما كنزا وبنى عليه جدارا ليخفيه من أهل القرية اللئام، وأوشك هذا الجدار على السقوط، ولو سقط لوجده أهل القرية وضاع نصيب اليتيمين، ولكن الله ألهم الخضر أن يصلحه وقبل مسحه بيده فاستقام الجدار حتى يكبرا وبعد ذلك يتمكنان من الاستفادة من هذا الكنز، ولقد قدر الله لا يدركه الإنسان إلا بعد أن يتحقق ويفسر، ولقد كان نبى الله موسى عليه السلام يتعجب من تصرفات الخضر الفورية ولا يرى لها تفسيرا، لأن هذا قدر مؤجل النتائج، فعلى المسلم أن يرضى ولا يتضجر بقضاء الله وقدره لأننا لا نعلم شيئا فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” وما أوتيتم من العلم إلا قليل” فأي شيء يحدث لك أو لغيرك لا تقول لو كان كذا لصار كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، وتذكر ما حدث لك من مصائب وكيف تحولت إلى خير وأنت لا تدري، ولو لم يترك نبى الله إسماعيل وأمه في الصحراء لم يكن ماء زمزم الذي نشرب منه، ولولا أن فدى الله نبيه إسماعيل بكبش لأصبح علينا أن نضحي بابن من أبنائنا، ولو أخذنا نعدد قدر الله الذي استبان لنا لوجدنا العجب، فعلينا أن نرضى بقدر الله حتى نعيش سعداء في هذه الدنيا، فمثلا الذي تأخر عن الزواج لا تقلق، فما تدري كم من الخير ينتظرك ما دمت قد أخذت بالأسباب، وأنت الذي تبحث عن عمل أو وظيفة: لا تخف على رزقك ورزق أولادك، فأنت لا تدري ما هو مدخر لك حتى يأتي وقته، ولا أقصد بذلك أن نتواكل ونترك البحث، بل اسع وتحرك وكل ميسر لما خلق له، وكما سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما نزلت هذه الآية كما جاء فى سورة هود ” فمنهم شقى وسعيد” فقال فعلى ما نعمل؟ على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يُفرغ منه؟ فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له” رواه الترمذي، وهكذا فإن قصة الرجل الصالح الخضر قد وردت مرة واحدة في سورة الكهف مع نبى الله موسى عليه السلام، وأن الراجح في شخصية الخضر هو أنه رجل صالح أجرى الله تعالى على يديه الكرامات وليس بنبي كما يزعم البعض، ولم يثبت دليل من الشرع أو يذكر التاريخ صفات الرجل الصالح الخضر الشكلية.
ولكن من خلال آيات سورة الكهف وقصته مع نبى الله موسى عليه السلام يتبين لنا أن الله تعالى قد أتاه قوة الجسد حيث أنه خرق السفينة، ثم قتل الغلام، ثم قان ببناء الجدار لوحده، والأصل في المسلم أن لا يبحث في هذه الأمور لأن معرفتها لا تزيد في الدين ولا تنقص منه شيئا، فالعلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، ولكن المطلوب منا أن نستفيد من قصته التي وردت في سورة الكهف ومراجعة تفسيرها لنستنبط منها الدروس والعبر، لأن الهدف من ورود القصص القرآني هو مواساة وتسلية للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعبرة للمسلمين، وروى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه قال “إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني؟ قلت أي أبا عباس جعلني الله فدائك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بنى إسرائيل” وفي رواية “أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر” والخضر سمي بهذا الاسم بالخضر،لأنه كما ورد في الحديث الصحيح أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء “رواه البخاري، والفروة هي الأرض اليابسة، وجلس الخضر مرة من المرات على أرض يابسة بيضاء ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز تحته بقدرة الله تعالى خضراء، معجزة للخضر، فمن هذا الحادث سمي الخضر خضرا، فقال ابن عباس رضى الله عنهما لما سمع هذا الخبر.
أن نوفا البكالي وهو أحد القصاص الذين كانوا يحدثون الناس بأخبار الأمم السابقة لما سمع هذا الكلام عنه “قال كذب عدو الله” وقد تتساءلون عن هذه الكلمة عدو الله كيف يكون ذلك؟ وذكر العلماء تعليلا لهذه الشدة الواردة من ابن عباس، فقالوا أن هذه الكلمة إنما أطلقها ابن عباس، ولم يرد معناها الحقيقي، وإنما وردت مورد التغليظ والزجر على ذلك الرجل الذي أخبر بشيء خلاف الثابت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد زعم أن موسى الذي كان مع الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل موسى آخر، فقال في معرض الزجر، والتغليظ، وفي حالة غضب، وفي حالة الغضب يعذر الغاضب في بعض ألفاظه التي تخرج منه، ثم قال ابن عباس رضى الله عنهما حدثني أبي بن كعب عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قال “خطب موسى في بني إسرائيل يوما حتى ذرفت العيون ووجلت القلوب، فلما انصرف تبعه رجل فقال يا نبي الله هل هناك أعلم منك في الأرض؟ قال لا، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يُرجع العلم إليه، قال بلى إن لي عبدا في مجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى وكيف لي به؟ قال خذ حوتا واجعله في مكتل وفي رواية خذ نونا ميتا، والنون هو الحوت وإليه يُنسب يونس عليه السلام في قوله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء ” وذا النون إذ ذهب مغاضبا” فالنون هو الحوت، قال خذ نونا ميتا فاجعله في مكتل فحيث فقدته فهو ثم، أي حيث يُفقد هذا الحوت فالخضر هناك، فانطلقا حتى إذا كان ببقعة من الأرض.
قال موسى لفتاه لا أكفلك كثيرا، أيقظني إذا رد الله الحياة في الحوت، قال ما كَلفت، ثم إن الحوت ارتدت إليه الحياة، وقفز في البحر، فأمسك الله عليه الماء وحبسه، فلم يستطيع أن يذهب، فلما استيقظ موسى نسي غلامه أن يخبره أن الحوت قفز إلى الماء، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، فلما كان من الغد قال موسى لفتاه ” آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا” عند ذلك تذكر الفتى أن الحوت المشوي الذي كانا سيتغديان به قفز إلى الماء، قال ذلك ما كنا نبغى فارتدا على أثارهما قصصا، أي أنهما رجعا يقصان الآثار مرة أخرى، فلما وصلا إلى هناك وجدا رجلا مسجى ببردة خضراء تحت قدميه وتحت رأسه كالذي يلتحف بلحاف فيجعله تحت رأسه وتحت قدميه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال وهل بأرضي سلام؟ أي وهل في أرضي هذه من يعرف السلام؟ قال من أنت؟ قال أنا موسى، قال الخضر أنت موسى بني إسرائيل؟ قال نبى الله موسى عليه السلام نعم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة “رواه مسلم، والذمامة بمعجمة في البداية هي الحياء والإشفاق من الذنب، وبالمبهمة هي قبح الخلق، يعني قبح الخلقة، والذمامة وهي الإحياء والإشفاق من الذنب، يعني نبى الله موسى أخذته من صاحبه ذمامة يعني ما يستطيع أن يكمل معه أكثر من كذا، بلغ الحد، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر.
حتى كان يقص علينا من أخبارهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كانت الأولى من موسى نسيانا، ولما ركبوا السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر، فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر” وهذا المثال لتقريب الأذهان ليس للمعنى الحقيقي به، يعني ليس أن علم موسى والخضر بالنسبة لعلم الله كقطرة في البحر، هو أقل من قطرة في البحر لا شيء لكن لتقريب الأذهان، أو مثل ما أخذ هذا العصفور من البحر، وإن هنا يرد إشكال بسيط، وهو أن نبى الله عيسى عليه السلام كان حي لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه، لكن مع ذلك ما زال حيا بعد المائة سنة؟ فنقول الجواب على هذه الإشكال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث” ممن هو على ظهرها يعني على ظهر الأرض، أما عيسى في السماء، إذا هو لا يدخل في الحديث، والإشكال الثاني هو الدجال الذي هو الآن حي وموثوق يعني بالحديد بالسلاسل في جزيرة من جزائر البحر، وهو الذي لقيه الصحابي لما هاجر من اليمن فتاه في البحر، فوجدوا الدجال هذا موثق في جزيرة من جزائر البحر الأحمر، أو المحيط الهندي الذي هو إذا خرج الإنسان من اليمن من الاحتمال أن يتوه في هذا البحر، أو في هذا البحر، فما هو الجواب؟ فيقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم أضواء البيان أجاب عن هذا بما ملخصه أن النص الذي رواه الإمام مسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه ” هو نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص.
الخضر عليه السلام ” الجزء التاسع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع الخضر عليه السلام، وقد توقفنا مع حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم “أرأيتكم ليلتكم هذه ” هو نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص، وإن هذه القضية تفيدهم في أشياء كثيرة ومنها أنهم يزعمون التقاءهم بالخضر، وأنهم يأخذون أشياء عن الخضر، شرائع غير الشريعة الموجودة الآن، وهذا تبرير لهم لمخالفة شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول هذا أتانا من الخضر، أو التقينا بالخضر، فقال لنا كذا وكذا، ويزعمون أيضا أنه ولي وليس بنبي، لماذا؟ لأنهم يقولون مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي، ويزعمون أن النبوة فوق الرسول وتحت الولي، يعني الولي مقامه أعلى من النبي والرسول من ظلالهم، حتى يفتحوا الباب لتغيير شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأولياء يحق لهم التشريع، ويحق لهم الخروج عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحق لهم ترك العبادة إلى آخر ذلك، وكتبهم طافحة بذكر الأخبار المزعومة المنقولة عن الخضر، ونعود الآن للدروس والفوائد والعبر التي نستنبطها من قصة الخضر عليه السلام مع نبى الله موسى عليه السلام وهو موقف طالب العلم من العالم، فإنه لابد أن يكون موقف طالب العلم من العالم موقف أدب في الطلب، ولا بد أن يطلب العلم منه بأدب، وأن يكون مؤدبا، انظروا إلى موسى عليه السلام كيف خاطب الخضر، فكان ذات أسلوب استفهام، مؤدب جدا هو يخيره.
يقول يعني إذا كنت مشغول أو لا تريد أو لم تشأ فأنا لا ألزمك بهذا، وأنا تابع لك لا أخرج عنك هل أتبعك اتباع، وقال له كذلك سأكون عند حسن ظنك، كذلك يجب أن يكون موقف طلبة العلم من العلماء حسن الأدب، لا يرفع صوته فوق صوت العالم، ولا يحتج مع العالم، ولا يجهل العالم، ويسفه رأي العالم العلماء ورثة الأنبياء، وكذلك التواضع في طلب العلم الشرعي، فلابد أن يكون هناك تواضع في طلب العلم الشرعي، ولابد أن يكون حرص على الاستفادة من الآخرين حتى لو كنت أعلم من هذا الآخر بشيء، فقد يكون الآخر أعلم منك بشيء آخر، فإذا ليس من الصحيح أن تقول والله أنا أعلم من فلان، لماذا أذهب أتلقى عنه العلم؟ كيف أسأله؟ لا قد تخفى أحيانا مسائل على عالم وتظهر لطالب علم، وكم من صغار الطلبة في حلقات المشايخ والعلماء يفيدون الشيخ بأشياء لم يكن يعرفها من قبل، وهذا معروف فيجب التواضع في طلب العلم من الناس، حتى لو كانوا أصغر شأنا أو أقل علما، ونبى الله موسى عليه السلام هو أفضل من الخضر، ونبى الله موسى من أولي العزم من الرسل، وإن الخضر ليس من أولي العزم، فموسى أفضل من الخضر، لكن هل دفع موسى هذه المنزلة التي أعطاه الله إياها على التكبر على الخضر، ويقول: كيف أتبع هذا لا يمكن أن أتبعه، لا بل حرص على أن يتبعه، وسأل الله عز وجل كيف أستدل عليه، وكيف أذهب إليه؟ وأن الإنسان مهما أوتي من علم فهو جاهل، ويعني جاهل بالنسبة إلى علم الله.
مهما أوتي من علم فعلمه قليل، ولذلك يقول الخضر لنبى الله موسى ” وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا” فعندما يسئل الإنسان عن شيء لا يعلمه ماذا يقول؟ الله أعلم، أو يقول لا أدرى، كذلك عدم الموقف السلبي من الشيء إلا بعد تعلمه، والوقوف على حقيقته، وهذا يعني الناس أعداء ما جهلوا، العادة أن الواحد إذا جهل الشيء يصبح عدوا له، ولذلك لا يحسن بالإنسان لا يجوز له أن ينكر قضية حتى يعرف يقف على حكمها، لأن بعض الناس أول ما يسمع الحكم قد يكون حكم غريب عليه أول مرة يسمعه، يبادر فورا إلى إنكاره، هذا لا يجوز، هذا غير صحيح، فإذا وقفت على المسألة عرفت الأدلة وسألت عنها أهل العلم وإلا تنكر مباشرة هكذا من عندك، ولذلك أحيانا يقف الناس من الداعية موقف العداء، قد لا يكو موقف العداء لمجرد العداء والشر في النفس، ولكن يقفون منها موقف العداء لجهلهم بها، لذلك يجب على الداعية أن يوضح دعوته للناس حتى لا يسبب العداوة منهم لدعوته، ويعني هذا أن بعض الناس يعادون ليس من أجل العداوة أو فيهم شر، وإنما يعادون لأنهم يجهلون حقيقة ما تدعوه إليه، لذلك لا بد من توضيح دعوتك، وكثير من الناس سبب صدودهم ومعاداتهم الجهل، وقيل أن واحد من المسلمين ذهب إلى بلد، فوجد وهو يمشي في شارع من شوارع تلك البلدة وجد أصوات وضوضاء وجلبة وتجمع ناس، فذهب فسأل ما هذا؟ قالوا هذا مؤتمر أو اجتماع، فقال لهم لماذا الاجتماع هذا؟
قالوا عقدنا اجتماع لنسب ونبين مثالب هذا الضال الذي أضل الناس, وفتنهم عن دينهم، وأتى بالبدع، قال ومن هذا الرجل؟ قالوا ابن تيمية، فأمسك هذا الرجل واحدا من هؤلاء الناس الذين مشتركين في هذا الاجتماع، فقال له هل قرأت شيئا لابن تيمية؟ قال لا، ما قرأت شيئا لابن تيمية، فقال له كيف تحكم على الرجل وأنت لم تقرأ له، وأنت لم تعرف عنه؟ ثم أعطاه نسخة من كتاب العقيدة الواسطية مترجمة بلغة بلده، وأعطاه عنوانه، ثم رجع إلى بلده، بعد فترة وصلت من ذلك الشاب رسالة، يقول فيها بعد السلام والتحية لقد أطلعت على الكتاب، وقد عرفت الآن لماذا ابن تيمية شيخ الإسلام؟ لأنه جاهل ما يعرف ما قرأ، والناس عادة يتابعون بعضهم، يعني واحد يطلع إشاعة فلان عدو الله، فلان مبتدع وضال، وواحد يرفع لواء السب والشتم والبدعة يتبعوه، وأن هناك موقف آخر حصل في بلد أخرى، حيث كانت سمعة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في هذه البلد كانت سمعة سيئة جدا، وبعض الحجاج الذين كانوا يأتون إلى الحجاز، وكان في الحجاز من يعادي دعوة شيخ الإسلام كانوا يرجعون معهم إلى بلدهم، وإلى سائر أقطار العالم الإسلامي بأفكار سيئة، ومضللة عن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ما قابلوه، ولا سمعوا منه حتى أن بعض علمائهم في بلدهم كانوا على الملأ يشتمون الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويسبونه، فذهب أحد طلبة العلم أخذ كتاب كشف الشبهات، أو كتاب آخر للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
ونزع غلافه الذي عليه اسم المؤلف، وطرق باب هذا العالم، أو ما كان موجود فدخل، وجلس ووضع الكتاب على طاولته، وانصرف جاء هذا العالم الذي كان يسب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ويشتمه في المجالس، والملأ، ووجد الكتاب على الطاولة، وبدافع حب الاستطلاع وتعلم العلم فتح الكتاب، وقرأ الكتاب، فوجد كلاما جميلا جيدا، ثم أنه سأل من الذي أحضر الكتاب قالوا له فلان، فلما قابله، قال يا أخي هذا الكتاب جيد وممتاز، وأنا أتمنى أن أعرف من الذي ألف الكتاب، قال ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أنت تقول عنه كذا وكذا، فأصبح هذا العالم من كبار أنصار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بلده، وكذلك من الدروس المستفاده أن الرجل الذي يعلم الناس يجب أن يكون متواضعا، قد يحمل العلم بعض الناس على التكبر على الآخرين بعلمه، يرى أنه أفضل منهم، وأعلا منهم، وأعلم منهم، فيتكبر عليهم، وما يعطيهم وجه حتى لو جاءه واحد يسأله، يقول له أبعد عني أنا مشغول، فهذا مناف لأدب الشرع، ولذلك انظروا إلى الخضر عليه السلام لما كان هو ونبى الله موسى في السفينة، وجاء طائر فنقر في البحر، ماذا قال الخضر؟ قال يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر العصفور في هذا البحر، هذا الكلام لا يصدر إلا عن رجل متواضع، وكذلك من التواضع في طلب العلم نسبة العلم إلى الله تعالى حتى لو استنبط إنسان استنباطا جيدا، وهذا القول ما سبقني إليه أحد من الناس.
وأنا أول من كشفته، وأول من أصدرته، ولم أر هذا الكلام لأحد في كتاب من قبل، ويرجع الفضل في هذا الاستنباط وهذا الكلام لله وحده، هو الذي وهب العقل، فأي شيء تستنبطه بعقلك أساسا ما أتيت به من عندك، يعني صاحب الفضل هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أعطاك هذا العقل، كذلك لابد أن نعرف أن العلم أحيانا يكون بطريقة شديدة على النفس، ويكون على حساب مشاعر الإنسان وأحاسيسه، ويعني ذلك أنه أحيانا الواحد إذا تعلم قضية قد يقف في شيء من الذلة، يعني موقف من الذل، لذلك أحيانا، واحد يخطئ ويقع في مزلة، فيأتي إنسان ويصحح له هذا الكلام قد يكون التصحيح برد على الملأ، يقول له هذا خطأ الذي ذكرت خطأ، وخصوصا إذا كان التصحيح لمصلحة شرعية، مثل أن الخطأ هذا أمام الناس، ولابد من إنكاره، الآن إذا تفرق الناس من يصلح لهم الخطأ، الإنكار هكذا أمام الناس على الملأ، قد يجعل الشخص الآخر المتكلم يجد في نفسه غضاضة، كيف يجرح شعوري أمام الناس؟ وكيف يخطئني أمام الناس؟ أو يرد عليه مثلا بكتاب، أو بمقال يرد على خطئه بمقال، وينتشر هذا المقال بين الناس، وهذا الكتاب بين الناس، الآن القضية شديدة على النفس، التصحيح صار على الملأ أمام الناس، التسفيه أمام الناس، ما هو الموقف الصحيح؟ فهل الموقف الصحيح أن يصدر هذا الإنسان ردا على ذلك الرد؟ ويدافع فيه عن نفسه بالباطل؟ وغرضه من هذا الرد إعادة الاعتبار إلى نفسه، وحتى يعني يظهر ويلمع صورته أمام الناس؟
هل هذا هو المطلوب؟ كلا فإن الاعتراف بالحق فضيلة، لا بأس أن يقول في مقال آخر، والفضل لله تعالى ثم لفلان الذي نبهني إلى هذا الخطأ، والذي بصرني فيه، والذي وضح لي القضية، فبعض العلماء تجد هذا في كتبهم يقول وقد كنت برهة من الزمن أظن أن القضية كذا وكذا، وأن شرح الحديث الفلاني كذا وكذا حتى نبهني بعض صغار طلبة العلم إلى الموضوع، يبين، هذا تواضع، أما أن يحملنا تخطئة الآخرين الصحيحة تبيان الصحيح، يحملنا على أن نسفه آراءهم، ونجحد فضلهم، ونقول نحن اكتشفنا هذا بأنفسنا، وأنا اكتشفت القضية من نفسي، وهو ما اكتشفها من نفسه، فهذا من المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، فلابد أن يكون اتباع الشيخ، والعالم على حسب الشرع، فالقاعدة الإسلامية لا تكون الطاعة إلا بالمعروف، وإن بغير المعروف ليس هناك طاعة، والذين يلزمون متبوعيهم بأن يطيعوهم، ويقولون لهم إذا أخطأنا الإثم علينا نحن أنتم مالكم شغل، أنتم فقط اتبعونا، هذا كلام خطير، الله تعالى في عدة مواضع في القرآن الكريم ينعي على الكفار والمشركين أنهم ما عندهم أدلة على كفرهم وعلى مبادئهم فقال تعالى كما جاء فى سورة الأحقاف “ائتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين” أى هاتوا دليل؟ أتبعك على ماذا؟ لابد أن يكون هناك بصيرة، توضح لي الموقف فأتبعك، أما أنك تجرني خلفك بسلسلة، وتقول أينما ذهبت تذهب ورائي، هذا غير صحيح، هذا مبدأ غير إسلامي، وغير شرعي.
الخضر عليه السلام ” الجزء العاشر “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع الخضر عليه السلام، وتوقفنا مع الدروس والعبر من قصة نبى الله موسى والخضر عليهما السلام، ويوضح لنا الله عز وجل فيقول كما جاء فى سورة الأحزاب ” وقالوا ربنا إنا ” يعني المتبوعين يوم القيامة يتبرؤون ممن تبعوهم، والعكس ” أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ” كذلك لابد أن نفهم على العكس من ذلك الوجهة الأخرى من الموضوع أنه لا يعني هذا الكلام أنك إذا وثقت بإنسان تتعلم منه، وتتلقى منه، ويربيك بالعلم، ولا يعني أنك لا تثق فيه، ولا تسير وراءه، ولا تتبعه، كلا أنت تتبع من هو أعلم منك، لكن عندما يخالف الشرع لا يجوز لك أن تتبعه مطلقا، تقول له قف، وتقول لنفسك قفي، لا تتبع إذا رأيت قضية مخالفة للشرع لا يجوز لك مطلقا الاتباع، وكذلك محل الثقة بالشيخ إذا لم يخالف الشرع، فإذا خالف الشيخ الشرع فلا يوثق به، ولا يستجاب له، ومن الفوائد في قصة الخضر عليه السلام أيضا مراعاة العدد ثلاثة في الشرع، العدد ثلاثة ما أقصد مجرد العدد ثلاثة لا أقصد عدد المرات مراعاة العدد الثلاث مرات في الإعذار إلى الناس، وفي انتهاء الأمر، أمثلة من الشرع مثلا انظر إلى الطلاق يعني الطلاق الحد الأخير الذي يجب فيه الانفصال ولا رجوع بعده إلا بزوج آخر هو بعد ثلاث مرات، لماذا؟ لأن الأولى والثانية في أمل، لكن إذا وقعت الثالثة طلاق انتهى الموضوع، ومعناه أن الأمور ما يمكن تستقيم، إذا وصلت المسألة إلى المرة الثالثة بلغ العذر إلى منتهاه.
ما تستقيم الأمور بعد المرة الثالثة، خلاص ثلاث مرات انتهى الموضوع، وكذلك مثلا في قتل الحية التي في البيت فإن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل الحيات، إذا رأى الإنسان حية في بيته لا يقتلها مباشرة، لأنها قد تكون من إخواننا من الجن، فلا يقتلها الإنسان مباشرة، وإنما يقول لها أخرج عليك بالله ثلاثا لِتخرجي، مثلا ثلاث مرات متوالية، أو أقسمت بالله عليك لتخرجي من هذا المكان، أقسمت عليك بالله لتخرجي، أو أحرج عليك بالله لتخرجي، فإن لم تخرج يقتلها أعذرها، فالعذر بالمرة الثالثة وارد في الشرع كثيرا، وله أمثلة، وأيضا لابد أن يوضح الخطأ بعد كل مرة، فالنقطة الأخرى المتعلقة بقضية الإعذار، وهو أنه لابد لكي يصبح الإنذار إعذارا لابد أن يوضح الخطأ بعد كل مرة، يعني لا يكفي أن الإنسان إذا رأى واحد مثلا خطأ يقول في نفسه هذا واحد إذا أخطأ مرة ثانية، يقول في نفسه هذا اثنين أخطأ ثالثة خلاص انتهى الموضوع، ولكن وضح له الخطأ إذا أخطأ المرة الأولى، فقل له يا أخي أخطأت، وإن الصواب كذا وكذا، وأخطأ في المرة الثانية توضح له أن هذا خطأ، مثل الخضر عليه السلام في المرة الأولى فقال ” قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا” وكذلك بين له المرة الثانية، قال ” قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا” فإذا فعل المرة الثالثة عند ذلك يحصل الإعذار انتهى، لكن ليس إلا بعد التبيين، وكذلك أيضا من فوائد هذه القصة هو فرح الإنسان بكل علم جديد.
ولهفه وشوقه إلى تحصيله، وكذلك أيضا التدرج في العتاب، ويعني هذا، أنت إذا الواحد أخطأ معك وأردت أن تصلح فيه خلل أو عيب ما، لا تبادر فورا، وتنكر عليه بشدة، ارفق به، وتدرج في العتاب، وأن نبى الله موسى عليه السلام دفع ثمن الخطأ بدرس عملي، راح وأخذ معه حوت، وأخذ معه خادم، وسافر وذهب، ووجد المشقة، وذهب مع الرجل في السفينة، وعلى الساحل، ونزل في الجانب الآخر، وراحوا إلى القرية، وهم جوعا، ثم إنه وجد هذا الحرج الشديد لما عصى الرجل ثلاث مرات، فنبى الله موسى ما نال هذه التربية بسهولة جدا، إنما كانت هذه التربية له بأحداث قدرها الله تعالى، وساقها وأجراها لحكمة علمها عز وجل، ولابد من مراعاة النسيان، وأن النسيان عذر شرعي، فلا نحمل إخواننا، ونحمل الناس أشياء فوق طاقتهم لمجرد أنهم نسوا، إلا إذا تبين أن هذا النسيان هذا متكرر في نفس الموضوع، وأنه ليس بنسيان إنما هو إهمال فهذا شيء آخر، لكن لقد نسي الأنبياء، ونبى الله موسى نسي لما في المرة الأولى، واعترض يوشع بن نون النبي الآخر، نسي أن يخبر موسى بأنه قد فقد الحوت، ما أخبره إلا بعد فترة، وأيضا نبى الله موسى نسي أن يسأل يوشع عن الحوت، وهذا معنى قول الله سبحانه وتعالى ” نسيا حوتهما” فيوشع نسي أن يخبر موسى بأنه فقد الحوت، وموسى نسي أن يسأل يوشع أين الحوت؟ وكذلك فإذا اشترط المتبوع على التابع شروطا معينة في عملية تلقيه للعلم هنا فإنه يحق له ذلك، ويجب على التابع.
أن يفي بشروطه نحو المتبوع إذا كان الشروط شرعية، مثال الآن واحد يريد أن يتعلم يدخل معهد أو كليه، فتكون هذه الأماكن لها قوانين وشروط عندما يسجل اسمه فيها، وينتظم في الدراسة، ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنه قد وافق ضمنيا على أن يعمل بهذه الشروط ما دام رضي أن يتعلم في هذه الأماكن، ويواظب عليها، وهذا يعني أنه لا يحق له الخروج على أنظمة وقوانين تلك الأماكن ما دام أنها شرعية، ولذلك يجوز للشيخ أو العالم أو القدوة أن يشترط على الآخرين في اتباعهم له شروطا شرعية، وهم ملزمين إذا ساروا معه بأن يلتزموا بهذه الشروط، مثلما التزم الخضر عليه السلام الشرط على نبى الله موسى عليه السلام، فقال ” قال فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا” وقد وافق موسى وسار معه على هذا الأساس، لذلك ليس محقا عندما اعترض موسى على الأشياء هذه التي اعترض عليها، ومن قصة الخضر، لابد أن تكون الشخصية المسلمة معروفة بين الناس، لابد أن يكون الإنسان المسلم متميز بأخلاقه وعقيدته وعلمه أمام الناس، حتى يعرف صاحب الخير فيؤتى ويسأل ويقتدى به ويتعلم منه، فهذا الخضر عليه السلام لما هو كان ماشي على ساحل البحر طلب من المساكين أصحاب السفينة أن يحملوه فقال في الرواية فعرفوه فقالوا عبد الله الرجل الصالح عرفوه يعني كان معروف بين الناس، ما كان مندسا ولا تحت الأرض في سرداب ولا قابع في زوايا الخفاء والاحتجاب عن الناس.
كان ظاهرا أمام الناس بعلمه وعقيدته وأخلاقه فكان قدوة معروف، قالوا هذا الخضر عبد الله الصالح عرفوه يعني كان معروف، فيجب كذلك على الدعاة إلى الله أن يكونوا شامة بين الناس كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، ومن الفوائد كذلك أن التابع لابد أن يبين استعداده لتحمل المشاق، لما قال يوشع بن نون قال لموسى قال ما كلفت كثيرا، يعني قال ما هذا الأمر الذي كلفتني ليس بكثير وأنا إن شاء الله سأصبر، ما قال لموسى أنت تريدنى أن أراقب طول اليوم الحوت وما أنام ولا أستريح، لا لم يقول ذلك، فلابد كذلك عدم إظهار التثاقل من التكليف، والتكليف مثل موسى كلف يوشع قال له حيث فقدت الحوت أخبرني، فيوشع من فقهه في التربية وأنه الآن يتعلم وقد ذهب مع موسى في هذه الرحلة ليرى ويقتبس منه ويقتدي به قال ما كلفت كثيرا هذا شيء بسيط إن شاء الله وسهل، كذلك مما ذكره ابن حجر رحمه الله جواز قول العالم للناس اسألوني كما قال ابن عباس للناس اسألوني قال وهذا محل فيما إذا أمن العجب، يعني أمن من أن الناس والله لأن بعض الناس قد يقول سلوني من باب التكبر اسألوني يلا أي شيء أنا مستعد بس منتظر الأسئلة، فهذا إذا أمن من العجب ودعت إليه الضرورة مثل خشية نسيان العلم أو مثلا أحيانا الشيخ يكون مهاب فالناس أمامه يكونون من هيبته لا يستطيعون يعني يتحرجون من السؤال، فهو إذا رأى هذا فيهم يقول اسألوني إزالة لهذا الحرج الذي يمنعهم من السؤال، كذلك نبى الله موسى عليه السلام
كما ورد في الرواية يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال ابن حجر رحمه الله فإذا يستحب للواعظ إذا أثرت موعظته في السامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفف حتى لا يملوا، وأيضا تواضع نبى الله موسى عليه السلام لما رآهم تأثروا مشى مباشرة ما جلس ينتظر، فلما أدى الغرض وحصل المطلوب وخشع الناس وسالت العيون ورقت القلوب مشى، أدى اللي عليه ومشى، لا ينتظر من الناس إحسانا ولا شكورا، كذلك دفع أشد الضررين بارتكاب أخفهما، فقلع ألواح من ألواح السفينة ضرر لكن أن يأخذ الملك هذا الظالم يأخذ السفينة غصبا ضرر آخر أكبر، فالخضر عليه السلام قلع اللوح مع أنه ضرر درءا للضرر الذي هو أكبر منه وهو أن يستولي هذا الغاصب على السفينة، وإن الله يعين من يذهب في سبيله، فإذا ذهب الإنسان في سبيل الله لغزو أو حج أو عمرة أو رحلة في طلب العلم الله عز وجل يعينه، فلما ذهب نبى الله موسى لميقات ربه ما نقل أنه أصابه النصب والإعياء والتعب، لكن لما خرج موسى من أرضه إلى مدين فارا بنفسه هاه يعني لقصد أن ينجو بشخصه بنفسه لقي نصبا وجوعا إلى آخره، فالله عز وجل يعطي البركة ويطرح البركة في طالب العلم والرجل الذي يذهب في سبيل الله فقد لا يتعب مما يتعب منه غيره وقد لا يجوع ويظمأ مما يجوع ويظمأ منه غيره، كذلك اختيار الرفقة في السفر مثلما اختار موسى عليه السلام يوشع بن نون.
وأيضا اختيار الرفقة الصالحة التي تعين وتذكر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستعانة في طلب العلم والصبر عليه بقول نبى الله موسى عليه السلام” ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا” كذلك وجوب إنكار المنكر في كل زمان ومكان، صح أن موسى أخطأ في إنكار القتل، لكن قتل النفس أمر منكر، فلابد يؤخذ منه درس الإنكار إذا رأى الإنسان منكرا، مقابلة الإساءة بالإحسان لما دخل القرية وهؤلاء اللي أبوا أن يضيفوهما، فقابل إساءتهم بالإحسان، كذلك حسن الأدب مع الله عز وجل وأن لا يضاف إليه ما يستهجن من الألفاظ، فانظر ولو أن الأشياء كلها بتقدير الله وخلق الله من الشر والخير، الله عز وجل هو الذي خلقه وقدره، لكن مثل نبى الله إبراهيم عليه السلام لما قال” الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين” ما قال وهو الذي يمرضني ويشفين، قال وإذا مرضت، لأن المرض شر في ظاهره، كذلك هنا الخضر عليه السلام كان مؤدبا مع ربه فقال” فأردت أن أعيبها” وذلك في خرق السفينة، لكن لما جاء على الغلام قال” فأراد ربك” أو على الحائط “فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما” أما في قلع السفينة الشر قال “فأردت أن أعيبها” هناك قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك، كذلك انتفاع الآباء بصلاح الأبناء، فإن هذا الرجل كان وكان أبوهما صالحا، كان أبوهما صالحا، صلاح الأب تعدى إلى الأبناء فقيض لهذين الولدين اليتيمين من يحفظ مالهما من الضياع والتلف واللصوص إلى آخره.
وكذلك الخبر لا كالمعاينة فإن موسى مع أن الخضر اشترط عليه ذلك، لكن وفي البداية وافق وتحمس، ولكن عندما جاءت الأمور على حقيقتها هنا عرف السبب، ولذلك يبلى الإنسان بأن مثلا ابنه قد مات وهو مثلا بعيد يحزن وكذا، لكن عندما يأتي ويرى جثة ولده أمامه تكون القضية مختلفة، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح “الخبر لا كالمعاينة، الخبر لا كالمعاينة” لما تعاين الشيء بنفسك غير لما تسمع عنه سماعا، كذلك استخدام وسائل الإيضاح في عرض الدعوة وتوضيح الأفكار للناس وعرض المفهومات الإسلامية مثل ما استغل الخضر عليه السلام العصفور هذا الذي نقر في البحر، وهنا قال لموسى أن علمي وعلمك في علم الله ولا شيء، لكن استغل هذا العصفور وهذه الصورة فشرح لموسى هذه القضية بهذه الصورة من الإيضاح، كذلك جودة الاعتذار لما قال يوشع بن نون إني نسيت الحوت اعترف بالخطأ، وما أنسانيه إلا الشيطان، وموسى عليه السلام كذلك كان مسلم الأمر لله تعالى لما قال له خذ حوتا، ما قال له حوت كبير، أم حوت صغير، أبيض، أم أسود، كم وزنه وكم طوله وكم عرضه وفين مكانه ومن فين أصيده ومن أين آتى به، ما فعل مثل ما فعل بنو إسرائيل تأمل الفرق بين موسى في الحوت وبنو إسرائيل في البقرة، ومنه رفق التابع بالمتبوع، لما يوشع قال لا أريد أن أوقظ موسى عليه السلام رفق به تعبان، مع أن يوشع أيضا تاعب، لكن رفقا بسيده أو بمتبوعه وقدوته جعله ينام ويستريح حتى يخبره فيما بعد، كذلك أخيرا لابد أن طلب العلم ليس بالأمر السهل، لابد أن يكون فيه شدة، لابد أن يكون فيه نصب، لابد أن يكون فيه تعب، مثلما حدث لنبى الله موسى عليه السلام.
السيدة بشرى
كيف جعلت زوجي يحبني أكثر من باقي زوجاته، زوجي متزوج من 3 زوجات، أنا الزوجة الأولى، كان يعطي الكثير من الاهتمام للزوجة الثانية والثالثة، أبحث على الإنترنت كيف يمكنني أن أجعل زوجي يحبني، حاولت أن أساعد بإمكاني الحصول على الإنترنت، لكنه لم يكن يعمل، أشرح لصديقتي التي كانت تعيش بسعادة مع زوجها، قبل أن تقول لي السر، كنت بحاجة إلى أن أقسم مع الله أنني لن أشاركها سرها أعدها، ثم قالت لي أنه كان تعويذة الكاستر التي تساعدها على استدعاء الدكتور ساكر شرحت لي كل شيء، كنت مهتما جدا أن أرسل رسالة له على الWhatsApp +2349076034359 بعد محادثتنا على الWhatsApp ثم قال لي ما سأفعله وبعد 6 ساعات كل شيء سيكون على ما يرام ، وفعلت ذلك ، في غضون 6 ساعات جاء زوجي لي واشترى لي بعض هدية ، زوجي الآن الحب والاعتزاز لي أكثر من أي شيء انه مجرد اشترى سيارة جديدة ، أي شيء أطلب منه انه يفعل ذلك دائما ، يمكنك أيضا إرسال البريد الإلكتروني الدكتور Sacre [email protected] هو الوحيد الذي تحتاجه
السيدة بشرى