الإسراء والمعراج بين التسلية والإعجاز
بقلم الدكتور حسني بكري السعيد
جاءت رحلة الإسراء والمعراج تسلية للرسول ، وإعجازا له وللرسالة الخالدة عبر العصور والأزمان.
أما من حيث التسلية:- فإنها جاءت في وقت كان النبي (ص) في أمس الحاجة إلى هذه الرحلة الربانية الممتعة ، فهذه الرحلة كانت مكافأة ربانية للنبي (ص) على ما لاقاه من أتراح وآلام وأحزان ؛ إذ جاءت هذه الرحلة بعد حصار دام ثلاث سنوات في شعب أبي طالب ، ذاق خلالها المسلمون ويلات الجوع والعزلة والحرمان ، وبعد فقد الناصر والمعين ، الذي كان يدافع عن النبي (ص) ، وبعد فراق زوجته خديجة -رضي الله عنها- ، وبعد خيبة الأمل في ثقيف ، وما ناله (ص) من سفهائها ، وصبيانها ، وعبيدها.
وفي خضم هذه الظلمات التي أحاطت بالنبي وصحبه ، إذا بشعاع يشع منه النور والأمل ، وبعد هذه الآلام تأتي الآمال ، ويكافىء الحبيب حبيبه ،ويرفعه إليه ، ويقربه منه ،ويخلع عليه من حلل الرضا والسكينة ما يهون به عليه ما لاقاه من حزن وألم ونصب.
أما الإعجاز :- ففي كيفية هذه الرحلة العظيمة ، التي تفوق قدرة البشر ، وما انطوت عليه من مشاهد وأحداث، وهذا ماسطره القرآن الكريم ، ورسمه في لوحة فنية محكمة ، ابتدأها بقوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)
فافتتاح الآيات الكريمات بكلمة التسبيح(سبحان ) دون سبق كلام متضمن مايجب تنزيه الله عنه، يوحي بأن خبرا عظيما وأمرا جللا يستقبله السامعون دالا على عظمة قدرة المتكلم ، ورفيع منزلة المتحدث عنه.
والإسراء في اللغة ، السير ليلا .ثم جاءت كلمة (ليلا) منصوبة على الظرفية ، ومنكرة، لتصور هذا الإعجاز في أعلا مراتبه؛ حيث إن هذه الرحلة الفريدة ، وهذه الأحداث العظيمة ، والمسافات الطويلة ، لم تستغرق إلا جزءا قليلا من الليل ؛ وهذا ما أفاده التنكير في كلمة ( ليلا) لأن التنكير في اللغة يدل على البعضية.
أما إسناد كلمة (سبحان) إلى الاسم الموصول(الذي) ، وإيثار التعبير بالاسم الموصول عن الذات الإلاهية دون الاسم العلم ، للتنبيه على ما تفيده صلة الموصول من الإيماء إلى وجه هذا التعجب والتنويه وسببه ،وهو ذلك الحادث العظيم ،والعناية الكبرى، وللدلالة على أن حديث هذه الحادثة قد فشا بين القوم ، آمن به المؤمنون ، وأنكره المشركون الجاحدون.
ثم جاء حرف الجر (الباء)في كلمة( بعبده) ليخلع على المعنى ما يناسب هذة الرحلة الربانية المباركة من المصاحبة ،والمعية، والحفظ ، الكائن منه سبحانه لرسوله الكريم.
ثم اذداد ذلك المعنى وتزين بهذه الإضافة اللطيفة في اللفظ والمعنى ؛ أما اللفظ:- فباستخدام كلمة (عبد) وما لهذة اللفظة من معان سامية لا يتوصل إليها إلا بكل ما هو شاق.
أما المعنى:- فبهذه الإضافة في قوله (بعبده) التي لاتفيد تعريفا ولا تخصيصا ، وإنما لا تكون في هذا الموضع إلا للتشريف ؛وذلك لأن وصف العبوديةلله متحقق لسائر المخلوقات ، فلا تفيد إضافته تعريفا.
وقوله (لنريه من آياتنا ) تعليل الإسراء بإرادة إراءة الآيات الربانية. تعليل ببعض الحكم التي لأجلها منح الله نبيه هذه الرحلة المباركة ، فإن للإسراء حكما جمة تتضح من حديث الإسراء الذي أورده الإمام البخاري في صحيحه ، ومن أهم هذه الحكم وأجمعها ، إراءته (ص)بعضا من آيات الله ، ودلائل قدرته ورحمته .
ولما كانت لام التعليل لا تفيد حصر الغرض من متعلقها في مدخولها ، وإنما تدل على جزء منه ، اقتصر التعليل على ذكر رؤية بعض الآيات ؛لأن تلك العلة أعلق بتكريم المسرى به والعناية بشأنه، ولأن رؤية الآيات تزيد يقين الرائي بوجودها.
وهكذا تظل رحلة الإسراء رحلة حافلة بالمعجزات والحكم على مر العصور والأزمان.
