
نبى الله يعقوب ” الجزء الأول “
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن الأنبياء والرسل كلهم صادقون مرسلون من عند الله عز وجل، والمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء ولا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون راشدون وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله تعالى حتى نسخ الجميع بشرع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة البقرة ” كل آمن بالله وملائكته ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ” فلا فرق بين رسول الله تعالى والأنبياء والمرسلين من قبله في صدقهم ورسالتهم وبعثهم، وإنما الفرق من ثلاثة وجوه وهي أدلة ختم النبوة والرسالة فلا نبوة بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا رسالة، فالأنبياء والرسل جاءوا لهداية البشرية في أطوارها المختلفة وذلك شبيه بأساتذة المراحل التعليمية فالجميع معلمون والكل يكمل بعضهم بعضا في تلبية حاجة العقل البشري بمراحله حتى انتهى الأمر ببعثة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جمع الكمالات الإنسانية والمنهج الكامل المحفوظ، فقال تعالى فى سورة فاطر ” وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ” ولو أوكل الله تعالى البشرية إلى عقولها لضلت.
ولما كان الله سبحانه أرحم بعبيده من عبيده بأنفسهم اجتبى من البشر رسلا وأنبياء يبلغون وحي الله إلى الناس ويعطون الصورة العملية للالتزام فهم القدوة والمثل، وإن الإيمان بالأنبياء والرسل من أركان الإيمان، أي إن من جحد نبيا من الأنبياء، أو من كفر بنبى من الأنبياء، أو بهم جميعا، فهو ليس من أهل الإيمان، وإن الإيمان بالرسل يُشعر بالطمأنينة في القلب، ويبعث على التوازن بين الدين والدنيا، ومآل ذلك خيرية الدارين، وصلاح الأمرين، أمر الدنيا، وأمر الآخرة، وفساد الإيمان بهم فساد للروح ولعنة للجسد، وإن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله فمن آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر بالله وبجميع رسله فقال تعالى ” إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا، والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ” وإن من حقوق الرسل والأنبياء علينا بعد حق الإيمان بهم أن نحبهم في الله وأن نوقرهم ونجلهم ونعظمهم دون غلو في أحد منهم فلا يدعى لأحد منهم علم الغيب.
ولا التصرف في شيء من الكون ولا تصرف لهم شيء من العبادة فلا يدعون ولا يستغاث بهم ولا تقرّب إليهم النذور لأن الله تعالى نهى أن يعبد معه أحد سواه ولو كان نبيا رسولا، ولقد اختار الله تعالى الأنبياء والمرسلين، وفضلهم على العالمين، وجعلهم أئمة هدى للعابدين، فقال عز وجل ” وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا” وذلك ليقتدي الناس بهم، ويهتدوا بسيرتهم، وقال سبحانه وتعالى ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” ومن هؤلاء الأنبياء، والصفوة الأتقياء هو نبي الله يعقوب عليه السلام، الذي نشأ في بيت علم وحكمة، وتلقى فيه قبسات النبوة، فهو النبي ابن النبي ابن النبي، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، عليهم السلام أجمعين، ونبى الله يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم وهو أحد الأنبياء المذكورين في التوراة والقرآن، وبحسب بعض الروايات والآيات القرآنية فإن يعقوب كان على دين جده الخليل إبراهيم عليهم السلام وكذلك كان أبناءه من بعده، وقد ذكرت الروايات التاريخية أنه ولد وعاش فترة من الزمن في أرض كنعان، ومن ثم ارتحل إلى أرض حرّان وتزوج هناك من ابنتي خاله، كان له كذلك جاريتان، وبعد مدة من الزمن عاد هو وأولاده ومن بقي من زوجاته إلى أرض كنعان، ثم ارتحل في آخر حياته إلى مصر، وعاش هناك حتى وفاته، وكانت وصيته أن يُدفن عند والده إسحاق وجدّه إبراهيم عليهم السلام في أرض كنعان.
وقد أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، فقال عز وجل ” واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار، إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار، وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار” وكما مدح الله تعالى يعقوب عليه السلام، بالعلم الذي آتاه الله إياه، فقال سبحانه وتعالى ” وإنه لذو علم لما علمناه ” فلنأخذ قبسا من فيض علمه وحكمته، وقيمه الإيمانية والتربوية، التي نشأ عليها أبناءه، ولقد أمضى نبى الله يعقوب عليه السلام حياته في طاعة ربه، ودعوة قومه، وتربية أبنائه، فلم يترك نصيحة إلا أداها لهم، ولم يدخرها عنهم، فغرس قيم الإيمان في نفوسهم، وأكد على توثيق صلتهم بربهم، قائلا لهم ” يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” وحرص عليه السلام على أن يستمروا في طاعة الله تعالى من بعده، فقال لهم ” ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ” وعزز عليه السلام في قلوبهم صدق التوكل على الله تعالى، لذلك قال لهم ” إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون” أي به وثقت أن يحفظكم، ويحميكم ويرعاكم، فمن توكل على الله كفاه كل ما أهمه، ولقد قال الله تعالى ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه ” .
وكما غرس نبى الله يعقوب عليه السلام في نفوس أبنائه الثقة بالله تعالى، والتمسك بالأمل والتفاؤل، فإنه قال لبنيه ” ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” فأمرهم ألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله، فما أعظم الأمل تنال به المطالب، ويثمر كل خير، ولقد مد يعقوب عليه السلام جسور الثقة بينه وبين أولاده، فعندما رأى يوسف عليه السلام رؤياه، ما وجد أقرب إلى قلبه من أبيه ليقصها عليه، فقال ” يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ” وهكذا يجب أن تكون العلاقة بين الابن وأبيه، قائمة على الثقة المتبادلة، والحوار البناء، ولما استمع يعقوب إلى رؤيا ابنه يوسف عليهما السلام، خشي تسلل الحسد إلى نفوس إخوته، وأن يوقع الشيطان العداوة بينهم، فقال ” يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ” فالأب الواعي الحكيم ينصح أبناءه بما ينفعهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويزرع المحبة بينهم، ويجنبهم أسباب الخلاف، فيغلق على الشيطان سبله ومنافذه، ليكونوا أسرة واحدة، مترابطة متماسكة، ولقد كان يعقوب عليه السلام حريصا على سلامة أبنائه، يبعدهم عن كل ما يضرهم، فحين أرادوا السفر ودعهم بوصية غالية، ونصيحة ثمينة.
” وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ” فإنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وخشي أن تصيبهم العين، وهذا من علمه وحكمته عليه السلام، فليحرص الآباء على سلامة أبنائهم، ويحصنوهم من الحسد، ويعوذوهم بالله تعالى من العين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” استعيذوا بالله، فإن العين حق ” ويعلمنا نبى الله يعقوب عليه السلام، أن معالجة أخطاء الأبناء تحتاج إلى صبر وحكمة، فعندما نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام وإخوته، كان يعقوب عليه السلام حليما مع أبنائه، حكيما في تعامله معهم، صبورا على تربيتهم، فلم يزجرهم ولم يعنفهم، مع علمه بسوء صنيعهم، وإنما بين لهم خطأهم، وعظم ما فعلوه، فقال لهم ” بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ” وظل يعقوب عليه السلام مع غياب ابنه الآخر ثابتا على صبره، راضيا بقضاء الله وقدره، لم تتزعزع في الله ثقته، ولم ينقطع فيه أمله، فقال لأبنائه ” فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم” وهو عليه السلام يغرس بذلك في نفوسهم قيمة الصبر والتحمل، فما أجمل الصبر يستعان به على الشدائد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر”
ولقد صبر نبى الله يعقوب عليه السلام على أبنائه مدة طويلة حتى فاز بمقصوده، وأسعد الله قلبه باجتماع بنيه، فإن الصبر مفتاح الفرج، وتعلمنا قصة نبى الله يعقوب عليه السلام، أن الصبر على تربية الأبناء، وحسن التعامل معهم يثمر كل خير، فقد من الله تعالى على يعقوب عليه السلام باجتماع أبنائه، والتأليف بين قلوبهم، فندموا على فعلهم، وأقروا بخطئهم، فقال الله تعالى ” قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ” فما كان منه عليه السلام إلا أن قال لهم ” سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ” فلم يكتف عليه السلام بالعفو والصفح عنهم، بل وعدهم أن يسأل الله تعالى لهم المغفرة، ليعلم الآباء أن يعفوا ويصفحوا عن أبنائهم، ويدعوا لهم بالخير، ويتجنبوا الدعاء عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ” فهل نتأمل هذه الفوائد الغالية؟ ونربي أبناءنا على هذه القيم الفاضلة؟ ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، قصص الأنبياء، وسيرة المرسلين، لنستخلص منها الدروس ولنستلهم منها العبر، ولنتفكر في أمرهم، ونقتدي بأفعالهم وأقوالهم، فالعاقل من وعظ بغيره.
نبى الله يعقوب ” الجزء الثانى “
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله يعقوب عليه السلام، ونبى الله يعقوب هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد عرف بالسماحة وحسن الخلق والصبر ورسوخ الإيمان بالله، كثير البكاء حتى صار من جملة بكائي التأريخ، وكان عبرانيا، ونبوته كانت في فلسطين، وكانت بعثته في زمان واحد مع إبراهيم الخليل وإسحاق وإسماعيل ولوط عليهم السلام، وكان أبوه يميل إليه اكثر من أخيه عيص ويدعو له، والنبى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكان اسمه إسرائيل، وكان نبيا إلى قومه، والنبي يعقوب عليه السلام، ابن النبى اسحاق ابن النبي إبراهيم عليهم السلام، وهو أحد الأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم، كما وأخبر القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام، كان من أهل العمل الصالح، والعلم النافع، وهو أبو النبي يوسف عليه السلام، وقد ورد اسم يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم ست عشر مرة، ومنها قوله تعالى ” ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون ” وقد كان لنبى الله يعقوب عليه السلام، اثنا عشر ابنا ذكرا، وبنت واحدة، وأبناؤه هم بنو إسرائيل، ولقد عاش نبى الله يعقوب عليه السلام سنوات من الحزن والأسى وقال بعض المفسرين، إنها أربعون سنة، ومع هذا لم تُسمع منه كلمة تضجر أو تسخط.
إنما بث حزنه وشكواه إلى الله، فدعا الله تعالى ويقول ” إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ” أي لا أظهر عظيم حزني إلا لله وحده فهو الذي تنفع الشكوى إليه، وهو كاشف الضر والبلاء، وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه، وهكذا شأن المؤمن الصبر، وشأنه الأكمل أن يرضى عن الله عز وجل، ويعلم أن خيرة الله خير مِن خيرته لنفسه، وكان من دعاء نبى الله يعقوب عليه السلام ” قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا، إنه هو العليم الحكيم ” وبهذا الدعاء لما رجع أبناؤه إليه، وأخبروه أن أخاهم بنيامين قد سرق، فقال صبري على ما نالني من فقد ولدي، صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية، عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعا فيردهم عليّ، إنه هو العليم بوحدتي، وإنه تعالى الحكيم في تدبيره خلقه، وقد رُوي أنه من دعاء نبى الله يعقوب عليه السلام “يا رب أما ترحم ضعفي، أما ترحم شيبتي، أما ترحم كبر سني، أما ترحم ذلتي، أما ترحم فقري، فأوحى الله له قال ” يا يعقوب، وعزتي وجلالي وارتفاعي على خلقِي، لو كان يوسف ميتا لأحييته لك” وهذا الحديث يروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فأتاه جبريل فقال، يا يعقوب إن الله يقرئك السلام.
ويقول لك ” أما تستحى أن تشكو إلى غيرى؟ فقال يعقوب، إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله، فقال جبريل عليه السلام، الله أعلم بما تشكو يا يعقوب، ثم قال يعقوب عليه السلام، أى ربى أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبت بصرى وقوست ظهرى فأردد على ريحانتى أشمه شمة قبل الموت ثم اصنع بى يا رب ما شئت، فأتاه جبريل عليه السلام فقال، يا يعقوب إن الله يقرئك السلام، ويقول لك ” أبشر وليفرح قلبك فوعزتى لو كانا ميتين لنشرتهما لك ” ولكن قيل أن هذا حديث موضوع مكذوب لا صحة له، ولا يجوز نسبته لنبى الله يعقوب عليه السلام، ولا الدعاء به، والنبى يعقوب عليه السلام، هو أبو الأسباط الاثنى عشر، وإليه ينسب شعب بنى إسرائيل، وقد وصف النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، النبي يعقوب بأنه الكريم، وأدرجه في سلسلة آبائه الأنبياء الكرام إبراهيم وإسحاق عليهما السلام، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال، أن النبى الكيم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” الكريم ابن الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحقاق بن ابراهيم عليهم السلام ” رواه البخارى، وهكذا فقد أطلق القرآن الكريم على يعقوب عليه السلام اسم إسرائيل، وقد جاء ذلك في موضعين فى كتاب الله عز وجل فأحدهما فى قوله تبارك وتعالى فى سورة آل عمران
” كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراه قل فأتوا بالتوراه فاتلوها إن كنتم صادقين ” وأما عن الموضع الثانى فكان فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة مريم ” أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وأجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا” وإن معنى إسرائيل في اللغة العبرية هو روح الله، أو عبدالله، أو صفى الله، وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تخاطب ذرية إسرائيل عليه السلام، حيث ورد هذا الخطاب في نحو أربعين موضعا في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى فى سورة البقرة ” يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون ” وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف، بأنه قد تزوج نبى الله إسحاق عليه السلام رفقا بنت نامور، وهي بنت عمه، فولدت له عيصو ويعقوب توأمين، ولما تقدم بإسحاق السن ورق جلده شكا يعقوب عليه السلام، أخاه عيصو إلى والده، وقال يا أبت، إني أشكو إليك عيصو أخي، وأستنصرك على توعده وتهديده، فإنه منذ رفعتني بعين رعايتك ودعوت لآلي بالبركة وتنبأت لي بنسل طيب وملك موروث وعيش لين.
فحسدني لهذه الدعوات وحقد علي، وأنكر العلامة التي توسمتها فيّ، فراح ينالني بقارص كلامه، ويتوعدني ويهددني، حتى زال ما بيني وبينه من ود، وتقطع ما كان يجمعنا من رحم، ثم هو فوق ذلك كله يفاخرني بامرأتيه هاتين اللتين تزوج بهما من كنعان، ويكاثرني بما يرتقبه من أولاد يضيقون عليّ الرزق، ويزحمونني بمناكبهم في الحياة، وقد شكوت إليك لتحكم بيني وبينه بما وهبك الله من رأي حكيم وحلم راجح، فقال نبى الله إسحاق عليه السلام وقد أهمه ما رأى من القطيعة بين الأخوين، يا بني إنني كما ترى من هذه اللمة البيضاء ومعنى اللمة هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، والجبين المتغضن، والظهر المتقوس، أصبحت شيخا متهدما، خذلتني قوتي، ووقفت بي الأيام على ثنية الوادع، وإنه يوشك أن يوفيني الأجل ويقطع ما بيني وبين الحياة من أسباب، ولا آمن عليك بعدي، أن يعالنك، أي يصارحك أخوك بالعداوة، ويحسر لك اللثام عن بطش وكيد، وهو في منعة من شدة أسره، وهو الخلق القوي، وقوة خلقه، وفي حرز من أصهاره وذوي قرباه، وما أرى إلا أن تزمع رحيلا إلى فدان آرام من أرض العراق، حيث خالك لابان بن بتويل، فابن على إحدى بناته، أي تزوجها، فإنك تنال العز والشرف والمجد والمنعة، ثم عُد بعدها إلى هذه الأرض.
وإنني لأرجو لك عيشا أخفض من عيش أخيك، أي أفضل، ونسلا طاهرا خيرا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه ويحفظك برعايته، فكانت هذه الكلمات وقعت في نفس نبى الله يعقوب عليه السلام، من أبيه إسحاق عليه السلام، أندى من الماء البارد على فؤاد مُحتر، وجد فيها متنفسا لصدره، ونزعت نفسه إلى منبت الأهل وبلد الآباء والأجداد، فاستودع أبويه بدموع ثخينة، وشيعاه بدعوات طيبة كريمة، وخرج مخترقا الصحراء، مسريا بالليل سائرا بالنهار، يرفعه نجد ويخفضه وخد، ولقاء خاله نصب عينيه، وكلمات أبيه ملء سمعه وبصره، وعناية الله ترمقه وترعاه، وكان كلما أتبعه السير وأضناه بُعد الشقة، تذكر الأمل الذي يرجوه والخير الذي يرتقبه، فيسهل الحزن وينقاد السير، وقد طلع يوم تحرقت سمائمه الريح الحارة، وهبت سوافيه ذرات الرمل، ورمت الشمس الأرض بسهامها المحماة، فشق على يعقوب السير، وبعدت أمامه الشقة، وتلفّت أمامه فإذا بصحراء ممتدة إلى حيث ينتهي البصر، ورمال لا معالم بها، فأدركه السأم، وأحس بالتعب، ووقف ساعة بين الإحجام والإقدام، أيواصل السير أم يؤثر العافية والراحة على هذا السفر الشاق ويقنع من الغنيمة بالإيمان؟ وفيما هو يفكر لمح صخرة تكتنف ظلا، فدلف إليها ليجلس ساعة.
يريح فيها جسمه ويبرد قدميه، وما أسند ظهره إلى الصخرة حتى أدركته سِنة فنام، ورأى في نومه رؤيا صالحة شدت من أزره، ورأى أن الله سيؤتيه عيشا رضيا، ويمنحه ملكا واسعا، ويرزقه نسلا طيبا مباركا يورثهم الأرض ويعلمهم الكتاب، فقام من نومه منشرح الصدر وقد انفسحت أمامه رقعة الأمل، إذ رأى تعزيزا لنبوءة أبيه، وبشيرا بتحقيق أمانيه، وانطلق يعدو كالسهم مستأنفا السير بعزم جديد، وبعد أن قضى أياما يطوي فيها الأرض، أشرف على سواد رآه فعقد به حبل الأمل والرجاء، أن يكون هذا موطن خاله لابان، وخف مسرعا، فوجد أن رجاءه لم يخب، فاستراحت نفسه، ورأى أغناما وطيورا وشجرا ورعاة، بعد أن فارق الصحراء ووصل إلى أرض نبى الله إبراهيم عليه السلام، التي بدأت فيها رسالته، وفي أرض خاله غايته التي يرجوها، والتي قطع في سبيلها الصحاري والقفار، ساجدا شاكرا وحامدا، ومعترفا بتوفيقه وهدايته، فلما وصل يعقوب الغريب سأل الناس متلطفا، أفيكم من يعرف لابان بن بتويل؟ فقالوا له، ومن منا لا يعرف لابان صهر إسحاق الرسول؟ إنه عميد بيئته، وشهاب قومه، وصاحب هذه القطعان التي تسيل بها هذه البطاح، فطلب من يرشده إلى مكانه، فإذا بنته راحيل مقبلة تغدو، فرحبت به وانطلقت معه إلى منزل والدها.
نبى الله يعقوب ” الجزء الثالث “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله يعقوب عليه السلام، وقد توقفنا عندما وصل يعقوب الغريب إلى أرض خاله لابان، فسأل الناس متلطفا، أفيكم من يعرف لابان بن بتويل؟ فقالوا له، ومن منا لا يعرف لابان صهر إسحاق الرسول؟ إنه عميد بيئته، وشهاب قومه، وصاحب هذه القطعان التي تسيل بها هذه البطاح، فطلب من يرشده إلى مكانه، فإذا بنته راحيل مقبلة تغدو، فرحبت به وانطلقت معه إلى منزل والدها، وفيما هو في الطريق أحسن كأن اضطرابا بفؤاده، أو كأن طائرا طار من قلبه، أكان ذلك لرؤيته هذه الفتاة التي قد تكون أمله الذي يرجوه ونبوءته التي تنبأها له أبوه، وتأويل رؤياه التي رآها في الصحراء؟ أم كان قد اعتراه ما يعتري الطارق الغريب مقدما على أمر عظيم؟ قد يكون هذا أو يكون ذلك، ولكنه على كل حال ملك نفسه وأمسك بقوته ومشى بخطوات مطمئنة حتى التقى بخاله لابان، وما أن رآه حتى عانقه طويلا، واغرورقت عيناه بالدموع فرحا، ثم أحله من نفسه وأهله محلا رفيعا ومنزلة كريمة، ثم أفضى نبى الله يعقوب عليه السلام بما أرسله أبوه، وما يرجوه من الإصهار إليه، وأنه قد رأى راحيل ابنته فحلت من قلبه منزلة رجا أن تكون له بعدها زوجا، والسبب الكريم أو النسب الذي يربط بينه وبين خاله.
فقال لابان له نعم ونعام عين، أي أفعل ذلك إكراما لعينك، قد أجبتك إلى سؤالك وأعنتك على مبتغى آمالك، ولكن على أن تقيم عندي سبع حجج، أي سبع سنين ترعى، تكون لك صداقا فيما تريد، وأنت طوال هذا العهد يكنفك مني جناح، ويظلك قلب عاطف رؤوم، فقبل يعقوب هذا الشرط، وأخذ يرعى الغنم، والأيام تدهن له بمعسول المُنى وتحيي في نفسه بوارق الآمال، وكانت راحيل صغرى بنتي لابان، وكانت أختها ليا تكبرها في السن، وإن كانت تليها في اعتدال الخلق وحسن التقاسيم، أي الجمال، ولم يكن في شريعة قومه أن يزوج الصغرى قبل الكبرى، ولكن نفسه لم تقبل أن تعيد يعقوب بن إسحاق عن راحيل، ومع ذلك فقد زوجه أولا بنته الكبرى، وبعد سبع سنين أخرى زوجه ابنته الصغرى، ووهب لهما أمتين تخدمانهما، ولكنهما آسرت يعقوب بهاتين الأمتين، ومع الأربع نساء، وهما ليا وراحيل والأمتين، فقد رزق الله عز وجل نبيه يعقوب عليه السلام، اثني عشر ابنا وهؤلاء هم الأسباط، وإن نبى الله يعقوب هو بشارة لإبراهيم الخليل عليه السلام من الملائكة، حيث أثبتوا له النبوة قبل خلقه، ثم إنهم جميعا صالحون يعبدون الله عز وجل، ويعملون الخير في الدنيا والآخرة بمشيئة الله تعالى، وإن أكثر ما تجلت قصة نبى الله يعقوب عليه السلام.
مع ابنه يوسف عليه السلام، عندما رأى يوسف الرؤيا فعرف أن إخوان يوسف عليه السلام سيحسدونه ويكيدون له، ثم فعلوا بيوسف ما فعلوا، وصبر يعقوب وعدم تصديقه لهم، واستمر هذا الصبر مع شدة حزنه وألمه على فراق يوسف وثقته بالله بأن يوسف سيحفظه الله تعالى، ثم لحاق أخيه شقيقه به عند عزيز مصر، وزيادة حزنه وأسفه عليهما، فقال الله تعالى فى سورة يوسف ” وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ” ثم لقائه بيوسف عندما مكن الله ليوسف في الأرض، وذهابه مع كل أبنائه وأسرته إلى مصر، فتحققت رؤيا نبى الله يوسف عليه السلام، بعد زمن طويل، وإنه لا يمكن إنكار أن كثيرا من الإسرائيليات عرفت طريقها إلى التراث الإسلامى، خاصة فى الموضوعات التى ليس فيها تفصيلات كثيرة فى النص القرآنى، لحكمة ما، ومن ذلك ما ورد فى قصص الأنبياء وخاصة أنبياء بنى إسرائيل، ومن ذلك قصة نبى الله يعقوب ومن قبله والده النبى إسحاق عليهم السلام، وقد ذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج من السيدة رفقا بنت بتواييل فى حياة أبيه، كان عمره أربعين سنة.
وأنها كانت عاقرا، فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين، ويقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم، بأن أولهما سموه عيصو، وهو الذى تسميه العرب العيص وهو والد الروم، والثاني، خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب، وهو إسرائيل الذى ينتسب إليه بنو إسرائيل، وقالوا وكان إسحاق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره، وكانت أمهما السيدة رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر، فقالوا فلما كبر إسحاق وضعف بصره، اشتهى على ابنه العيص طعاما، وأمره أن يذهب فيصطاد له صيدا، ويطبخه له ليبارك عليه، ويدعو له، وكان العيص صاحب صيد، فذهب يبتغى ذلك، فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه، ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه، ويأتى إليه به قبل أخيه ليدعو له، فقامت فألبسته ثياب أخيه، وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين، لأن العيص كان أشعر الجسد، ويعقوب ليس كذلك، فلما جاء به وقربه إليه، قال من أنت؟ قال له ولدك، فضمه إليه وجسه، وجعل يقول، أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجس والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدرا، وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده، وأن يكثر رزقه وولده.
فلما خرج من عنده، جاء أخوه العيص بما أمره به والده، فقربه إليه، فقال له ما هذا يا بنى؟ فقال له هذا الطعام الذى اشتهيته، فقال له أما جئتنى به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك؟ فقال لا والله، وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك، فوجد فى نفسه عليه وجدا كثيرا، وذكروا أنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى، وأن يجعل لذريته غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم، فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب، أمرت ابنها يعقوب أن يذهب إلى أخيها لابان الذى بأرض حران، وأن يكون عنده إلى حين يسكن غضب أخيه عليه، وأن يتزوج من بناته، وقالت لزوجها إسحاق أن يأمره بذلك، ويوصيه ويدعو له ففعل، فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم، من آخر ذلك اليوم، فأدركه المساء فى موضع فنام فيه، أخذ حجرا فوضعه تحت رأسه ونام فرأى فى نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له ” إنى سأبارك عليك، وأكثر ذريتك، وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك” فلما هبّ من نومه فرح بما رأى، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالما ليبنين فى هذا الموضع معبد الله عز وجل، وأن جميع ما يرزقه من شيء يكون لله عشره.
ثم عمد إلى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به، وسمى ذلك الموضع بيت إيل أى بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذى بناه يعقوب بعد ذلك، وقالوا، فلما قدم يعقوب على خاله أرض حران، إذا له ابنتان اسم الكبرى ليا، واسم الصغرى راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما، فطلب يعقوب الصغرى من خاله، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله لابان، صنع طعاما وجمع الناس عليه، وزف إليه ليلا ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر، فلما أصبح يعقوب إذا هى ليا، فقال لخاله لقد غدرت بى وأنت إنما خطبت إليك راحيل، فقال له إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها، فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغا فى ملتهم، ثم نسخ فى شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ، لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته، لأنه معصوم، ووهب لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية، فوهب لليا جارية اسمها زلفى، ووهب لراحيل جارية اسمها بلهى، وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولادا، فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل، ثم شمعون، ثم لاوى، ثم يهوذا.
فغارت عند ذلك راحيل، وكانت لا تحبل، فوهبت ليعقوب جاريتها بلهى، فوطئها فحملت، وولدت له غلاما سمته دان، وحملت وولدت غلاما آخر سمته نيفتالى، فعمدت عند ذلك ليا فوهبت جاريتها زلفى، من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد وأشير، غلامين ذكرين، ثم حملت ليا أيضا فولدت غلاما خامسا منها وسمته ايساخر، ثم حملت وولدت غلاما سادسا سمته زابلون، ثم حملت وولدت بنتا سمتها دينا فصار لها سبعة من نبى الله يعقوب عليه السلام، ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاما من يعقوب، فسمع الله نداءها وأجاب دعائها، فحملت من نبى الله يعقوب، فولدت له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا سمته يوسف، وكل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين ست سنين أخرى، فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله، فقال له خاله إنى قد بورك لى بسببك، فسلنى من مالى ما شئت، فقال له تعطينى كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع، وكل حمل ملمع أبيض بسواد، وكل أملح ببياض، وكل أجلح أبيض من المعز، فقال له نعم، فعمد بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس، لئلا يولد شيء من الحملان على هذه الصفات.
نبى الله يعقوب ” الجزء الرابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله يعقوب عليه السلام، وقد توقفنا عندما طلب نبى الله يعقوب عليه السلام من خاله لابان أن يسرحه ليمر إلى أهله، فقال له خاله إنى قد بورك لى بسببك، فسلنى من مالى ما شئت، فقال له تعطينى كل حمل يولد من غنمك هذه السنة أبقع، وكل حمل ملمع أبيض بسواد، وكل أملح ببياض، وكل أجلح أبيض من المعز، فقال له نعم، فعمد بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات من التيوس، لئلا يولد شيء من الحملان على هذه الصفات، وساروا بها مسيرة ثلاثة أيام عن غنم أبيهم، قالوا، فعمد يعقوب عليه السلام إلى قضبان رطبة بيض من لوز ولب، فكان يقشرها بلقا، وينصبها فى مساقى الغنم من المياه، لينظر الغنم إليها فتفزع وتتحرك أولادها فى بطونها، فتصير ألوان حملانها كذلك، وهذا يكون من باب خوارق العادات، وينتظم فى سلك المعجزات، فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة، ودواب وعبيد، وتغير له وجه خاله وبنيه، وكأنهم انحصروا منه، وأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته، فتحمل بأهله وماله، وسرقت راحيل أصنام أبيها، فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم لحقهم لابان وقومه.
فلما اجتمع لابان بيعقوب عاتبه فى خروجه بغير علمه، وهلا أعلمه فيخرجهم فى فرح ومزاهر وطبول، وحتى يودع بناته وأولادهن، ولم أخذوا أصنامه معهم ولم يكن عند يعقوب عليه السلام علم من أصنامه، فأنكر أن يكون أخذوا له أصناما فدخل بيوت بناته وإمائهن يفتش، فلم يجد شيئا، وكانت راحيل قد جعلتهن فى بردعة الحمل وهى تحتها، فلم تقم واعتذرت بأنها طامث فلم يقدر عليهن، فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها جلعاد، على أنه لا يهبن بناته، ولا يتزوج عليهن، ولا يجاوز هذه الرابية إلى بلاد الآخرة، لا لابان، ولا يعقوب، وعملا طعاما، وأكل القوم معهم، وتودع كل منهما من الآخر، وتفارقوا راجعين إلى بلادهم، فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير، تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم، وبعث يعقوب عليه السلام البرد إلى أخيه العيصو يترفق له، ويتواضع له، فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب إليك فى أربعمائة راجل، فخشى يعقوب عليه السلام من ذلك، ودعا الله عز وجل وصلى له، وتضرع إليه، وتمسكن لديه، وناشده عهده ووعده الذى وعده به، وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص، وأعد لأخيه هدية عظيمة، وهى مائتا شاة وعشرون تيسا، ومائتا نعجة، وعشرون كبشا، وثلاثون لقحة، وأربعون بقرة.
وعشرة من الثيران، وعشرون أتانا، وعشرة من الحمر، وأمر عبيده أن يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده، ليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة، فإذا لقيهم العيص فقال للأول لمن أنت، ولمن هذه معك؟ فليقل له لعبدك يعقوب، أهداها لسيدى العيص، وليقل الذى بعده كذلك، وكذا الذى بعده، ويقول كل منهم وهو جائى بعدنا، وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر، وبعد الكل بليلتين، وجعل يسير فيهما ليلا ويكمن نهارا، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية، تبدا له ملك من الملائكة فى صورة رجل، فظنه يعقوب رجلا من الناس فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه، فظهر عليه يعقوب فيما يرى إلا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب، فلما أضاء الفجر قال له الملك ما اسمك؟ قال له يعقوب، فقال له لا ينبغى أن تدعى بعد اليوم إلا إسرائيل، فقال له يعقوب عليه السلام، ومن أنت، وما اسمك؟ فذهب عنه، فعلم أنه ملك من الملائكة، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله، فلذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النساء، ورفع يعقوب عينيه فإذا أخوه عيصو قد أقبل فى أربعمائة راجل، فتقدم أمام أهله فلما رأى أخاه العيص، سجد له سبع مرات، وكانت هذه تحيتهم فى ذلك الزمان، وكان مشروعا لهم كما سجدت الملائكة لآدم تحية له، وكما سجد أخوه يوسف وأبواه له.
فلما رآه العيص تقدم إليه واحتضنه، وقبله وبكى، ورفع العيص عينيه ونظر إلى النساء والصبيان، فقال له من أين لك هؤلاء؟ فقال هؤلاء الذين وهب الله لعبدك، فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له، ودنت ليا وبنوها فسجدوا له، ودنت راحيل وابنها يوسف فخرا سجدا له، وعرض عليه أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها، ورجع العيص فتقدم أمامه، ولحقه يعقوب بأهله، وما معه من الأنعام، والمواشي، والعبيد قاصدين جبال ساعير، وإن قصة يعقوب عليه السلام، من القصص التي ذُكرت في القرآن الكريم، وقد وصل يعقوب إلى أبيه إسحاق عليهما السلام في أرض كنعان حيث كان يسكن أيضا نبى الله إبراهيم عليه السلام، وأقام عنده، ثم ما لبث أن مرض نبى الله إسحاق ومات، والجدير بالذكر أن لأبناء يعقوب عليه السلام له مع أبنائه وابنه يوسف عليه السلام، قصة شهيرة، وهي قصة يوسف عليه السلام، وقد ذُكر أن يعقوب عليه السلام لحق بربه وعمره مائة وسبعة وأربعون عاما وتتضمن قصة نبى الله يعقوب عليه السلام، الكثير من العبر، ويتركز الجزء الأكبر من هذه العبر في قصته مع ابنه يوسف عليه السلام، إذ إن يوسف رأى رؤيا، فأوصاه أبوه يعقوب بأن لا يقصصها على إخوته، وتوالت الكثير من الأحداث التي تُعرف بقصة يوسف.
وهذه العبر تتضمن بيان محبة الأبناء، وكيف أن يعقوب عليه السلام، ميّز يوسف عن إخوته لأنه توسم فيه صفات النبوة والخير، وكان هذا التمييز قلبيا، وتتضمّن بيان توخي الحيطة والحذر، خصوصا الخوف من الحسد وعيون الناس، وكيف أن نبى الله يعقوب عليه السلام، حذر أبناءه من الدخول من باب واحد، بل أن يدخلوا من أبواب متفرقة حتى لا ينظر أحد إليهم بعين الحسد، وكذلك تتضمّن دروسا في الصبر، وكيف صبر يعقوب عليه السلام، على البلاء، وكيف أنه ظل يقينه بالله كبيرا بأن ابنه يوسف سيعود إليه، وإن يعقوب أو ياكوف بالعبريه ومعناه هو ماسك كعب القدم، ويُعرف أيضاً بإسرائيل أي أو مصارع الله، حسب القصة الواردة في سفر التكوين رقم اثنين وثلاثين عندما صارع يعقوب الملك دون أن يدري، وقد كان ليعقوب دور رئيسي في الأحداث الأخيرة من سفر التكوين في العهد القديم، وقد ولد لنبى الله إسحاق وزوجته رفقة، عيسو ويعقوب بعد عشرين سنة زواج، حيث كان إسحاق ستين من العمر، وكان الخليل إبراهيم عليه السلام مائة وستين من العمر، ويختلف يعقوب عن أخيه عيسو بالمظهر والتصرفات، فأخوه عيسو كان صياد، بينما كان يعقوب رجل يسكن الخيام، وقيل أنه عندما كانت رفقة حاملا.
كان الطفلان يتصارعان مع بعضهما في داخل رحمها وخوفا من هذه الحركة، فقد سألت رفقة الله عن سببها، بعدها عرفت أنها حامل بطفلين، وأنهم سيؤسسان أمتين مختلفتين، ويكونان دائما في تنافس وفي الحقيقة الأكبر سيخدم الأصغر، لم تخبر رفقة زوجها إسحاق بذلك بل احتفظت بذلك في قلبها، وكان عيسو أول من ولد، وولد أخوه يعقوب وهو إسرائيل بعده مباشرة وكان يمسك بكعب قدم عيسو، ولذلك سمي ياكوف أي الكعب، وقد فضل نبى الله إسحاق ابنه عيسو ولكن الأم فضلت ابنها يعقوب، وخلال فترة شباب الأخوان، تم تَنشئتهما في نفس البيئة وتعرضوا لنفس الأشياء التي تعرض لها أبيهما إسحاق وجدهم الخليل إبراهيم عليه السلام، وفي يوم من الأيام، عاد عيسو من الحقل وكان جائعا جدا، فانتهز يعقوب هذا الموقف وعرض على عيسو صحن من الحساء مقابل أن يبيعه عيسو بكوريته كونه الأخ الأكبر، وقد وافق عيسو وقال إني سأموت، فما نفع البكورية لي؟ وفي الحقيقة فإن تنازل عيسو عن بكوريته يدل على ازدراءه للتقاليد التي كانت لدى أبيه إسحاق، وفي كلمات الكتاب المقدس “وهكذا أحتقر عيسو امتيازات بكوريته” كما فى سفر التكوين، ومن مميزات البكورية هي مرتبة عليا في العائلة وقيمة مضاعفة من الورث.
ومنصب في العائلة، وأيضا البركة الإبراهيمية، كما جاء فى سفر التكوين، وكان اليهود يخصون الابن الأكبر سنا بالميراث كله سواء كان الميراث ماديا أو غير ذلك بما في ذلك النبوة والمُلك، وعلى هذا النحو كان عيسو الابن الأكبر لإسحاق هو الذي سيرث النبوة وكل شيء، ولكن السيدة رفقة، أم يعقوب خططت لتجعل ولدها يعقوب يستولي على هذا اللقب، وانتهزت فرصة أن عيسو خرج ليحضر الطعام إلى أبيه المكفوف ثم نفذت خطتها، وقد قيل أنه بعدما ودع يعقوب أخيه عيسو وذهب كل واحد منهما إلى سبيله، ارتحل يعقوب إِلى مكان دعا اسمه سكوت، أقام فيه وبنى لنفسه بيتا، وصنع لمواشيه مظلات وبعدها شد رحاله إلى مدينة شكيم قرب كنعان وعندما وصل حدود كنعان، كانت راحيل زوجته على وشك الولادة، فولدت الابن الأصغر ليعقوب الذي هو بنيامين وماتت، وبعدها قام يعقوب بدفنها وشيد صرحا لقبرها الذي يقع خارج بيت لحم، ولايزال قبرها مزارا ليومنا هذا وأخيرا وصل يعقوب إلى بيت أبيه إسحاق، فمات إسحاق وعمره مائه وثمانين عاما، وقام يعقوب وعيسو بدفنه فِي مغارة فى حقل المكقيلة المواجهة لممرا فى أرض كنعان التي كان الخليل إبراهيم عليه السلام قد اشتراها.
نبى الله يعقوب ” الجزء الخامس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع نبى الله يعقوب عليه السلام، وكان نبى الله يوسف عليه السلام قد فارق أباه نبى الله الكريم يعقوب عليه السلام عندما كان عمره سبعة عشر عاما، حيث أخذ كعبد إلى مصر بسبب أخوته الذين كانوا يغارون منه لأنه حلم حلما وبه كان ملكا عليهم، وقد حزن يعقوب جدا على فقدانه ليوسف، وبعد ثلاثة عشر عاما من أخذ يوسف كعبد، فقد حلم فرعون بحلمين وكان يريد من يفسرهما له، وسمع فرعون أن يوسف الذي كان في السجن يستطيع أن يفسر هذه الأحلام، وقد فسّر نبى الله يوسف عليه السلام هاذين الحلمين على أنه ستأتي سبع سنوات يزداد فيها خير الأرض ويتبعها سبع سنوات عجاف، لا تؤتي الأرض خلالها محاصيل كافية، فتعجّب الفرعون من هذا التفسير، وجعل يوسف نائبا له، ووكل له مسؤولية جمع وتخزين جزءا من القمح والغلال خلال سنوات زيادة المحاصيل لاستهلاكها خلال سنوات المجاعة، وعندما جاءت سنوات المجاعة، فذهب عشرة من أخوة يوسف عليه السلام ليشتروا قمحا من مصر، فلما رآهم يوسف عليه السلام فعرفهم، أما هم فلم يعرفوه، وقد طلب منهم أن يرى أخوهم الصغير أي أخاه بنيامين، وأخذ يوسف شمعون كرهينة إلى ان يجلبوا بنيامين معهم، وقد صُدم نبى الله يعقوب عندما علم بذلك.
حيث كان خائفا على بنيامين لأنه اخر ما بقي له من زوجته راحيل، ورفض أن يرسله، ولكن عندما ازدادت المجاعة، وافق يعقوب أن يرسل بنيامين مع أبنائه إلى مصر، وقد وعده إبنه يهوذا بأن يحمي بنيامين، بعد ذلك وصل الأخوان إلى يوسف، فعندما رأى يوسف أخاه بنيامين تأثر كثيرا وكشف نفسه لأخوته، بأنه هو يوسف أخوهم، وقد دعى يوسف أخوته وعوائلهم وأباه إلى المجيء لمصر، وقد عاش يعقوب آخر سبعة عشر سنة من عمره في مصر مع أولاده الإثنا عشر ومات عن عُمر مائة وسبعه وأربعين سنه، وقبل موته جعل يوسف بأن يعده بأن يدفنه في مغارة حقل المكفيلة، فأقام نبى الله يوسف عليه السلام جنازة كبيرة لأبيه، ويروي سفر التكوين الإصحاح أربعه وثلاثين قصة فتاة اسمها دينا وهى ابنة يعقوب من إحدى زوجاته، وقيل أنه قد أعجب بها ابن رئيس المدينة المجاورة فاتصل بها واضطجع معها وأذلها، ثم عزم أن يجعل هذه العلاقة مشروعة وقرر الزواج بها، فلاطفها وذهب إلى أبيها يعقوب لكي يكلمه في الأمر ويطلب مصاهرته ويمضى في إجراءات العقد، فلما كلم يعقوب في الأمر تظاهر هو أسرته بقبول المصاهرة، ولكنه اشترط عليه أن يختتن هو وجميع أفراد قبيلته حتى يتم هذا الزواج.
وكذلك لتتسع دائرة العلاقات بين أبناء يعقوب وأهل المدينة جميعا، وفي اليوم الثالث لإجراء الختان، وبينما ذكور المدينة متوجعين من الختان أغار أولاد يعقوب على المدينة وهى آمنة، فقتلوا الذكور كلهم وسبوا كل الأطفال والنساء ونهبوا ما وجدوه من ثروات، وأما عن تفاصيل هذه القصة كما يرويها سفر التكوين، فتقول بانها قد خرجت دينا ابنة السيدة ليا التي ولدتها ليعقوب، فرآها شكيم ابن حمور الحوى رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها، وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب، وأحب الفتاة، ولاطف الفتاة، فكلم شكيم حمور أباه قائلا خذ لى هذه الصبية زوجة، وسمع نبى الله يعقوب أنه نجس دينا ابنته، فسكت حتى جاءوا أي أبناؤه، ثم بعد أن عرض عليهم حمور مصاهرتهم، فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر، فقالوا لهما لا نستطيع أن نفعل هذا الأمر، وأن نعطى أختنا لرجل أغلف، إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم، واختتن كل ذكر، فحدث في اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابني يعقوب، وهم شمعون ولادي أخوي دينا أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور وشكيم بحد السيف، ونهبوا المدينة، وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم.
وكل ما في البيوت، كما ذكر ذلك فى سفر التكوين أربعه وثلاثين، كما جاء في سفر التكوين أن يعقوب كان له اثنى عشر ابنا وكان يوسف هو الأحب إلى قلبه لأنه كان ابن شيخوخته فصنع له قميصا ملونا، ويوسف هو الابن الأول من زوجته راحيل التي توفيت سابقا بعد ولادة ابنها الثاني بنيامين عند وصولهم إلى أرض كنعان، وكان أبناء يعقوب يبغضون أخوهم يوسف لأنه كان يحبه ويهتم به أكثر منهم، وكان يوسف ابن سبعة عشر عاما عندما رأى أحلاما بأن حزمته التي حزمها في الحقل انتصبت فسجدت حزم إخوته لحزمته ثم رآى حلما آخر بأن الشمس والقمر واحدى عشر كوكبا سجدت له، فقرر إخوته التخلص منه فأرادوا قتله ولكن تدخل أخوه رأوبين، فمنعهم من قتله واقترح عليهم أن يرموه في بئر وهو ينوي في نفسه أن يرجع لإخراجه وإعادته إلى أبيهم ولكنهم قاموا ببيعه للإسماعليين بعشرين قطعة فضية، وأخذوا قميصه إلى أبيهم يعقوب وهو ملوث بدم تيس من الماعز ليوهموه بأن وحشا افترسه، فسار به الإسماعليين إلى أرض مصر حيث باعوه لفوطيفار خصي فرعون ورئيس الشرطه، ولكنه صار بعد ذلك أكثر الرجال نفوذا في مصر إلى جانب فرعون، وعندما حلت المجاعة على البلاد، جلب يوسف بني إسرائيل إلى مصر حيث استقروا في أرض جوشين.
ويؤمن المسلمون أن يعقوب من أنبياء الله تعالى ولا يجوز أن ينسب لهم الكذب أو الخداع أو الغدر والخيانة أو التدليس ولا يجوز انتقاصهم أو نسبة أي فعل شائن لهم، وقد عصمهم الله تعالى من كبائر الذنوب، والصغائر التي تدل على خساسة الطبع، صيانة لعلو مكانتهم، وقد ورد اسم نبى الله يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم ستة عشر مرة، وإن للنبي يعقوب اثنا عشر ولدا ذكرا وبنتا واحدة، وكانوا هم النبي يوسف وبنيامين وأمهما هى السيدة راحيل بنت لابان وهي ابنة خال يعقوب، وروبين وهو أكبر أبنائه ويهودا ولاوي وشمعون وزبولون وياساكر وبنتا واحدة اسمها دينا وأمهم هى السيدة ليا بنت لابان وهي أخت راحيل وابنة خال يعقوب عليه السلام، ودان ونفتالي وأمهما هى بيلها، وجاد وعشير وأمهما هى زيلفا، ونبى الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وأمه رفقة بنت بتوئيل ويقال بأن يعقوب هو أحد توأمي نبي الله اسحاق وهما عيسو ويعقوب الذي يسمى إسرائيل أيضا، وقد عاش يعقوب عند خاله لابان في العراق، فزوجه بنتيه ليا وراحيل، ولابان عندما زوجهما من يعقوب اهدى كلا منهما جارية، وهما بدورهما أهدتا الجاريتين إلى يعقوب الزوج، وبذلك صار يعقوب لأربع زوجات هن ليا وراحيل وزلفا وبيلها.
أما ليا فقد أنجبت له روبين وشمعون ولاوي ويهودا وياساكر وزبولون وبنتا واحدة اسمها دينا وأما راحيل فأنجبت له يوسف وبنيامين، كما أنجبت له بيلها دان ونفتالي، وأنجبت زيلفا جاد وعشير، وبذلك صار يعقوب في غمضة عين زوجا لأربع زوجات وأبا لاثني عشر ولدا عرفوا بالاسباط فيما بعد، وتوفي عنهم بعد أن بلغ مائة وثمانون سنة ودفن في الخليل بفلسطين، ولم يخرج يعقوب إلى خاله بعيدا عن أبويه لولا جفوة العيص توأمه له، فهو كان يرى ان يعقوب أحب إلى قلب أمه فكان يكرهه، لذلك فإن أباه اقترح عليه ان يبتعد فأخذ باقتراحه ولم يعد إلى مسقط رأسه الا بعد أن تزوج وعرف ان العيص لان قلبه قليلا، ولم يكن تعدد الزوجات يمنا على نبى الله يعقوب، بل كان سببا في كل محنته التي لاقاها فيما بعد بسبب كيد إخوة كانوا من أربع زوجات، وكانت راحيل والدة يوسف وبنيامين أحب إلى قلب يعقوب، لأنه أرادها زوجة له من البداية، لولا ان خاله قال لا أزوجك الصغرى قبل الكبرى، فطلب منه يعقوب ان يزوجه إياها فقال اخدمني سبع سنوات أخرى حتى أزوجك إياها والآن تزوج ليا فتزوجها، ثم تزوج راحيل بعد سبع سنوات عن عشق، وكان يوسف أيضا احب إلى قلب يعقوب، وقد كان يرى فيه النجابة وأثر النبوة.
لكن هذا لم يرض إخوته فكادوا له فافتعلوا قصة الذئب الذي كان بريئا من دم يوسف، وقد قاسى يعقوب من فقد يوسف كثيرا، ولكن ربما كان هو السبب لأنه قرب يوسف وأخاه بنيامين أكثر، مما جعل إخوته يفكرون في التخلص منه، وقبل أن يقدموا على فعلتهم رأى يوسف رؤيا فقال لأبيه ” يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين” عندئذ أحس يعقوب عليه السلام بخطورة الموقف فقال ليوسف ” يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ” وقد ذهب الاخوة ونفذوا مؤامرتهم واتفقوا على أن الأسلوب الأمثل أن يوضع يوسف في الجب فلعل قافلة تلتقطه وتأخذه بعيدا عن عيونهم وعين أبيه، فاحتالوا على الأب المسكين وأخذوا يوسف بحجة انه سوف يخرج معهم للتنزه، فقال الأب ” إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون” ثم ذهبوا به ووقع ما توقعه نبى الله يعقوب فألقوه في الجب وجاؤوا يبكون ويتصنعون بالدم الكذب وقالوا الذئب أكله، ولكنه لم يصدقهم يعقوب وقال لهم ” بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ” وهذه الحادثة لم تمر على يعقوب بسلام، فحزن حزنا شديدا، وبكى حتى عميت عيناه واستسلم لقضاء الله.
نبى الله يعقوب ” الجزء السادس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع نبى الله يعقوب عليه السلام، ولابان بن بيتويل وهو اسم عبري معناه الأبيض، وهو خال النبي يعقوب وهو إسرائيل عليه السلام، وهو أبو زوجتيه ليا وراحيل، وقد أقام لابان مع عائلته في سهل فدان في بلاد مابين النهرين، وعندما شب يعقوب أتى للعمل لدى خاله لابان في رعي الأغنام وتزوج من ابنته الكبرى ليا ثم من ابنته الصغرى راحيل، وقد ظل النبي يعقوب عليه السلام يعمل لدى خاله لابان في بلاد مابين النهرين إلى أن توفي والده إسحق الذي كان يقيم في أرض كنعان فاضطر يعقوب إلى ترك خاله والعودة إلى أرض كنعان مصطحبا معه عائلته، وهو لابان بن بتوئيل وهو حفيد ناحور أخي الخليل إبراهيم عليه السلام، وهو أخو السيدة رفقة زوجة النبى إسحاق عله السلام وقد سكن حاران في فدان أرام، ولما رأى الهدايا الثمينة التي أعطاها عبد إبراهيم لرفقة، قبل فورا أن تذهب هي معه إلى أرض كنعان لتصير زوجة لإسحق، ولما هرب يعقوب من وجه عيسو ذهب لابان خاله ووجده رب عائلة كبيرة وأبا لعدة بنين، وابنتين على الأقل، وكان سيد عبيد كثيرين، ومالك قطيع غنم وماعز، وقد بقي يعقوب عند خاله لابان عشرين سنة على الأقل، فى خدمتة مدة سبع سنوات منها.
أولا لقاء الحصول على ابنته راحيل ولكن إذا خدعه خاله وأعطاه ليئة عوضا عنها، فقد اضطر إلى خدمته سبع سنين أخرى للحصول على راحيل الفتاة التي أحبها، ثم بقي عنده مدة ست سنوات أخرى يخدمه للحصول على المواشي فتمكن بحيل متنوعة من كسب جانب عظيم من المواشي الأمر الذي أثار حفيظة لابان وأبنائه عليه فاضطر إلى الهرب آخذا معه زوجتيه وأولاده ومواشيه واتجه نحو أرض كنعان فتعقبه لابان وأدركه على جبل جلعاد وإذ كان الله قد أنذره بأن لا يوقع أضرارا بيعقوب عقد معه عهدا وافترق الاثنان على غير لقاء، وعبد لابان إله آبائه يهوه إله ناحور، على أنه جمع عبادته هذه عبادة الأوثان أي الترافيم كما أنه استخدم طريقة العرافة والرجم بالغيب، وأما عن السيده راحيل بنت لابان وهي الزوجة الثانية للنبي يعقوب عليه السلام وابنة خاله لابان، وهي أيضا الأخت الصغرى لزوجته ليا بنت لابان، وهي أم النبي يوسف عليه السلام، وأم بنيامين أيضا، وقد تزوجها النبي يعقوب بعد سبع سنوات من زواجه من أختها الكبرى ليا بنت لابان، وكانت راحيل تتميز بصفات حسنة منها الجمال والذكاء والعبادة لله، وقد توفيت راحيل حين اشتد ألم الولادة بها أثناء إنجابها لابنها الثاني بنيامين، ودفنها زوجها.
النبي يعقوب عليه السلام في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأكثر زوار القبر هم من اليهود، حيث يذهبون إليه لقراءة الكتب المقدسة، وأما عن رفقة فكانت نبية والأم الحاكمة الثانية من أربع أمهات للشعب اليهودي، فكانت زوجة نبى الله إسحق عليه السلام ووالدة يعقوب وعيسو، ورفقة وإسحق دفنا في مغارة الأولياء في الخليل، جنبا إلى جنب مع الخليل إبراهيم وسارة ويعقوب وليا، وتظهر رفقة في الكتاب المقدس العبري فى العهد القديم على أنها زوجة إسحاق وأم يعقوب وعيسو، وحسب التراث الكتابي، فإن أبا رفقة هو بتوئيل الآرامي من بادان آرام، وتسمى أيضا آرام نهاريم، وإن أخو رفقة هو لابان الآرامي، وهي حفيدة ملكة بنت هاران بن تارح، وجدها ناحور بن تارح، أخو الخليل إبراهيم عليه السلام، ويعتقد بعض الناس أن رفقة وإسحاق زوجان من الأزواج الذين دُفنوا في كهف البطاركة وهى مغارة المكفيلة، والأزواج الآخرون هم آدم وحواء، وإبراهيم وسارة، ويعقوب وليا، وقالوا بعد فداء إسحاق، ماتت سارة، بعد أن دفنها إبراهيم، ذهب يبحث عن عن زوجة لابنه إسحاق الذي كان قد بلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما، وقد أمر إبراهيم خادمه الذي يسميه مفسرو التوراة إليعازار الدمشقي، أن يذهب إلى مسقط رأسه آرام نهاريم.
حتى يختار عروسا من أسرته، لئلا يتزوج إسحاق بفتاة كنعانية محلية، وقد أهدى إبراهيم العروس وعائلتها مجوهرات غالية وثيابا كثيرا وموائد، وقال إبراهيم إن الفتاة إذا رفضت أن تتبعه، فإنه سيتبرأ من مسؤولية إليعازار، وقد ابتكر الخادم اختبارا كي يجد الزوجة المناسبة لإسحاق، فقد وقف إليعازار مع رجاله وعشرة جمال ومؤن عند البئر المركزي في المدينة، وصلى لله “اجعل الفتاة التي أقول لها هاتي إبريقك حتى أشرب، إذا سقتني وسقت إبلي، اجعلها الفتاة التي جعلتها لعبدك إسحاق، حتى أرى أنك أظهرت اللطف لسيدي إبراهيم” كما جاء فى سفر التكوين، ومن عجبه، جاءت فتاة من فوره وسقته وروت عطش الإبل التي معه، وجعلت رفقة تروي الجمال حتى ارتوت كلها، فثبت كرمها ولطف طبعها واستحقاقها لأن تكون في بيت إبراهيم، فأعطاها الخادم من فوره حلقة لأنفها وسوراين ذهبيين ليديها، فهُرعت رفقة إلى أمها لتريها إياها ولما رأى لابان أخو رفقة الذهب، ذهب إلى الضيوف مباشرة حتى يستقبل الضيوف ويدخلهم إلى البيت، وروى الخادم العهد الذي جعله مع إبراهيم وكل التفاصيل التي جرت في رحلته ولقاءه رفقة، وبعد ذلك وافق لابان وأبوه بيتوئيل على أن رفقة سترجع معهم.
وبعد استقبال الضيوف ليلة، حاولت الأسرة أن تستبقي رفقة معها فترة أطول، وقد أصرّ الخادم على أن تُسأل الفتاة نفسها، فوافقت وذهبت معه من فورها، وقد أرسلتها الأسرة مع ممرضتها دبورة، وبرّكوها فقالوا “أختنا، جُعلت آلافا مؤلفة، وُجعلت ذرّيتك الوارثة لأرض الأعداء ” ودخلت رفقة ومرافقوها بيت إبراهيم، فوجدوا إسحاق من بعيد في حقول بير لاهاي روي، ويقول التلمود والمدراس إن إسحاق كان يصلي صلاة المنحة، وهي صلاة بعد الظهر، ولمّا رأت رفقة هذا الرجل الروحاني، نزلت عن جملها وسألت خادمها المرافق من هذا الرجل؟ ولمّا سمعت أنه زوجها المستقبلي، غطت وجهها بخمار تواضعا له، فأدخلها إسحاق إلى خيمة أمه الراحلة سارة، وتزوجها وأحبّها، وقيل إن المعجزات الثلاثة التي كانت في خيمة السيدة سارة ثم اختفت بموتها، ظهرت مرة أخرى مع رفقة، وهذه المعجزات هي اشتعال المصباح في الخيمة من ليلة السبت إلى ليلة السبت، والبركة في العجين، وسحابة كانت تحوم فوق خيمتها وقيل هو رمز للحضور الإلهي وقد صارت بعض الأحداث التي قادت إلى زواج إسحاق ورفقة، جزءا رسميا من احتفال الزواج اليهودي التقليدي، وقبل أن يقف العروسان تحت الظُّلة، يشتركان في احتفال خاص.
يسمى بادكين وهو التغطية، حيث يذهب العريس إلى العروس مع مرافقين له، حتى إذا رآها غطى وجهها بخمار كما غطت رفقة وجهه بخمار قبل أن تتزوج بإسحاق، ثم يتلو العريس أو أبو العروس، أو الحاخام القائم على الزفاف التبريكة نفسها التي تلتها أسرة رفقة قبل إرسالها وهى “أختنا، جُعلت آلافا مؤلفة، وُجعلت ذرّيتك الوارثة لأرض الأعداء ” وحسب التأريخ الذي اعتمده الحاخام راشي، كان إسحاق ابن سبعه وثلاثين عاما عند حادثة فداء إسحاق، والدليل على هذا أن السيدة سارة التي ولدت إسحاق عندما كان عمرها تسعين عاما، وقد ماتت بعد حادثة الفداء وكان عمرها مائه وسبعه وعشرون عاما، فلا بد أن إسحاق كان ابن سبعه وثلاثين عاما في ذلك الوقت، وقد تزوج إسحاق رفقة عندما كان عمره أربعون سنة، وقد مرّ عشرون عاما قبل أن يولد لهما، وفي ذلك الوقت، كان إسحاق ورفقة يدعوان الله بإخلاص ليرزقهما الذرية، فاستجاب الله في النهاية دعاء إسحاق وحملت رفقة، وقد تضايقت رفقة جدا في حملها واشتكت إلى الله معاناتها فيه، وكانت رفقة تظن أنها تحمل ولدا واحدا له صفتان متصارعتان، لذا طلبت الاستنارة وهناك أتتها النبوءة بأن ابنيها يتصارعان في رحمها وسيتصارعان في حياتهما وجاء في النبوءة
أن الأكبر منهما سيخدم الأصغر، وستكون إحدى الأمتين أقوى من الأخرى، وفُسّر هذا على أن الأمتين لن تكونا قويتين في وقت واحد، فإذا سقطت واحدة، صعدت أختها، والعكس بالعكس. وحسب التراث، لم تبح رفقة لزوجها إسحاق بالنبوءة التي رأتها، وعندما حان مخاض رفقة، جاء ابنها الأول أحمر ومشعرانيا في كل جسمه، وكان أخوه الثاني يمسك بعقب قدمه، وسمّى الراؤون الأول عيسو أي بمعنى الشديد أو الممسوك ومعنى عسه أي فعل أو جعل، أو كمل من العبرية عسوي، لأنه كان كامل الشعر مثل الأطفال الذين هم أكبر منه، وسُمي الثاني يعقوب أي ممسك العقب، أي عقب القدم، وقيل إن الصبيين لم يظهر أي فرق بينهما وهما صغيران، ولكن حين بلغا عمر الثالثة عشر عاما، شغل يعقوب نفسه بمدرسة التوراة، وشغل عيسو نفسه بالأصنام، وتشير أوصاف الشابين إلى طبعيهما المتضادين، فكبر الغلامان، وكان عيسو إنسانا يعرف الصيد، وهو إنسان البرية، ويعقوب إنسانا كاملا يسكن الخيام، يشير وصف عيسو بالصياد إلى مهارته في إيقاع أبيه في فخ الكلمات، فكان مثلا، يسأل إسحاق إذا كانت العشور تؤخذ من الملح أو القش، لكي يجعل أباه يظن أنه ملتزم بالوصايا، ويقول الكتاب المقدس إن موقف الأبوين من الغلامين كان مختلفا، فقد أحب إسحاق عيسو لأنه كان يأكل من صيده، أما رفقة فأحبت يعقوب.