
حلم لم يكتمل بقلم محمد السيد
-٢-
مرت الايام بسرعه غريبه بعكس الايام داخل السجن والتي كانت تمر ببطيء شديد وكأنها سلحفاة تسير في قلب الصحراء حتى قررت أن أسعى لنشر روايتي باحثا عن دور النشر التي سأبدأ معها تحقيق احلامي .
وقفت امام مبنى دور النشر داعيا ربي أن يوفقني سيرت بخطوات ثقيلة تعكس قلقي وخوفي حتى وصلت إلى مكتب صاحب دور النشر والذي قابلني بوجه بشوش خاصتا أنه علم من السكرتيرة أنني أريد نشر روايتي
يونس : اهلا وسهلا ما اتشرفتش باسم حضرتك ؟
: سعيد يا باشا .
ابتسم بهدوء ثم أردف : تشرب ايه يا سعيد ؟
: لو مش هتاقل عليك يبقى كوبايه شاي سكر مظبوط .
وأثناء رشفي من مج الشاي ابو فتلة والذي لم يعجبني من الاساس لأنه شاي دلع وليس لعدل المزاج نطق يونس بهدوء قائلا : السكرتيرة قالتلي انك عايز تنشر روايتك عندنا .
: ياريت يا باشا والله الرواية هتعحبك اوي خد اقراها حتى .
ثم ناولته الرواية والتي دونتها في اجنده كبيره بخط يدي مستخدما قلم حبر اسود .
اندهش يونس من طريقه تقديم العمل قائلا باندهاش : في حد يقدم رواية بالشكل ده ، انت شكلك اول مره تكتب في حياتك .
: اه يا باشا ده اول عمل ليه .
يونس : مش مهم خلينا في التفاصيل .
: طب مش هتقراها الاول .
يونس : مش مهم اقراها المهم تتباع وتجيب فلوس .
: ان شاء الله الرواية دي هتكسر الدنيا .
يونس : هي كام ورقه ؟
: حوالي ٦٠٠ ورقه .
يونس : بس دي هتكلفك كتير .
: لأ حضرتك فهمتم غلط انا عايز اطبعها على حساب الدار.
تغيرت ملامح وجه صاحب الدار ٣٦٠ درجه أصبح يشبه مصاصين الدماء بحد كبير ثم نطق بعصبية : عايز الدار تطبع على حسابها رواية ٦٠٠ ورقه ! انت فاكرها دار مسنين .
حاولت تهدئه الموقف حتى لا يضيع حلمي فنطقت بود قائلا : ممكن نقسم العمل على جزئين او تلاته وساعتها الرواية هتبقى حجمها صغير .
يونس : قصدك سلسه حلوه الفكرة دي .
: يعني حضرتك وفقت أن الدار تنشر العمل .
يونس : هي الرواية بتتكلم عن ايه ؟
: عن الحياه جوه السجن بتدور الأحداث عن مجموعه من المساجين قاعدين في عنبر واحد وبتركز على حياتهم عامله ازاي مشاكلهم ؛ مشاعرهم ؛ أحلامهم نظرتهم للدنيا الي بره وطبعا كل واحد منهم يعتبر الراوي لحكايته واسمها دولة ابو زعبل .
يونس : دولة ابو زعبل مش بطالة والفكرة كمان جديدة .
: يعني حضرتك وافقت أن الدار تنشر العمل .
ابتسم يونس ثم قال : مش لما اقرا العمل كله الاول وبعد كده ابقى احكم عليه ولا انت عايز تدبسني وخلاص .
: يا فندم العمل ده خد مني سنتين كتبته وانا في السجن يعني من ارض الواقع .
وفي لحظه تجمدت ملامح يونس أصيب بحالة ذهول وظل فاه مفتوحا لدقائق وكأنه فقد الوعي ثم نطق بقلق قائلا : هو انت كنت في السجن .
ايقنت في هذه اللحظة أن حلمي مات وهو مازال جنينا فنطقت بقلق : اه يا باشا كنت مسجون .
يونس : وانت بقى كنت محبوس في ايه ؟
: ابدا خناقه مع واحد جارنا ابتديت بالعتاب الشيطان دخل ما بينا ايدينا طولت ع بعض وفي عز الخناقة لاقيت حديده ع الارض .
ثم صمت لأني لا اريد تكمله الحكاية ولكن يونس لم يتركني لصمتي طويلا فقال : ايه اللي حصل بعد كده ؟
نطقت بحزن نابعا عن تأنيب الضمير : انا معرفش عملت كده ازاي ! خدت الحديدة من الأرض وضربته بيها ضريبتين .
يونس : يعني اتحبست في خناقه .
: ياريت احمد مات وانا اتحبست خمس سنين في قضيه ضرب أدى إلى موت .
نظر لي يونس بفزع وقال : يعني انت قتلت يا سعيد .
: بس انا مكانش قصدي اقتله دي كانت خناقه .
يونس : روايتك مرفوضه يا سعيد مش هينفع انشرها .
: ازاي تحكم عليها بالفشل من غير حتى ما تقراها .
يونس : ما ينفعش انشر رواية لواحد سوابق .
: انت ملكش دعوه بحياتي الشخصية حكمك ع الرواية وبس .
يونس : لو حد شم خبر بان عندي كاتب كان مسجون في ابو زعبل في قضيه قتل سمعه الدار هتبقى في الحضيض .
: انا لما غلطت القانون حاسبني خمس سنين ضاعوا من عمري ع جريمة ما قصدتش اعملها .
يونس : المقابلة انتهت يا سعيد .
وقبل أن انصرف من مكتبه نطق قائلا : نصيحه يا سعيد عيش جوه دايرتك بلاش تخرج منها علشان ما تضحكش الناس عليك .
خرجت من الدار وانا مصاب بحالة إحباط شديدة استأت من هذا المجتمع الظالم والذي يصر أن يحاكمني على جريمة حكمني عليها القانون من قبل ولكني لم ايئس واصريت أن أكمل في طريقي الذي اخترته حتى ولو وقفت امام الدنيا كلها .
نلتقي غدا مع جزء جديد من #حلم_لم_يكتمل