
قصة قصيرة…. بقلم مصطفي حسن محمد سليم
لعنات المقبرة
قصة قصيرة…. بقلم مصطفي حسن محمد سليم
أتسمت الليلة بالبرودة الشديدة وغياب القمر، ممازاد حدة تأثير الرهبة علي الجبل الرابض في قلب الصحراء، وران الصمت علي المكان لايقطعه سوي وقع أقدام ثلاثة رجال، يمسك أحدهم ببطارية كبيرة وهو يحرص علي أضاءة الطريق أمام الاثنين الآخرين، الذين يمشون ببطء خشية الأنزلاق في أي حفرة، أو التعثر في أي حجر لعدم معرفتهم بمسالك الجبل جيداً ،وكان يبدو علي الرجل الذي يحمل مصدر الأضاءة معرفة كل شبر في الجبل، حتي أنه يستطيع أن يمسحه سيراً علي الأقدام دون أضاءة عدة مرات، وتحدث الرجل الذي يحمل الأضاءة وهو يقول لهم لقد وصلنا ،ألتفت إليه أحدهم وهو يقول له أين يقع مدخل هذا الجبل، وأشار الرجل بالبطارية نحو فتحة في بطن الجبل وهو يقول له في أحترام زائد عن الحد هنا يامنصور بيه، وتقدم نحو تلك الفتحة يسبقهم وهم يتبعون خطواته في حرص حتي غابوا داخل قلب الجبل، ليعود الظلام يلف المكان بقوة مرة أخري….
أقترب زعيم المطاريد من ثلاثة رجال الذين أجتازوا مدخل الجبل، وهو يقول لأحدهم في عصبية هل هذا هو الشيخ المعجزة الذي تتحدث عنه يامنصور بيه، والذي سيصنع المعجزات، لقد فقدت ثلاثة من رجالي المخلصين أمس نتيجة البحث عن هذه المقبرة الملعونة، لقد سقطوا في البئر الذي صنعه الملاعين الفراعنة، أبتسم منصور وهو يضع يديه علي كتفه قائلا له في هدوء ستري الآن المعجزات ياحمدان، وستعلم حتماً أنك مخطأ عندما تحكم علي الناس بالظاهر، شهر حمدان سلاحه الآلي في وجه الشيخ وهو يقول له في حدة، تأكد يامنصور بيه أنه اذا لم يصنع المعجزات ستكون نهايته هنا في نفس المكان الذي يقف فيه الآن، فلا مجال هنا للنصابين، نظر إليه الشيخ في برود وهو يتمتم ببعض الكلمات التي بدأت علي حركة شفتيه في صمت، أمسك بعدها زعيم المطاريد قلبه وهو يتلوي من الآلم علي الأرض مثل الثعبان ولايستطيع التنفس، ورفع جميع الرجال أسلحتهم نحو الشيخ، الذي اندفع منصور ليقف حائل بينهم وبينه ليحميه منهم، وهو يقول لهم أخفضوا أسلحتكم أيها الأغبياء، وأنت ياشيخ علي لاتغضب من حمدان زعيم المطاريد، الا مايعرفك يجهلك، وتوقف علي عن تلاوة ذلك القسم، وبدأ حمدان يستعيد أنفاسه ببطء وهو يضع يديه علي قلبه، ثم أعتدل في جلسته ليقف مرة أخري علي قدميه بمساعدة أحد رجاله، وهو يعتذر للشيخ علي، ثم تقدم داخل المغارة التي سقط فيها رجاله قتلي بالأمس، وتوقف علي حافة فتحة المغارة بحرص شديد ، وأغمض الشيخ علي عينيه لمدة ثواني وكأنه يغوص في أعماق المكان، ثم ألتفت إلي منصور وهو يقول له بصوت أجش كأنه صادر من قلب الجحيم، لقد سقط رجالك في قلب مهلك صنعه الفراعنة، ومدخل المقبرة ليس من هنا، وأشار إلي مكان آخر في قلب الجبل وأندفع نحوه، ثم طلب أن يحضروا له منقد فيه فحم ليشعل فيه البخور، الذي أخرجه من جيب جلبابه، وسرعان ما تصاعدت الأبخرة تملأ المكان برائحتها النفاذة، التي لم يستطيع الرجال تحملها، وبدأت أمام الجميع أن دخان الأبخرة الذي يتصاعد منها بدأ يتشكل علي أشكال أجساد بشر، تحمل ملامح شيطانية، وتعالي صراخ مجهول منها ينتشر في المكان بصوت مرتفع، وشعر الجميع بدوار عجيب يلف رؤوسهم جميعاً، ووضع الجميع أيديهم علي أذناهم وهم يصرخون من شدة الألم، ثم توقف كل شيء فجأة ليسود المكان الهدوء لعدة لحظات، وقف فيها الشيخ علي الذي كان يجلس علي الأرض وهو يقول لهم هذه المقبرة تحمل عدة كنوز ذهبية لم يأتي التاريخ بمثلها قط حتي الآن، ولكنها تحمل أيضا لعنات قوية قد تهلكنا كلنا أذا تمادينا في البحث عنها، وفتح هذه المقبرة، وأرتسم الخوف والجزع علي وجوه الجميع، وهم يتراجعون بعض خطوات للخلف من الخوف …..
أمسك منصور بيد الشيخ علي وهو يبتعد به عن أسماع الرجال الواقفين أمامه، وهو يقول له في غضب كل ماشاهدته منذ قليل كان أستعراض لقواك الخفية ياشيخ علي، والسحر الأسود الذي تجيده جيداً، ولكن هذه أول مرة أراك تتحدث فيها أمام الجميع عن الذي ينتظرنا خلف جدران هذه المقبرة من لعنات، أخذ علي نفس عميق وهو ينظر إلي الرجال الذين يقفون بعيداً عنهم والذي نجح في بث الرعب بداخل قلوبهم، وهو يقول له لأن ماينتظرنا داخل جدران هذه المقبرة أقل بقليل من الذي تحدثت عنه يامنصور بيه، زفر منصور في حدة قائلا له ماهو الذي ينتظرنا ياشيخ، أول مرة أراك فيها تشعر بالخوف من مقبرة فرعونية، لقد فتحنا مقابر كثيرة من قبل أنا وأنت وغنمنا من ورأها مبالغ كبيرة، وثروات طائلة، ولم يحدث أن تحدثت من قبل عن أي لعنة تنتظرنا، لوح علي بكفه وهو يقول له إلا هذه المرة يامنصور بيه، الخدمة التي معي تحذرني منها، لأنها مقبرة كاهن يامنصور بيه وقد وجدت هنا لحماية مقبرة ملكية خلفها، ولقد وضع هذا الكاهن لعنات لانهاية لها علي كل من يقتحم مثواه الآخير، صدقني هذه المرة قد يصبح هذا الأمر يفوق كل قدراتي بكثير، ربت منصور علي كتفه قائلا له وأنا أعرف أن قدراتك لاحدود لها، وأكبر بكثير من أي لعنات تنتظرنا هنا، فقال له علي سأحاول ولكنك لاأعدك بذلك، ويجب أن تحضر كل ماأريده مهما كان طلبي، أبتسم منصور وهو يقول له أعرف طلبك ياشيخ علي أنت تريد طفل صغير لذبحه علي باب المقبرة، مثلما فعلت في مقبرة الأقصر، ومع أني أكره تنفيذ ذلك الطلب ولكني سأجعل الرجال تحضره لك علي الفور، وأيضا البخور المغربي الذي تريده حتي لايقف أمامك أي عائق للدخول إلي ذلك الكنز، وأرتجت أركان المكان علي صوت صدي ضحكاتهم معاً….
أغمض الشيخ علي عينيه وهو يتمتم ببعض التعويذات الغريبة، ويتعالي صوته في بعض الأحيان ويخفت مرة أخري، ثم يقذف بعض البخور علي النار داخل المنقد ليزيد من حدة أشتعالها، ثم وقف وهو يتجه إلي أحد أركان المغارة وقام برسم عدة رموز، مثل النجمة، وقلب إنسان، وقرص شمس، وصور عدة حيوانات مفترسة، ورجع ثانية إلي مكانه والرجال يتابعونه في خوف ورهبة، حتي أخذ نفس عميق وهو يشير إلي أحد الرجال الذي يمسك بين يديه طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره لذبحه، وبعد أن فعل ذلك أتجه إلي جثة ذلك الطفل والدماء مازالت تنزف منه بغزارة، ووضع يديه علي موضع خروج الدم، وقام بتلطيخ يديه وهو يتجه إلي الحائط المقابل له والذي قام برسم النقوش عليه منذ قليل، ثم فعل ذلك أكثر من مرة حتي أصبحت النقوش التي علي الحائط كلها بلون الدم، تابع الرجال المشهد وهم يلعنون في سرهم ذلك الشيخ المجنون الذي قام منذ قليل بالتضحية بطفل صغير دون رحمة، ورغم أن معظمهم محكوم عليه بالإعدام في عدة قضايا قتل، إلا أن مشهد مقتل الطفل والطقوس الغريبة التي يقوم الشيخ بها أمام أعينهم حركت بعض مشاعر الكراهية والندم علي أنهم أصبحوا من الخارجين علي القانون، وقد شاركوا في جريمة مثل هذه منذ قليل، وعاد الشيخ إلي مكانه وهو يزيد في حدة القاء البخور علي النار، وألقاء التعويذات والطلاسم بصوت عالي، حتي رأي الرجال الرموز التي قام برسمها بدأت تنزف الدماء منها بغزارة من علي الحائط، الذي أظهر العديد من النقوش الفرعونية من تحتها، نقوش زاهية واضحة، والتي لم تكن موجودة من قبل علي ذلك الجدار، وأشار الشيخ للرجال الذين يحملون معاولهم لهدمه، والذين أسرعوا لنحوه لهدم ذلك الجدار بكل قوة، ولم تمر دقائق حتي قاموا بعمل فجوة تكفي لمرور رجل بداخلها، وأنبعثت من الداخل رائحة نتنة كريهة لم يستطيع أن يتحملها الرجال، الذين أسرعوا بالفرار من أمامها تاركين الشيخ علي بمفرده، الذي لمعت عيناه وسال لعابه لأقترابه من الوصول إلي الكنز الذي بداخل المقبرة، وصدق تنباؤته عن مكان الباب…..
أستيقظ حمدان علي يد تهز جسده في عنف، وأنتفض جسده الهزيل وهو يفتح عينيه في بطء، والعرق الغزير يغمر وجهه وجسده كله، وحمد الله في سره علي أنه أستيقظ في اللحظة المناسبة، وتحسس بيديه مكان قلبه الذي أرتفعت صوت دقاته من أثر الكابوس، الذي كان يرواده في الحلم منذ قليل، لقد أنزلقت قدمه من فوق الجبل أثناء نزوله، ووجد جسده يهوي بسرعة رهيبة، ويقترب رأسه من حجر ضخم في نفس اللحظة التي أستيقظ فيها، وللحظات أخذ يحملق في وجه الرجل الذي أوقظه من هذا الكابوس، كان سليمان أحد رجاله المخلصين وهو يقول له في عصبية أنت نومك ثقيل جداً ياحمدان، منصور بيه يريدك الآن علي الفور، أبتلع حمدان لعابه وهو يقف علي قدميه ويغادر المغارة المظلمةً التي كان يرقد فيها وهو يتجه نحو منصور الذي كان يتحدث مع علي، وقد قطع حديثه عندما لمح حمدان، وإشار لحمدان بالجلوس، وهو يقول له في هدوء لقد مر وقت كافي علي تهوية المقبرة، والشيخ علي يريد الدخول إليها، أعتدل الشيخ علي في جلسته وهو يرمق حمدان بنظرات تحمل مزيد من كراهية لاحدود لها، وهو يقول له سترافقني إلي الداخل أنت وأربعة من رجالك، ومهما حدث بالداخل لاتتدخل فيه أنت ورجالك، بصق حمدان علي الأرض وهو غير معتاد علي أخذ أوامر من أحد، وهو يقول له وكيف يكون ذلك ياشيخ، أبتسم منصور في محاولة منه لأمتصاص حدة الحديث وهو يوجه كلامه إلي حمدان، أرجو أن تتعاون مع الشيخ ياحمدان لمصلحتنا كلنا، وشعر حمدان بالغضب يزيد بداخله وهو يتحسس بيديه سلاحه، كان يود لو أخرج مسدسه وأفرغ خزنة طلقاته بداخل جمجمة الشيخ علي، فهو من أول وهلة رأه فيها وهو لايرتاح لوجوده، ونظر حمدان إلي سليمان وهو يقول له أحضر معك ثلاثة رجال آخرين لمرافقتنا، ولاتأخذ الأوامر إلا مني أنا فقط مهما حدث…..
تجاوز آخر رجل الفتحة التي صنعها الرجال بداخل باب المقبرة إلي داخل المقبرة، وهو يقفز علي أرضية المقبرة التي غمرتها أضاءة الكشافات القوية في يد الرجال، والتي صنعت لوحة مبهرة مع النقوش الملونة الفرعونية، والتي تزين جدران المقبرة، والتي تبدو وكأنها أنتهي من صنعها الأمس فقط، وكانت الغرفة خاوية لايوجد بها سوي تابوت حجري مزين بنقوش غريبة، وأشار لهم الشيخ علي بالكشاف الذي في يديه علي باب غرفة جانبية، وتقدم أمامهم بخطوات ثابتة وعندما تجاوز باب الغرفة الضيق تبعه مجموعة الرجال في سرعة، ومع تجاوز آخر رجل لباب الغرفة سقط حجر من السقف تدحرج بسرعة نحو مدخل الغرفة ليغلق مدخلها تماماً، وغمرتهم من فتحات في الجدران مياه شديدة غاص الرجال بداخلها يحاولون مكافحتها بكل وسيلة خوفاً من الغرق، ثم توقفت المياه فجأة، وأختفت كما ظهرت، وبدأت الدهشة علي وجه حمدان ورجاله لجفاف ملابسهم، ثم أنفتحت شقوق كبيرة من داخل جدران الغرفة مرة أخري، وخرج منها مجموعة كبيرة من الثعابين بأحجام مختلفة، أندفع أكبرها نحو حمدان ليلتف عليه ويعتصره بكل قوة، وشعر حمدان بأن ضلوعه تكاد أن تنفجر وهو يصرخ في رجاله بصوت مختنق، أقتلوا الشيخ، وأرتفعت أيدي الرجال بالأسلحة التي في أيديهم لتنطلق منها النيران نحو صدر الشيخ علي، الذي سقط علي الأرض غارقا في دمائه، وفجأة تلاشت الثعابين من المكان، وأختفي الحجر الذي يسد باب الغرفة، جلس حمدان علي أرضية الغرفة يلتقط بعض من أنفاسه، غير مصدق ماحدث له منذ قليل ….
وقف منصور يشاهد آخر رجل يعبر فتحة المقبرة للخارج، وهو يندفع نحو حمدان يسأله عن الشيخ علي، نظر حمدان في عينيه في برود وهو يقول له لقد ذهب إلي الجحيم، أمسك منصور بيديه المعروقة جسد حمدان النحيل وهو يهزه في عنف، قائلا له قل كلام غير ذلك ياحمدان، هل قتلت الرجل الذي كان سيوصلنا إلي الكنز؟ ومن أجل ماذا فعلت ذلك؟ دفعه حمدان بقبضة يديه في عنف، وهو يقول له في تحدي من أجل سلامتنا أنا والرجال من ذلك الشيطان، الذي كان يمارس كل أنواع الدجل الشعوذة منذ حضوره معك إلي هنا، كان يعرف جيداً أن المقبرة خاوية ليس بها شيء، وكا يستغلنا في جلب طفل له لذبحه لتقديمه كقربان إلي الشيطان الذي يعبده، تمالك منصور نفسه وهو يقول له ربما تكون علي حق في ذلك، ولكنه قال لي قبل فتح المقبرة أنها بوابة الدخول إلي المقبرة الملكيه، التي تحوي الكنز، زفر حمدان في غضب وهو يقول له كل هذا كذب، وأفتراء منه، صدقني يامنصور بيه فيما أقوله، لوح منصور بيديه وهو يقول له حسناً سأقوم بأحضار شيخ غيره ليوصلنا إلي الكنز، وليأخذ كل منا نصيبه، أدار له حمدان ظهره وهو يقول له لن يحضر أحد هنا ثانية يامنصور بيه، لقد أنتهي الأمر ليس عندي أستعداد لخسارة أي رجل من رجالي مرة أخري، شرفت يامنصور بيه، قم بتوصيله ياسليمان، وقف منصور وقد تسمر في مكانه يرفض التحرك منه، في حين جذبه سليمان من يديه نحو طريق الخروج، وهو يصيح في غضب قائلا له يبدو أنك أصابك الجنون ياحمدان الاتعرف من أنا، ومدي قوتي، ألتفت إليه حمدان وهو يقترب منه وهو يوجهه سلاحه إلي رأس منصور، قائلا له في حدة أعرف من أنت جيداً، ولكنك نسيت أنه أنا من صنعتك يامنصور بيه، بحمايتك من أعدائك، ومساعدتك في أستخراج الكنوز، والآن أغرب عن وجهي قبل أن تفلت أعصابي مني، وأجعلك تلحق بالنصاب الذي أحضرته معك، ودفعه في صدره حتي كاد أن يسقط علي الأرض، في حين امسك به سليمان ليمنعه من السقوط، وهو يشير له علي طريق الخروج بعنف.