لم يزل أحمد يواصل استعداداته منذ ستة أعوام قضاها خارج البلد.
المستقبل أمامه كجبل شاهق لا يستطيع الضعفاء الصعود إلى أعلاه..
الساعة تشير إلى الرابعة عصرا خرج أحمد من منزله الكائن في المدينة متجها لزيارة المكتبة في الشارع الخلفي من حي سكنه، ازدحام المارة، حركة السير، بل ورؤية أشكال الناس من جنسيات مختلفة؛ أثر ذلك على نفسيته قائلا: هل جميع هؤلاء يعيشون خارج أوطانهم ولهم أمنيات يسعون لتحقيقها ؟
بعد نصف ساعة يدخل أحمد تلك المكتبة بينما كانت غيوم المساء تلوح بالجمال الفاتن حيث تعكس خيوط الشمس قبل الزوال سحر تلك الألوان التي على نوافذ المباني وتضفي في نفسيته حب الاطلاع أكثر بين رفوف مليئة بالكتب في مختلف المجالات ..
فجأة،، اقتربت منه إحدى الفتيات التي يبدو عليها محبة للقراءة والمعرفة قائلة له: “لو سمحت ممكن تساعدني ؟
نظر إليها بخجل ورد عليها قائلا :
نعم ..ولم لا ؟”
بعد ساعة كاملة أكمل اقتباساته من بعض المصادر التي وجد فيهن ما أراده فقرر العودة إلى منزله بينما الفتاة رمقته بنظرة إعجاب من الزاوية المقابلة منه حتى وقع الكتاب من يديها.
اكتسحت غيوم العاطفة على مشاعره ففاضت شرود ذهني، جرفت اقتباساته.
لم تزل الفتاة تحدق بعينيها على أحمد فشغف حبها جعلها أن تعترف له بمحبتها له منذ فترة طويلة حيث تقف كل يوم بجانب نافذة غرفتها لتشاهده كلما ولج منزله القريب جدا من منزل والدها ..
بدأ الظلام يخيم على فضاء المدينة،حلم على قارعة الروح وخيال يفترش أمامه وبكل خطوة يخطوها ترتسم أمامه حكايات كثيرة منذ ستة أعوام مضت ومازال الجبل واقفا لا ينحني ولو عصفت به ريح الحياة العاتية ..
في المنزل يستعد لتناول وجبة العشاء مع زملائه الذين يسكن معهم ..
أحدهم ينظر إليه بتعجب وكأنه أدرك أن هناك ثمة أمر ما حدث له لكن أحمد يتظاهر بأللاشيء حدث ..
ظل أحمد ليلته بجوار النافذة يتطلع على منازل الحي عل شمعة تشعلها تلك الفتاة فيسامرها لكنه نعس ونام بجانب النافذة .
ساعات متأخرة من الليل حيث تغيرات المناخ كانت في ذروة عواصف الهوجاء تقتلع أمامها الأشياء الأقل تماسكا فأوصدت النافذة محدثة صوتا أيقظه من حلمه عندئذ سأل نفسه : لماذا يعيش أبناء الوطن غربة ضائعة في أوطانهم ؟!