حكم زواج الزاني من المرأة التي زنا بها
بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد علي عبد الساتر
كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية
جامعة الوادي الجديد
سفير السلام بهيئة سفراء السلام والشباب بمصر
عضو مجلس علماء مصر
السؤال :
هل يجوز زواج الزاني من المرأة التي زنا بها؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونسترضيه، ونعوذ بالله سبحانه وتعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ونبيه ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم وزد على سيدنا محمد، النبي العربي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم، وسلم تسليما كثيرا.
الزنا كبيرة من أبشع الذنوب التي توجب التوبة والاستغفار، ولكن ليس من شروط الزواج أن تكون الزوجة لم ترتكب الفاحشة، فتلك معصية كبيرة تحاسب عليها بين يدي الله عز وجل، ولكن ذلك لا يحرم زواجها مطلقا، سواء من الزاني أو من غيره، كما ذهب إليه جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما اشترط المالكية انقضاء العدة بعد الزنا قبل زواجه بها. ينظر “المغني” (7/ 140).
وأما قوله عز وجل: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) النور/3، فقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنها منسوخة، ونقل عن سعيد بن المسيب أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) النور/32، والمسألة فيها خلاف وكلام طويل لأهل العلم، يمكن مراجعته في كتب التفسير وكتب الأحكام.
يقول الإمام الماوردي رحمه الله: “الرجل إذا زنى بامرأة فيحل له أن يتزوجها. وهو قول جمهور الصحابة والفقهاء. ودليلنا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من ذوات الأنساب: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) النساء/24. فكان على عمومه في العفيفة والزانية؛ ولأنه منتشر في الصحابة بالإجماع، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عمر وابن عباس وجابر، فروي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: إذا زنى رجل بامرأة لم يحرم عليه نكاحها. وروي عن عمر رضي الله عنه جلد زانيين الحد، وحرص أن يجمع بينهما. وروي عن ابن عباس: أنه سئل أيتزوج الزاني بالزانية؟ فقال: نعم، لو سرق رجل من كرم عنبا أكان يحرم عليه أن يشتريه، فهذا قول من ذكرنا، ولم يصح عن غيرهم خلافه، فصار إجماعا” انتهى باختصار من “الحاوي الكبير” (9/ 189).
ولا يخفى أن هذا الحكم خاص بتراضي الطرفين، ولا يعفيهما من عقوبة المعصية إذا ثبتت عليهما بالبينة أو الاعتراف، ولكن المقصود بيان صحة زواج كل منهما بعد ذلك، ولا ينبغي أن تكون المعصية سببًا في إغلاق باب الحلال مطلقا، كي لا يكون ذلك سببًا في كثرة الفجور وامتهان الزنا حين يعلم الزاني أنه لا يحل له الزواج بعد ذلك.
وفي كل الأحوال فإن زواج الرجل بمن زنا بها يتم بالتراضى بينهما و بموافقتها وموافقة وليها، ولا يتم رغمًا عنها بحكم القانون لإعفائه من العقوبة، وحق كل منهما أن يرفض ذلك الزواج، أما العقوبة الشرعية فإذا توفرت شروطها فإنها تحل بالزانيين، سواء تزوجا بعد ذلك أم لا.
ومن تزوج بفتاة -مسلمة أو غير مسلمة- وعلم يقينا أنها تقع في الفاحشة الظاهرة بعد زواجه بها، ثم صارحها ولم تتب أو ترتدع، فهذه يجب عليه طلاقها؛ كي لا يدنس عرضه وذريته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة ديوث) رواه أبو داود الطيالسي.
أما الاغتصاب فهو أعظم جرمًا وأشد خطرًا؛ لما فيه من هتك الحرمات، والتعدي على الطاهرات، ويجب إيقاع العقوبة الرادعة على المغتصب، سواء على سبيل الحد أم على سبيل التعزير، وتزويجه* ممن اغتصبها مكافأة له على جريمته، ولا يقر ذلك عرف ولا شرع ولا قانون. والله أعلم.
وصل اللهم على سيدنا محمد، النبي العربي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم، وسلم تسليما كثيرا.
والله من وراء القصد
