*مثلث برمودا اليابسة* بقلمي/ ميرنا أشرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
سماءٌ مظلمة ملبّدة بالغيوم .. جوٌ كئيبٌ مقبض .. أشجارٌ عالية تضفي ظلالًا تحجب أي لمحة نور .. هكذا كان الجو عندما جلسنا حول النار ملتحفين بثياب الشتاء الثقيلة، كنا في معسكرٍ للتخييم، أربعة شباب وأنا الخامس، نحن أصدقاء من الطفولة، إياس و أوّاب توأمٌ متماثل اللهم لون العينين، فإياس عيناه تماثل زُرقة السماء على عكس أوّاب الذي يشبه لون عيناه العسل المُصفى .. آذان وآسر أبناء عم، وأنا آدم ..
جميعنا نسكن في حيّ واحد، ودرسنا في نفس المدرسة والآن الجامعة، كانت أجازة آخر العام ولهذا قررنا الذهاب في رحلة تخييم إلى تلك الغابة في المدينة المجاورة لبلدتنا، غابة الموت أو الذعر كما يطلقون عليها .. سمعنا أقاويل كثيرة عن تلك الغابة الغريبة، كأنها متاهة مرعبة، مظلمة، حيث يقال أن الداخل فيها مفقود، تتجول في أرجائها كائنات خفية، وتحت ظلال أشجارها الباسقة تسرح أشباحٌ وكيانات هائمة لتعزف لكم مقطوعةً لحنية عنوانها الرعب .. بمجرد دخولنا لتلك الغابة شعرنا بانقباض غريب في قلوبنا، وكأن دواخلنا شعرت بما لم نشعر به نحن .. اخترنا بقعة معينة في بداية الغابة وقررنا نصب معسكرنا الصغير هناك، وعندما انتهينا كان الظلام قد بدأ بالانتشار ورافقه ضبابٌ كثيف ملأ الأرجاء ..
في هذه الأثناء وبينما نحن جالسون حول النار نتحدث إذ بي ألاحظ أن صديقي آذان ينظر لي بتركيز ..
آدم:- ماذا هناك آذان؟! لم تنظر لي هكذا؟!
آذان:- ها آدم! لا لا لم أكن أنظر لك، لفت نظري وكأن هناك خيال شخص يقف خلفك.
قام إياس فورًا ووقف خلفي وقال:- عن أي خيال تتحدث يا آذان؟! أنا لا أرى شيء وليس هناك أي آثار لأي شخص. و
فقلت:- ربما كنت تتخيل يا آذان، فالنيران تضفي خيالات على الموجودات.
أردف أوّاب بمرح:- وربما كان خيالًا فعلًا، لا تنسوا أننا في غابة الموت يا رفاق.
قام آسر بإصدار بعض الأصوات المخيفة والتي على إثرها ضحك الجميع .. أشرتُ له بالصمت قائلًا:- يكفي لهذه الليلة يا رفاق وهيا إلى النوم، الجو باردٌ جدًا.
أومأ الجميع متفقين على كلامي واتجه كلٌ منا إلى خيمته، الوقت كان منتصف الليل عندما سمعتُ ذلك الصوت .. صراخ امرأة عالٍ جدًا يأتي من مكانٍ ما، كنت لازلت مستيقظًا وعندما انطلق ذلك الصوت قام آذان النائم بجواري بفزع، نظر لي فأشرت له بـ لا أعرف، خرجنا من خيمتنا ولاحظنا أن إياس وأوّاب وآسر قد استيقظوا أيضًا، نظرنا لبعض في صمت حتى تشجع أحدنا على الحديث ..
إياس:- والآن ماذا؟! هل ابتدأ الرعب والغابة قررت اللعب معنا؟!
تمتم آسر:- هل يُعقل أن يكون ذلك الصوت ما هو إلا وهم؟!
آدم:- كفاك سخافةً آسر، أي وهمٍ هذا الذي يسمعه خمسة شباب في نفس الوقت وبصوتٍ واضح!!
فتح آذان فاه ليتحدث ولكن انبعث فجأة صوت ضحكات أطفال من اللا مكان، نظرنا حولنا في اضطراب ولكن الصوت بدا وكأنه صادر من الهواء نفسه، هنا لم يحتمل أوّاب أكثر وقال:- هيا نخرج من هنا، لن أنتظر مطلع الشمس، الله أعلم ما قد يحدث إن بقينا!
أومأ آذان:- وأنا أيضًا أتفق مع أوّاب، يكفي يا رفاق دعونا نخرج من هنا.
قلتُ:- ولكن على الأقل لننتظر حلول الصباح، الظلام منتشر والضباب كثيف جدًا، لن نرى أمامنا هكذا.
وبينما نحن نتحدث أشار لنا آسر بالصمت:- شششش أمعنوا السماع، كأن هناك صوت خطوات ..
التفتنا للجهة الصادر منها الصوت وإذ بفتاة ربما عمرها 10 سنوات تخرج من بين الأشجار، ثيابها ممزقة وبشرتها شاحبة، اتجهَت من فورها إلى إياس وأمسكَت يده كأنها تجذبه قائلة: تعال معي، تعال معي.
حاول إياس فك قبضتها ولكنها كانت ممسكة به بقوة تفوق سنوات عمرها العشر، لم يستطع الابتعاد عنها فآثر الاستسلام وذهب معها ونحن خلفه، يرافقنا الذعر الذي بدأ بفرد أجنحته فوقنا، مشينا مدة ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، حتى وصلنا إلى بقعة داخل الغابة على شكل دائرة، دائرةٌ خالية من مظاهر الحياة، على عكس باقي الغابة فهذه البقعة قاحلة، أشجارٌ وحشائش يابسة، تربةٌ تغلغل الجفاف في ثناياها، راودَتنا مشاعر كثيرة منها الخوف والذعر، وكان هناك إحساس أننا مراقبون، وكأن هناك عيونًا تنظر إلينا من كل مكان، مشت الفتاة حتى وقفَت في منتصف البقعة، وهنا تغير شكلها وتغضن وجهها حتى صار كوجه قردٍ عجوز، عيناها صارتا مجوفتين وبدأت تبكي دموعًا سوداء، ثم صرخَت صرخة أحسسناها هزّت أرجاء الغابة، وفجأة اختفت الفتاة بلا إنذار تاركةً إيّانا ننظر إلى بعضنا وقد أدركنا هول ما قادنا إليه اندفاعنا وسعينا المتهور إلى مغامرة لم نحسب لها حسابًا، قررنا محاولة الخروج من الغابة كما قال أوّاب وآذان قبلًا، ولكن كان الوضع وكأننا داخل متاهة، مهما مشينا فإننا نعود لذات النقطة التي بدأنا منها عند تلك الدائرة، تغلغل الذعر داخلنا وحاولنا حثيثًا السيطرة على ما بقيَ من رشدنا، كان الضباب يزداد كثافة ومعه تزداد رجفة قلوبنا، انبعث من العدم أصواتٌ مختلفة لأطفالٍ يلعبون ونساء يتضاحكن في مرح، مع صوت صرخاتٍ واستغاثات مجهولة المصدر وكأنها قادمة من الجحيم .. أيقنّا أننا سنقضي نحبنا لا مَحالة، فلم نسمع عن أحدٍ دخل هذه الغابة وخرج منها حيًا أو حتى ميتًا، إنها مثلث برمودا اليابسة كما يقولون .. ولكن رغم هذا لم نستسلم، حاولنا وحاولنا ولكن كان الفشل هو حليفنا في النهاية، في الأخير جلسنا على الأرض بإنهاك ونحن ننظر حولنا في يأس حتى تحدث أحدنا..
آسر:- ماذا الآن يا آدم؟! ماذا نفعل؟! هل سنظل هكذا ندور في دائرة مُفرغة!
هززت برأسي في يأس وأجبت:- وماذا تُرانا فاعلين يا آسر! أنت تعرف مهما حاولنا فنحن نعود لنقطة البداية وكأن لم نتحرك أبدًا.
قال إياس:- ولكن ربما…. آاااااااااااااه صرخ عاليًا فنظرنا إليه بسرعة، وهنا صعدت قلوبنا إلى حلقنا من شدة الفزع، كان إياس ينظر فوقه برعب، عيناه جاحظتان وكأنهما ستخرجان من محجريهما، وعلى وجهه أعتى علامات الرعب والفزع، ثيابه مغطاةٌ بالدماء، وهناك شيءٌ بارزٌ من جهة قلبه وكأنها يد، يدٌ شيطانية طويلة الأظافر خضراء الجلد، وقفنا فزعين مما نرى وقبل أن ينطق أحدنا إذ بنا نرى كائن مرعب شيطاني يظهر من خلف إياس الذي وقع أرضًا غارقًا في دمائه، كان يشبه الشيطان كما تصوره قصص وحكايا الأجداد، عينان حمراوتان وكأنهما جمرتا نار، شعرٌ كثيف وأقدام ماعز، قرنان مخيفان وأنيابٌ قاتلة، رفع هذا الكيان يده وأشار إليّ قائلًا بصوت جمّد الدماء في عروقنا:- آااادم .. آااادم أنتم مَن جئتم بأقدامكم إلينا، فإياكم أن تحلموا بالعودة، هنا سيكون مماتكم، هنا فناؤكم .. انهى كلماته بضحكةٍ اهتزت على صداها أشجار الغابة واختفى، هُرعنا جميعًا إلى إياس الساقط أرضًا ولكن للأسف كان قد مات، اقتربتُ من أوّاب محتضنًا إياه بقوة قائلًا:- إياك والانهيار، رحل إياس ولكن إن انهار أحدنا فسوف نلحق به بالتأكيد.
صرخ آذان في انهيار:- ولكننا ميتون، مهما فعلنا سنموت في النهاية كمَن سبقونا، لا يوجد أي طريقٍ للنجاة.
أمسكه آسر من ذراعه قائلًا:- عد إلى رشدك يا رجل! إننا معًا هنا، سننجو بإذن الله.
ألقى أوّاب بنظره على جثة أخيه وقال:- هيا يا شباب، ذهب واحد ولكن بقيَ أربعة، ثم سار إلى الأمام وتركنا، نظرنا لبعضنا في حيرة وخوفٍ عليه وقلت:- لا وقت، عيناه باردتان وكأن داخلهما صقيع، علينا أن نلحق به..
ذهبنا مسرعين إلى حيث اتجه أوّاب ولكن لم نعثر له على أثر، وكأنه تبخر، نظرنا لكافة الأرجاء وصرخنا باسمه ولكن لا فائدة أيضًا.
قال آذان:- أين اختفى أوّاب؟! هل انشقت الأرض وابتلعته أنا لا أفهم، وقبل أن ينهي جملته إذ بشيءٍ يقع فوق آسر، أسرعنا إليه لنُصدَم، إنه أوّاب، بل للدقة إنها جثة أوّاب، كان جسده شاحبًا جدًا وكأن لا وجود للدماء فيه، كأن شيئًا امتص كل دمائه، قام آسر ونظر حوله صارخًا:- ماذا تريدون منا؟! مَن أنتم؟!
جريتُ نحوه ممسكًا إيه قائلًا:- أرجوك أن تهدأ آسر، لن تُفلح شيء بانهيارك هذا، علينا أن نفكر جيدًا ماذا نفعل..
جلس أرضًا ووضع رأسه بين يديه مهمهمًا:- لا فرق آدم، فعلنا أم لم نفعل، نحن في كلا الحالتين سنكون في عداد الموتى.
آذان:- ولكن لا يجب أن نستسلم أيضًا، هيا قم معنا آسر، أرجوك أن نحاول!
قمنا ولكن قبل أن نتحرك من مكاننا إذ بفجوة سوداء عملاقة ظهرت من اللا شيء وجذبَت بداخلها آذان وآسر، ثم اختفت كأن لم تكن ..
أنا فقدتُ وعيي وعندما استيقظت لم أجد أحدًا من رفاقي بجانبي، فقط وجدتني نائمًا أمام الخيمة التي نصبناها ومن حولي بدأت الأشجار بالاهتزاز وإخراج جذورها وكأن الحياة دبّت بداخلها، أنا حاليًا أكتب هذه المذكرات لعل أحدًا يجدها ويعرف ماذا حلّ بنا في هذه الغابة الملعونة، أنا آدم .. دخلت بقدمي إلى غابةٍ كأنها مثلث برمودا على اليابسة، كل مَن يدخلها لا يخرج، دخلت مع أربعةٍ من أصدقائي، إياس وأوّاب وآسر وآذان .. مَن يجد هذه المذكرات عليه أن يعرف شيئًا مهمًا قبل قراءتها، وهو ….
عند هذا الحد انتهت المذكرات، ففي الصفحة التالية لم يُكتَب شيء، وإنما كان هناك قطرات من الدماء، من المرجح أنه دم آدم الذي قتلته تلك الأشجار الحية، أما كيف وصلَت المذكرات إلى يدي؛ فقد عثرتُ عليها ملقاةً خارج أسوار الغابة الملعونة، لا أعرف مَن وضعها هناك، ولكني أعرف بالتأكيد أن كل مَن تسوّل له نفسه دخول الغابة، فسوف يلقى مصير أولئك الشباب إن لم يكن أسوأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*” تمت بحمد ﷲ*”
أسماء العمري
بصراحة جميله جدا جدا جدا بحب قصص الرعب بس انا عايزة هي خيالية ولا حقيقية؟