قصة قصيرة
خيانة لم تكتمل
بقلم غادة محمد عبد الرحمن
بقلم غادة محمد عبدالرحمن (سالي)
غرفة النوم مكتظة بالزائرين فجميع موظفي قسم التسويق بالشركة هنا لزيارة زميلهم أحمد الذي أصيب في حادث أدى إلى نومه على ظهره لأكثر من شهرين، ولا يزال متعبا لا تظهر عليه أي بوادر للشفاء فالإصابة كبيرة وخطيرة وتحتاج لوقت طويل للتماثل للشفاء مقسما ما بين عمليات جراحية وعلاج طبيعي حتى يتم علاجها.
ها هو أحمد مستلقٍ على سريره في غرفة نومه لم يحزن على ما أصابه أو يعترض أو يتململ على قضاء الله بل حمده وشكره على عطاياه مما أذهل الحاضرين، فالجميع مندهشين من حالة أحمد لماذا هو مبتسم بارتياح رغم ألمه، وهادئ وراضٍ لا يظهر أي ضيق أو تعب حتى أنه لا يشكو أي ألم بل يتجاذب معهم أطراف الحديث بأريحية ويسألهم عن أحوال العمل وحركة البيع والشراء ومن أخذ لقب أفضل مسوق هذا الشهر، فهذا اللقب كان يتسابق مع زملائه للحصول عليه شهريا ليس لأهميته ماديا فقط ولكن لأهميته المعنوية كذلك.
قطع حديثهم دخول نادية زوجة أحمد للغرفة وهي تحمل معها صينية كبيرة مليئة بواجب الضيافة لزملاء زوجها، ولأن نادية تعد عروس جديدة فهي متزوجة منذ خمسة أشهر فقط لذلك فهي مهتمة بمظهرها جيدا ومتألقة دائما مما لفت أنظار الموجودين كلهم لها.
ورغم رؤية أحمد لأعينهم وهي تلتهم زوجته إلا أنه تمالك نفسه فهو يثق في زوجته ويعرف تربيتها جيدا لذلك فهو مطمئن أن شرفه مصان مهما حدث فنادية ابنة أصول.
فأكمل حديثه معهم بعد أن شكر زوجته على ذوقها وكرم ضيافتها مع ضيوفه، فتركت لهم الغرفة ليتحدثوا مع بعضهم بحرية، فالغرفة كلها رجال ولا مجال لجلوسها معهم، لو كان هناك نساء لجلست و بعد ساعة تقريبا انصرفوا جميعهم وعندما سمعت نادية صوت إغلاقهم لباب الشقة عرفت أنهم انصرفوا، فدخلت الغرفة على زوجها أحمد لتنظفها من آثار تواجد الزائرين فيها فتعجبت من منظر أحمد، فهو مستلقٍ على ظهره واضعا يده على وجهه وكأنه يتحاشى الكلام معها فنادت عليه قائله: أحمد هل أنت نائم، أحمد، هل أنت نائم؟.
لم يرد أحمد عليها لأنه حاليا مليء بالمشاعر المتخبطة المختلطة بالغضب والحزن والغيرة والخوف والتوتر لذلك فضل عدم الرد عليها لأنه لو رد فمن الممكن أن تنهار علاقتهما الآن، وفي نفس الدقيقة التي هما بها ظنت نادية أن أحمد نائم بسبب الجهد الذي بذله أثناء زيارة زملائه له والحديث المطول معهم، أنهت تنظيف الغرفة بحذر وهدوء حتى لا تزعجه ثم خرجت وتركت الغرفة وأغلقت الباب خلفها حتى ينعم زوجها ببعض الراحة.
بعد خروجها دار حديث بين أحمد ونفسه فسأل نفسه تُرى إلى متى ستتحمل نادية ما أنا فيه، نادية ذات أصل كريم وخلق وتربية حسنة و أنا أراها متحملة، لكنها عروس جديدة ولم تسعد وتنعم مع زوجها بحياة زوجية سعيدة مثل أي زوجين متزوجين حديثا، ولكنها لم تشك.
وهل يجب علي أن أنتظر حتى تشك هي؟ .. أنت ستُشفى ووقتها عوضها عن كل ما عانته معك.
وإذا لم أشف؟ .. وقتها هي من عليها الاختيار أتكمل معك أم تطلب الطلاق.
ولكن كرامتي لا تسمح أن أظل تحت وطأة الاختبار منتظرا نتيجة اختيارها .. هذا ليس وقت كرامتك أصمت وأنتظر لا تهدم بيتك بيدك بسبب كرامتك لا أحد يعلم ماذا سيحدث غدا ربك وحده هو الأعلم.
بكي أحمد بدون صوت بدون دموع بكي من قلبه وليس عينيه، ودعى ربه أن يعفو عنه ويشفيه.
وفي غرفتها والتي هي بالأساس غرفة الأطفال الذين سيأتون لو قدر الله لهم بالمجيء تجلس نادية ممسكة بكتاب تقرأه .. سمعت رنين جرس الباب فذهبت لترى من القادم إليهما ووجدت شخصًا وسيمًا مهندم الملابس يضع برفانا غالي الثمن يبتسم ويسألها: هل هذه شقة “أحمد نور الدين”؟، أجابته بنعم
أكمل كلامه: أنا صديقه “علاء الجمال” كنت مسافرًا ورجعت من يومين، وعلمت بإصابته في الحادث من زملائه بشركته عندما ذهبت لأسأل عليه كعادتنا معا.
قامت نادية بإدخاله إلى الشقة واستأذنته في أن تعطي خبرًا لأحمد بأن هناك من يريد زيارته فقال لها أحمد بسعادة: ادخليه إنه صديقي.
وبالفعل قادت نادية الضيف للغرفة فدخل علاء ممازحا أحمد بصوت عالٍ وسلم عليه بود ومحبة زائدين فهما أصدقاء منذ الدراسة الثانوية واستمرت صداقتهما إلى وقتنا هذا، جلس علاء على المقعد بجانب سرير أحمد وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث في شتى الموضوعات ومن أهمها أخبارهم الشخصية وهنا دخلت نادية مرحبة بعلاء مرة أخري ومعها واجب ضيافته وانصرفت ولكنها تركت ورائها عينين أقسمت ألا تدعها في حال سبيلها، فلقد حركت نادية في علاء الشيطان الذي بداخله والذي بدوره زين له الحرام حلال وأنه إذا خفف عنها وحدتها فهو يؤدي خدمة لها فهي بالتأكيد تعاني من مرض زوجها والذي من الواضح ألا شفاء منه فقال علاء لنفسه: مسكينة يا نادية أكيد متضايقة في وحدتك هذه وزوجك نائم هذه النومة التي لن تنتهي خاصة وأنت عروس جديدة لم تفرحي وتعيشي حياتك بعد.
كان علاء يحدث نفسه وأحمد يحدثه ويظن أن صديقه يستمع له ولكن للأسف صديقه كان في عالم آخر زينه له شيطانه يدبر كيف يقتحم حياة نادية ويستحوذ عليها وأخيرا وجد الطريقة فابتسم بسعادة و قال لأحمد: حسنا يكفي هذا يجب علي أن أتركك تستريح.
فقال أحمد بود ومحبة: فلتظل بعض الوقت، أنا لم أشبع منك فلتتناول الغداء معنا.
فرد علاء: الأيام قادمة وسأكرر زياراتي لك ولكن الخوف أن تمل مني.
فقال أحمد: لا تقل هذا يا رجل فأنت أخي وبيتي هو بيتك.
سلم علاء علي أحمد وتركه وعندما خرج من الغرفة وجد نادية تجلس أمام التلفاز في غرفة المعيشة، فألقي عليها التحية فوقفت وتقدمت ناحيته لتوصله لباب الشقة، وهنا طلب منها علاء رقم تليفونها وأعطاها رقمه مقنعا إياها أن هذا الإجراء تحسبا لحدوث أي شئ لأحمد، فأكد عليها أن تتصل به بسرعة حينها، وأنه سوف يتصل من وقت لآخر ليطمئن على صديقه، وبعد أن نفذ مخططه الشيطاني انصرف وهو يشعر بلذة الإنتصار فهو علي بعد خطوة واحدة من النيل من نادية والتي بعد إغلاقها لباب الشقة دخلت المطبخ وأعدت الغداء وقدمت لأحمد غدائه وبعدها ناولته أدويته وإنصرفت الى غرفتها وبدأت تكمل قراءة الكتاب الذي بدأته في الصباح.
وهي غارقة في القراءة رن جرس التليفون المحمول الخاص بها، نظرت وجدت إسم علاء، تعجبت و ردت، ألقي عليها التحية فأجابته وبدأ كلامه قائلا: كيف حال أحمد الأن.
ردت عليه قائلة: بخير والحمد لله، تناول أدويته ونام.
فقال لها: والله أنا مشفق عليك يا مدام نادية، سيدة جميلة مثلك تحتاج إلي من يراعيها ويدللها وليس هي من تراعى وتطبب أنت صغيرة وجميلة وعروس جديدة، أي عروس هذه التي تقضي وقتها كله في رعاية شخص يكاد يكون مشلول.
كل هذا وناديه تستمع لكلماته وهي صامتة، ولكن كلماته نزلت عليها وكأنها كشفت عما بداخلها من أفكار كانت تحاول دائما أن تخفيها بداخلها، وكانت لا تعطيها الفرصة للظهور علي سطح مشاعرها لأنها لو ظهرت لن تكون لها حياة مرة أخري مع أحمد، فهي أدري الناس بأحمد و كرامته ورجولته ونخوته.
كان علاء يتحدث ويتحدث وهي صامتة فما يقوله لها كانت هي تقوله لنفسها وهي بمفردها في غرفتها ولكنها كانت دائما تتذكر كلمات أبيها لها بأن بنات الأصول يظهرن وقت الشدائد وواجب عليهن أن يساندن أزواجهن في وقت المصائب والمحن وهنا كان يدور داخل نادية صراع يومي ينتهي بنومها حتى الصباح واستيقاظها ناسية كل شئ فكرت به في المساء لتقوم بواجباتها نحو زوجها وبيتها.
فاقت نادية من شرودها على صوت علاء الذي علم جيدا أنه بصمتها هذا قد داعب أفكار الشيطان داخلها وأنها الأن في صراعها معه، لذلك فضل أن يختم كلامه معها ليتركها مع صراعها الداخلي على نيران هادئه فقال: نادية أنا سوف أغلق معك الآن ولكن اسمحي لي أن أتحدث معك كل ليلة لأطمئن عليك وحتى تقصين علي ما يضايقك لعلي أستطيع التخفيف عنك إلى اللقاء غدا في نفس الموعد سوف أحدثك.
وأغلق الخط تاركا نادية تسترجع كل ما فات من حياتها وكيف تعرفت على أحمد، وجدت نفسها تبتسم عندما تذكرت كيف تعرفت عليه أول مرة فكانت تسير في الطريق وكان هناك من يغازلها فوقفت تصرخ حتى تجمع الناس حولها لينقذوها منه وكان أول من جاء علي صوتها هو أحمد الذي انهال ضربا على الصفيق الذي يغازلها، وبعد ذلك سار خلفها عن بعد دون أن تراه هي حتى عرف بيتها وتقدم لخطبتها في اليوم التالي، وهنا همست نادية لنفسها يا لك من طيب القلب وشهم وخلوق ومراعٍ يا أحمد، أحببتني كثيرا ودللتني كثيرا حتى جاءت الحادثة، وهذا ليس بيدك فكيف لي أن أتركك أو أهملك، والله حتى لو لم تشف مدى الحياة لن أضحي بك أبدا وقامت نادية من غرفتها وتوجهت مسرعة لغرفة أحمد الذي فوجئ بها تدخل عليه وهي دامعة العينين فنظر لها بقلق وسألها ما بها، فجلست بجانبه على السرير وارتمت بين أحضانه ملتمسةً منه بعض الدفء والأمان وقصت عليه كل ما حدث من علاء الذي يدّعي أنه صديقه وبعد انتهائها من سرد كل ما قاله علاء لها ربت أحمد على كتفيها وضمها إليه بقوة يكاد يعتصرها بداخله وكأنه يخرج القليل من غضبه المكبوت بداخله ولكنه مدرك تماما أنه ليس بيدها شيء فيما حدث فخفف من شدة ضمته لها وقبلها من رأسها ثم رفع وجهها إليه ونظر فيه نظرة مطوله متفحصه وكأنه يتذكر معالم وجهها ثم قال مستفهما: و أنت على ماذا إنتويتِ.
فنظرت إليه مقطبة الحاجبين متعجبة وقالت: إنتويت ماذا؟ وفي ماذا؟
فقال لها: في حياتك معي، ماذا قررتِ وما قررتيه أقسم اني سوف ألبيه لكِ ولا تهتمي لكلام أي أحد فمصلحتك عندي أهم من أي مظاهر كاذبة.
هنا نظرت نادية لأحمد وقالت: أتبدي مصلحتي على مصلحتك وأنت في هذه الحالة، وبكت وأكملت كلامها وهي تبكي: سواء شفيت أم لم تشف أنت زوجي وحبيبي ولن أتركك طوال العمر فأنت زوجي في الدنيا وفي الآخره بإذن الله في الجنة فأنا لن أتركك هناك أيضا.
هنا ابتسم أحمد ابتسامة كلها أمل ورضا وفرحة واحتضن زوجته وقال: كنت متأكدًا من أصالة معدنك الطيب يا ابنة الأصول.
ومرت الليلة عليهما وهما يسترجعان الأيام الجميلة التي مرت عليهما، وثاني يوم مر اليوم هادئا بين نادية وأحمد وعندما جاء ميعاد إتصال علاء في المساء جاءت نادية لغرفة أحمد واندست بجانبه على السرير وأعطته التليفون الذي رن معلنا عن متصل سمج خائن يدعى علاء فابتسم أحمد لنادية وأجاب على المتصل الذي من هول صدمته لم يتحدث بل اكتفى بالاستماع لأحمد الذي قال موجها كلامه للمتصل: نعم يا علاء يا من كنت صديقي، نادية حكت لي على كل ما دار بينكما بالأمس والذي لا تعرفه حضرتك أن هذا الرقم رقمي أنا فزوجتي لا تعطي أرقامها لغرباء، فمن فضلك لا تتحدث هنا مرة أخرى لأنك شخص غير مرغوب بك بالمرة.
وأغلق الخط ونظر لزوجته نظرة مليئة بالحب والإحترام وهو يتوعدها بكل ما هو جميل ورائع عندما يمن الله عليه بالشفاء.
خيانة لم تكتمل
غادة محمد عبد الرحمن
(سالي)