تمام العاشرة ألمًا
بقلم زينب بنت محمد
ما أذكره تلك الفتاة القابعة في ذلك البيت هو شيء أشبه بالكابوس، أتذكر ضحكتها الفاتنة، وأتذكر كيف كانت توزع ابتسامتها التي تحمل لون الفرح، وكيف كانت تزرع الأمل لكل من تلمح اليأس بعينيه..!
أختي تدخل البيت مرتبكة تتلعثم، تمد يدها لأمي ، وأنا قابعة في زواية الغرفة أجلس القرفصاء أقضم شفتاي!
أمّي تصرخ مذعورة، وأنا أنظر بصمت فلا مجال
للتحدث وذات فضول، كسرت هاجس الصمت مستفسرة عم يحدث سألت وسألت لكني لم أفهم ما لذي حدث غادرت أختي تاركة لي حيرة التساؤلات دون جواب مقنع!
وجدت نفسي أحمل بعضي وأتجه مسرعة إلى الخارج إنها تمام العاشرة ألماً ، حسب توقيت ذاكرتي الفائتة ، ذاكرتي التي حاولت التناسي على مدارِ ثلاث أعوام من الآن لا شيء يُنسى كل اللحظات حاضرة أمامي كل العبارات تتردد في أذني، كل التفاصيل التي كانت أمامي الآن، الملعقة الفضية التي هوت على رأسي قبل أن أهرب كالطفل الخائف من اللاشيء الشعور البائس قبل أن أمضى لغرفتي الصغيرة وأتشكل
كالقرفصاء في تلك الزاوية مبدية دهشتي،
أنا تلك الفتاة القابعة في ذلك البيت، أنا الفتاة صاحبةالضحكة الفاتنة، التي تحمل لون الفرح، لا أدري كيف حدث كل ذلك دون أن أبدي ردة فعل هاجمني كالوحش المفترس حالة هستيرية من الغضب أصابته وأنا أحدث نفسي بصوتٍ مرتفع ماذا لو لم يكن هو هنا، ماذا لو كنت هنا وحدي حرة كما كنت في وقتٍ مضى، لم انتهي من
كلماتي تلك إلا وتسلل الوجع إلى عظامي لا أعلم
ما الذي حدث غير أنه جُن وأنا المجني عليها، وجع يثقل رأسي صوت صفير بأنفاسي كقطةٍ مذبوحة ،أغمضت عيني وربما أغمي علي لا أدري، أيعقل أن أكون وعشرات المخذولين فاقدي للوعي، لم يدركنا أحد كيف لكل الشعارات البائسة التي تطالب بحقوقنا تبدو مهترئة أمامي، أنا لستُ ضد الرجل ولا أحمل عقدة تجاه كوني امرأة قد تُتهم بالضعف، لكني ضد الشعارات الفارغة التي تُردد في غير أوانها، ألا يحق لنا صوت نقهر به جور الجبروت؟!
أختي مسرعة نحوي تحاول تهدئتي تحاول
إغلاق فمي تردد ما هذا الهراء!؟ ما هذا الهراء!؟
أنا لست ضدها كونها تسعى لتهدئتي لكن ضد قمع صوتي وجميع المقهورات باسم العادات، حملت ما تبقى لي من صبر وباليد الأخرى أمسك يد أختي كي لا تبتعد وأبقى وحدي أنتظر لعنة الخضوع التي تلاحقني دون رحمة.
مُتَوجسة من كلِ شيء يقترب مني، فيداه اعتادت فكرة البطش وأنا لم أعتد الإستسلام رغم خضوعي فيما مضى، فقدت شهيتي بالحياة كونها كانت السبب في تحطيمي، مازلت أحاول جاهدة النيل من بطشه الذي لم يكن له مبرر، أتى معتذراً يحمل كل أسف العالم بين كلماته يستجدي كلمة قبول عما جرى، محاولاً. إخماد
نار الفرقة التي قد تحدث وكونه إختياري كان لابد لي من قبول كل ذلك فمن حولي سيقف معه كونه الرجل وكونه قدم إعتذار اعتذاره أمراً ليس بالهين هو انتقاص من كبرياء رجل، هذا ما كانت أمي وأختي ترددانه، محاولاتا اقناعي به، كان يجب علي أن ارتمي تحت قدميه مبدية أسفي قبل أن ينطق هو معتذراً، لا أعلم كيف كنت أستطيع تقبل كل ردات الفعل تلك فأنا قليلة صبر عند هضم حقي أو المساس بكبريائي كنت أحلم في وقتٍ مضى برجلٍ يفهمني قبل أن أنطق
يحس بوجعي من نظرة عيني ويدرك شعوري من لهفة عيني، كنت حالمة حد أني غرقت بكابوسٍ لا يرحم لم أكن أطالب بأكثر من حقي كوني ( إنسانه ) قبل أن أكون امرأة ولها حقوق لابد أن تكون، عدت كالطائر الجريح لذلك العش الذي بناه هو بجبروته وأنا بصمتي المستفز كل ما حولي كان يدعوا للأسى ابتدأً من ذراعي المكسورة وانتهاءً بلومِ من حولي ففي نظرهم أنا متمردة ولا ألقي بالاً للعادات ولهيبة الرجل تحديداً كونه ” سي السيد ” الذي لا يجب أن
يُقال له لا أو حتى محاولة نقاشه أو جداله، كل ذلك لم يكن يعنيني كان يهمني أن أصل لمبتغاي وهو أن نكون وهو كيان واحد لكنه لم يحدث، فعنجهيته وشعوره بالفوقية ونظرته الدونية للمرأة بشكل عام كان حاجزاً لأن يكون له سلوكاً مغايراً لما يجب عليه أن يكونه، رغم ذلك حاول اصطناع حنان كاذب حاول ايهامي بأنه سيتدارك كل الأخطاء الماضية طلب كوباً من الشاي، بابتسامة مفتعلة حاولت إيصال شعور بأنه سي السيد ” حاضر ” هو مُبتسماً “تفضلي ” حينها أدركت أن شعور سي السيد وصل لأعماقه ولأنه أحس ذلك الشعور قدم لي إبتسامة تلك الابتسامة من وجهة نظره يجب علي شكره عليها قياماً وقعوداً.. مضيت بخطى بطيئة محاولة استجماع صبري الذي شارف على الإنتهاء، سكبت الشاي بالابريق متعمدة لم أضع السكر محاولة اختبار التغير الذي يدعيه كذباً، بكل هدوء تفضل الشاي يا حبيبي، بوجهه المتجهم شكراً، ارتشف رشفة اهتز الكوب دفعه نحوي دون تردد، ماهذا الشاي المُرّ ألا يوجد
لدينا سكر، أصرخ من حرارة الشاي وهو غير مبال مازال يتحدث عن السكر و النساء المتمردات، ركضت أبحث عن ماء علّ حرارة الشاي تنطفئ وهو مازال يتلفظ بأقبح الألفاظ مردداً المزيد من الشتائم الحريق من الدرجة الثانية وإحساسه بالدرجة الأخيرة أريد الذهاب للطبيب، غير مبال لا داعي للطبيب، بغضب أحمل حقيبتي متجهة للطبيب، كالكلب المسعور
مندفعاً نحوي، دفعني أرضاً دوار أقتحم رأسي
وارتخاءٍ شديد اجتاح مفاصلي وانقباض في قلبي، قاومت وجعي محاولة النهوض، بخطى مترنحة أسير حاول بكل جبروت منعي من المغادرة، كان يعلم أنها النهاية، وكنت أعلم أنه
الختام فلا رجوع ولا خضوع حاول تجاهل قسوته مبدياً اعتذاراته ومبرراته الغير مقنعة لبقائي، أقسم بالله أنها ستكون الأخيرة وأنه سيكون رجل كما يجب، لم تكن محاولاته بائسة، عادت بشرط ألا تتكرر المأساة، كانت تعلم أنها كاذبة وأنه كاذب فهو لن يصدق بكلامه وهي
لم تصدق وعوده، غادر المنزل محاولاً تهدئة نفسه وبكت حتى تورمت عيناها، حاولت تهدئة نفسها حاولت أن تكون تلك الصبورة التي يضرب بها المثل لم تكن تدرك أنها تسير لنهاية طالما كان يجب عليها أن تصلها لكن مغالطتها للواقع حال دون تلك النهاية المتأخرة، عاد كعادته عاقداً حاجبيه يحمل كل غضب العالم بلا أسباب، ذهب دون أي شعور بالذنب ليلقي بجسده المنهك ويغط في نومٍ عميق.
