المرآة بقلم محمود احمد
“”””””
كانت بداية حياتي العملية في اليوم الخامس من أبريل عام 1972 فقد تم قبولي وتعييني مذيعا بالإذاعة المصرية ، وذلك بعد ما اجتزت كل الإختبارات بنجاح وبدأت رحلتي
المهنية ؛ فكم حلمت بأن أكون مذيعا ويُسمع صوتي في كل أنحاء العالم، فقد هويت الخطابة وكنت ضمن جماعتها في أثناء دراستي الثانوية كما أنني كنت مُقدما للإذاعة المدرسية ،واليوم قد تحقق الحُلم وها أنا أمسك بخطاب تعيني بالإذاعة، فانطلقت نحو أمي لأبشرها وأفرحها، فكم عانت في تربيتي واخي حتي تحقق حلمي :
_أمي الغالية لك عندي مفاجأة فخمني ماهي ؟
تتفرس الأم قليلا ثم تقول :
– قل لي يا ناصر ماهي تلك المفاجأة ولا تحيرني
فإني متشوقة لها
– من أسبوع بالضبط أين ذهبت أنا ياأمي ؟
– ذهبت للتقدم للعمل بالإذاعة ،الله يا كريم يارب قُبلت وعُينت مذيعا ياولدي!!؟
*وتنهمر دموع الأم فرحا بالخبر فتحتضن ابنها
وفي شجن وبصوتها المتهدج تقول :
– لقد رد الله تعبي وكافأني وأكرمك وأكرمني لتتحمل عني وتشق طريقك في الحياة، وأكون قد وفيت بوصية والدك رحمه الله الذي شد علي يدي في لحظاته الأخيرةوقال لي :
– يا أم ناصر قد دنى أجلي ومرضي هذا هو مرض الموت ؛وصيتي لك ولداي ناصر ومنصور اعتني بهما وأتمي تعليمهما ولا تبالغي في تدليلهما حتي يكبروا رجالا يتحملون المسؤلية في الحياة ٠
ثم تستطرد الأم قائلة لقد أسماك ناصرا تيمنا بإسم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فقد كانت ولادك يوم أن طرد عبد الناصر ورفاقه الملك وأجلوه عن البلاد وحكم مصر المصريون ٠
_رحم الله أبي ورحم الله زعيم الأمة ، فقد كفيتي وفيتي ياأمي وأتممتي رحلة كفاحك معنا فقد أنهيت دراستي الجامعية وعُينت اليوم بالإذاعة
وأخي منصور هذا العام في نهائي الليسانس وسوف يكون مهندسا ناجحا بإذن الله ٠
* ومضت الأيام والشهور ووجد المذيع ناصر نفسه عمله فأثبت ذاته فقد تلقي الخبرات المهنية من عمالقة الإذاعيين ، الشفافية والصدق وقواعد الإعلام المتحدث الحر والإبتعاد عن اعلام الصخب والصراخ الرنان ونقل الحقيقة ولا شئ غير الحقيقة فالمذيع هو المرآة التي تعكس الواقع بكل موضوعية وشفافية ،فأصبحت وظيفته رسالة إعلامية
يؤديها بحب واتقان ،
*الأحداث مشتعلة وأرض سيناء محتلة والشارع المصري مشتعل وغاضب من حاله اللاسلم واللا حرب ، والتظاهرات تظج بها الشوارع والرئيس السادات أعلن أنه عام الحسم والجماهير في غضب مستمر والركود التام يخيم علي المشهد السياسي ، أرض محتلة، خطب رنانة، شوارع وصلت إلي درجة الغليان ،وضباط يذهبون للعمرة وصحف تهاجم وتشجب، إنها حالة اللا سلم واللا حرب والمذيع ناصر نفسه قد ضاق بهذه الحالة بل وجميع المصريين ؛ولكنه يبتهج عندما يعلم أن أخوه منصور تم استعدعائه للجيش وأصبح ضابطا في سلاح المهندسين فيسأله وقد حضر لقضاء أجازته من كتيبته بالزعفرانة
_أخبرني يامنصور ما حالكم في الجبهة ياأخي ؟
_أُمرنا بضبط النفس ،وكل جندي من زملائي بداخله بركان من الغضب كيف لنا ضبط أنفسنا ونحن نرى العدو يعربد في سيناء ؛ وفي أوقات كثيرة ياأخي أفكر في أن أعبر القناة ولو بمفردي وأفجر وأدمر الصهاينة المحتلين ولو استشهدت فذلك فضل من الله ونعمة ،أريد أن أطفئ النار المشتعلة في صدري فكم حُلمنا بتطهير الأرض واسترجاع كرامتنا ومسح آثار العدوان في خمسة يونيه تلك النكسة البغيضة ،إن جيشنا لم يحارب ولم يأخذ فرصته ٠
_فعلا ياأخي ولكن حرب الإستزاف والتي كبدت العدو خسائر كبيرة بعد أسبوع واحد من نكسة يوليه لهي خير دليل علي شجاعة وبسالة المقاتل المصري٠
*وفي صباح السادس من أكتوبر يتسلم يتسلم رئيس الإذاعة ظرفا مغلقا من مندوب عسكري يقول له
_لا يُفتح هذا الظرف إلا في الساعة الثانية ظهرا وخمس دقائق ٠
٠
*وتحين اللحظة وفي تمام الساعة الثانية ظهرا يُفتح الظرف فإذا هو البيان الأول لعبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس وهجومها علي العدو واقتحام خط برليف المنيع ، وبعد إذاعة البيان يصيح الجميع بالتكبير والتهليل” الله اكبر الله أكبر ” وتتحول الإذاعة إلي جيش ثاني ينقل بدقة وشفافية ما يحدث علي جبهة القتال فقد تحول المذيعون إلي كتيبة صد تدافع فتنقل الحقائق كمرآة تعكس للجماهير كل ما يحدث بمنتهي الدقة وتذب عن الجيش أكاذيب العدو وتزيفه للحقائق حتي يتم النصر واسترداد الأرض والكرامة ،وتمضي السنين وما زال المذيع ناصر يصدح بصوته في استوديوهات الإذاعة المصرية يقص ويروي بطولات الجيش وبسالة الجندي المصري ، كما يحكي عن أخيه “منصور” البطل الشهيد الذي فاضت روحه في إحدى معارك القنطرة شرق ،ويروي ويقص من البطولات والحقائق وكيف أن القوات المسلحة أصبحت للوطن درعا وسيف، وأنها في يوم السادس من أكتوبر سنة 1973 قامت بمعجزة فاقت وتخطت كل المقاييس العسكرية وأحدثت ثورة في التخطيط والخداع الإستراتيجي العسكري وأن حاله اللا سلم واللاحرب ما هي خداع وتضليل للعدو ٠
*بقلم/محمود أحمد الحِكيِّم
من مصر